تونس تعلن الحرب على "النقاب"

  • 104

الحكومة تحظر إرتداءه .. المؤسسات الدينية تخذل الإسلاميين

لم يختلف الأمر كثيرا تحت عرش الحكم المحسوب على التيار الإسلامي "حزب النهضة"، والذي كان عليه النظام السابق المعادي للإسلام، والداعم للفكر العلماني، من محاربة الإسلاميين، خاصة أصحاب السمت الإسلامي"المنتقبات" و"الملتحيين".

فبعد شعور التونسيين بالأمل، والبحث عن الحرية، والعودة إلى الهوية المفقودة، والانتقام من حكم علماني مستبد، دافع عن العلمانية، وروج للأفكار الشاذة والمعادية لإسلام، وحارب كل ما هو صاحب سمت ديني، وطمس كل معالم الدين الإسلامي الحنيف، وفتح الباب لكل ما هو غربي شاذ.

استطاع الشعب التونسي أن يطيح بالديكتاتور العلماني زين العالبدين بن علي من الحكم عقب ثورة 14 يناير 2011، وانتشر "النقاب" على وجه الفتيات المسلمات بصورة لافتة للنظر، وتحول الشارع التونسي الذي غرق في وحل الفكر الغربي، ومحاربة المنتقبات والملتحين، إلى ساحة إسلامية، معتزة بدينها؛ مما أثار غضب ناقمي العلمانية، وأعداء الإسلام.

وعلى الرغم من تشدق صناديد العلمانية بالحريات، إلا أن الأمر يختلف تجاه الاحتشام والالتزام بالزي الإسلامي، حيث كان النظام التونسي السابق يرفض لبس النقاب، ويفرض أشد العقوبات على أصحابه، إلا أن الأمر اختلف كثيرا عقب الثورة، وانتشر النقاب؛ مما استشاط غضب الكارهين لكل ما هو إسلامي، حيث جددت تونس حربها على النقاب مرة أخرى، وأعلنت الحكومة منع ارتدائه مبررة ذلك بأنه أصبح يمثل خطرا على الأمن القومي، بعد رصد عدد من الحالات التي نجح فيها مسلحون ومتشددون ملاحقون قضائيا من الفرار من كمائن الأمن اعتمادا على النقاب.

ومن جانبه، أكد وزير الداخلية لطفي بن جدو خلال جلسة استماع له بالمجلس التأسيسي، أن منع النقاب أمر سياسي يتجاوز المؤسسة الأمنية، ولا يمكن أن يكون قرار أمنيا، وذلك في محاولة لتحييد الوزارة وإطفاء الشعور ببعدها عن السياسة، مؤكدا تشديد الرقابة الأمنية لكل منتقبة.

ولم تسلم المؤسسات الدينية من التدجين والتكريس لطواعية السلطة، والتي من المفترض أن تطوع لخدمة الدين، ورعاية أبنائه، وتصبح المتكأ والملاذ الأخير في الدفاع عن شعائر الإسلام، لكن في البلدان العربية أصبحت المؤسسات الدينية أداة لتأييد الحكام في كل شأن؛ ومن ثم فقد أعرب مُفتي الديار التونسية الشيخ حمدة سعيد عن تأييده لمنع ارتداء النقاب للضرورات الأمنية، لافتا إلى أن المذاهب الإسلامية الأربعة، خاصة منها المذهب المالكي، ترى

أن النقاب يوجد شرعا بين السنة والاستحباب، وأن النصوص الصحيحة ترجّح الحجاب على النقاب.

وفي السياق ذاته، أفتى الشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة بوجوب منع ارتداء النقاب، الذي انتشر مؤخرا في تونس مثلما انتشار العري، مضيفا أن اللباس الشرعي للمرأة المسلمة هو الحجاب، ولا وجود للنقاب في الشريعة الإسلامية.

ونزل العبيدي بالنقاب منزلة المحرمات شرعا، لاستخدامه في عمليات إرهابية تضر بالمجتمع وقتل النفس البشرية، مستندا إلى القاعدة الأصولية الشريعة: " درء المفسدة أولى من جلب المصلحة".

وجاءت هذه الفتوى عقب ثلاثة أيام من إعلان وزارة الداخلية تشديد الرقابة على كل من ترتدي النقاب، في إجراء له صلة بتزايد التهديدات الإرهابية، وتعمّد بعض المطلوبين للعدالة ارتداء النقاب لتفادي الحواجز الأمنية

ولم تكن هذه المرة الأولى في الهجوم على النقاب من قبل الحكومة التونسية، فالحرب على النقاب قديمة جديدة، والتي انتشرت في المؤسسات التعليمية بتونس بالتزامن مع صعود التيارات السلفية في البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، وامتدت الظاهرة لتشمل عددا من مدارس الأطفال؛ حيث لوحظ ارتداء فتيات لا يتجاوز سنهن العشر سنوات للنقاب؛ مما أثار جدلا في تونس، والتي أعتبرته وزيرة المرأة والأسرة سهام بادي تعديا على حقوق الطفل حول مدى احترام الدولة لحقوق الطفل.

وقد سبق ذلك هجوم حاد من وزارة شئون المرأة والأسرة التونسية على النقاب، مطالبة بحظر ارتداء النقاب في مدارس الأطفال التابعة لها بعد أن انتشرت على نطاق واسع .

وفي سياق متصل، قالت المندوبة العامة لحماية الطفولة بالوزارة عايدة غربال، إن ارتداء النقاب بالنسبة للأطفال بات ممنوعا في مدارس تونس؛ حيث إنه يحد من عملية التواصل، فضلا عن أنه يمثل عائقا.

كما شهدت الجامعات التونسية أزمة بسبب النقاب الذي انتشر بشكل واضح داخل ساحة الجامعات، وهو ما تصدى له المجلس العلمي للجامعات التونسية، معلنا رفضه المطلق لإصدار قانون يتعلق بارتداء النقاب داخل المؤسسات الجامعية، معتبرا أن ارتداء النقاب ظاهرة لا تليق بصورة تونس وجامعتها. (على حد زعمه).

وحذر المجلس العلمي من ظاهرة انتشار النقاب باعتبار أنها تزج بالجامعة في حالة من الاحتقان الديني، وتنتهك عملية التواصل بين الأستاذ والطالبة المنقبة، مشيرة إلى أن مسألة ارتداء النقاب من خصائصها وليس للحكومة ولا المجلس التأسيسي شأن في ذلك.
يذكر أن جمعيات حقوقية وثقافية وجامعيين دعوا إلى ضرورة منع النقاب في المؤسسات العمومية وفي الكليات والجامعات.