"المركزي للمحاسبات" يواصل خلع أقنعة الفساد.. والدولة العميقة تعمل في الخفاء

  • 109
الجهاز المركزي للمحاسبات

وأحمد سعيد

"حارص": الهجوم الإعلامي على هشام جنينة يمنح المفسدين غطاءا سياسيا

"المركزي للمحاسبات": لهم حساباتهم الخاصة ويريدون العودة بالجهاز إلى أيام المخلوع

"عبد المعطي": الدولة مازالت ترتع في فساد مقنن وهناك من يحمي الفساد

"عبدالعليم": يطالب الدولة بمساندة جنينة في كشف الفساد بدلاً من التحدث بأمور فرعية

سكن الفساد حينا لكنه لم يختفى، بل عاود الظهور مجددا، رافعا رأسه يعلن عن مقدمه دون خشية من حسيب أو رقيب، بل توعد من يتحدثون عن فساده، ووقف لهم بالمرصاد، يشكك في نزاهتهم، ويطلق صبيانه وأذنابه عليهم، هكذا هي مصر التي سلب ملوكها خيرات شعبها منذ قديم الأزل، أما في تاريخها المعاصر فقد احتلت مؤخرة القوائم في تصنيف الدول المحاربة للفساد.

قال مصدر بالجهاز المركزي للمحاسبات، إنه وبغض النظر عن أداء المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز، إلا أنه لا ينتمي لجماعة الإخوان، بل إنه في ظل رئاسة الدكتور مرسي، كثيرا ما نادى جنينة بمراجعة جماعة الإخوان المسلمين، وأنه لا أحد فوق القانون، موضحا أن كل هذه الاتهامات التي توجه لشخص المستشار هشام جنينه، تنبع عن خصومات شخصية يكنها البعض له، مشيرا إلى أن التقارير التي تناولها المستشار جنينة، قد تم إعدادها خلال رئاسة المستشار جودت الملط للجهاز، لكن لم يتم البت فيها إبان حكم المخلوع مبارك، بل إن قضية الحزام الأخضر متورط فيها أفراد من جهاز الرقابة الإدارية حينها.

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن الهجمة التي يتعرض لها المركزي للمحاسبات ورئيسه، هي هجمة غير مبررة، وأن أغلب وسائل الإعلام لها حساباتها الخاصة، هي ومجموعة رجال الأعمال الذين يمتلكونها، وهم الذين لا يريدون أن يظهر فسادهم، مشيرا إلى أن أحد مالكي هذه القنوات الإعلامية التي تهاجم الجهاز واحد من خمسة رجال أعمال متهمين في قضية أرض شمال غرب قناة السويس، الذين خصص لهم الدكتور كمال الجنزوري عام 98، مساحة 23 مليون متر بسعر 5 جنيه للمتر، موضحا أن المقصود بهذه الهجمة الإعلامية الجهاز المركزي ودوره بالدرجة الأولى، ثم المستشار هشام جنينة بالدرجة الثانية، فدور الجهاز في كشف هذا الفساد يؤرق رجال الأعمال هؤلاء، ووسائل الإعلام التابعة لهم، بل هم يريدون تقليص دور الرقابة المنوط بالجهاز والعودة به إلى ما كان عليه أيام المخلوع، حيث لا تخرج تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن أدراج المكاتب، دون أن يدري الرأي العام بها أو يأخذ أي فكرة عنها.

وتابع المصدر ذاته، أن البعض يود إيصال رسالة للجهاز المركزي للمحاسبات ورئيسه، بأن ما يفعله سيفتح في وحهه عش الدبابير، رغم صحة كل هذه التقارير التي تم مراجعتها عشرات المرات، وتم تقديمها للجهات المسئولة في الدولة منذ أيام مبارك وحتى الآن، إلا أنه لم يتم اتخاذ جديد فيها، بينما تدور رحى الحرب التي يقودها رجال الإعلام حول إيجاد رئيس جهاز يصمت ولا يتحدث عن فساد، والعودة بالجهاز المركزي لما كان عليه أيام المخلوع.

وفي السياق ذاته، قال عاصم عبد المعطي، الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، ورئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد، إن هناك فساد في كل أوجه الدولة، بل إن كل الأجهزة نالها من الفساد ما ناله، ويوجد لدينا تراكم فساد يفوق الثلاثين عاما، ولا يمكن حصره في جهة واحدة بل هو في جميع الجهات والأنشطة الموجودة في الدولة، موضحا أنه من باب أولى أن يتم عرض قضايا الفساد التي يكشفها الجهاز على الرأي العام، بل هو من أهم النقاط التي يجب أن تُراعى في المرحلة القادمة، لأن عرض هذه النقاط على الرأي العام خير رادع للفساد في الوقت الحالي، إلا أن سوء التقدير وسوء اختيار الوقت هو الذي وضع الجهاز ورئيسه في هذا المأزق.

وتابع عبد المعطي، كنت أتمنى لو أن تكون هذه الهجمة ضد الجهاز المركزي كانت أيام المستشار جودت الملط، وفي توقيت غير التوقيت الحالي، فوجود مثل هذا الكم من الفساد كان يتطلب أن يكون هناك تكالب من الرأي العام ضده، خاصة وأن التقارير أثبتت أن هناك مخالفات عديدة، مشيرا إلى أن مخالفات قضية طرح النهر بلغت 18 مليار جنيه، ومخالفات الشيخ زايد 4 مليار جنيه، أما مخالفات الحزام الأخضر فبلغت 3 مليار جنيه، فلو تم عرض هذه المخالفات بأسلوب مناسب فسيتم تحصيل مبالغ تم إهدرارها من المخالفين، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الموازنة العامة للدولة، بنسبة كبيرة من هذه الأرقام، أما الآن فمن الصعب تحصيل هذه المبالغ بل ومن الصعب الحصول من أي مؤسسة على اعتراف بوجود فساد أصلا، وأكسب الجهاز ورئيسه عداء هذه المؤسسات.

وأضاف الوكيل السابق للمركزي للمحاسبات، إننا طوال 30 سنة وحتى الآن تم وضع مجموعة من القوانين المشرعة للفساد أو المقننة له، موضحا أن هذه القوانين مازالت موجودة حتى الأن، تستخدم كثغرة تسمح بتبرئة كل المتورطين في قضايا الفساد خلال سنة أو اثنتين من تاريخ محاكماتهم، فالقاضي يحكم وفق القوانين التي تحكمه، وهو في هذا الشأن أمامه قانون أصم لا يسمع ولا يتكلم، مضيفا أنه لابد من إعادة النظر في شبكة القوانين، وأن تتم عملية فلترة وتنقية لهذه القوانين، كي تكون المرحلة القادمة هي فعليا مرحلة محاربة الفساد، أما القوانين الموجودة حاليا فهي قوانين مشرعة للفساد مبرئة للفاسدين، لذا فيجب تشكيل لجنة قانونية لإعادة النظر في هذه القوانين ولاسيما ما يتعلق منها بالاقتصاد المصري.

وعن استمرارية الفساد داخل مؤسسات الدولة، تساءل عبد المعطي، هل لازال هناك من يحمي الفساد حتى الآن كما كان يتم حمايته سابقا؟ مجيبا، نعم لازال هناك من يحمي الفساد في بلدنا حتى الآن، بدليل أن تصنيف مصر في مكافحة الفساد هو المركز الـ114 على مستوى العالم، وفقا لتقرير الشفافية الدولية الصادر في شهر يناير 2014، كأسوأ دول العالم في مكافحة الفساد، فنحن دولة كنا ومازلنا نقنع ضحايا الفساد المقنن.
بينما انتقد الدكتور صابر حارص، أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج، وسائل الإعلام المصرية وبعض القنوات التي تُمول من أتباع ورموز مبارك، التي تقوم مهاجمة المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، لكشفه فساد المسئولين، وتجاهل النظام الحالي لهذا الهجوم الغير مبرر.

الدولة العميقة

وأضاف حارص، أن الوضع الاقتصادي للبلاد حالياً يترنح وفى غاية الخطورة ونحتاج لأية أموال لتحسينه، فى حين أن الذين يكشفون عن الفساد الأمر الذى يحسن من الوضع الاقتصادي المتردي والمتأزم، يهاجمون وهناك من يريد إلقائهم في الويل والجحيم.

وأوضح أنه لا أحد فوق القانون، وأن ما يحدث غياب للعدالة ودولة القانون التي يجب أن تطبق على الجميع، دون تمييز لأحد، مضيفاً أن هذا يؤكد أن هناك استمرار لدولة الفساد والدولة العميقة من الذين ينهبون أموال الشعب.

إعلام غير مهني

ووصف أن ما يحدث من وسائل الإعلام تجاه شخص يكشف عن فساد المتورطين وتستر البعض علي ذلك، بأنه عمل غير أخلاقي يتنافي تماماً مع المهنية الإعلامية الشريفة، وكان يفترض أن يكون الإعلام أحد وسائل كشف الفساد لا التستر عليها.

وتابع، أن دولة ورموز مبارك مازالت قائمة وتتحكم فى مؤسسات الدولة، وإلا ما وجدنا هذا الهجوم الحاد، مشيراً إلى أن استمرار جنينة في كشف الفساد، يؤكد أنه شخص شريف وموضوعي وأنه متأكد مما يقول وبالمستندات على مرأى ومسمع من الجميع، وإلا ما تحدث عن حجم هذا الفساد الكبير، مطالباً بعدم التستر على فساد المؤسسات، مثلما كان يحدث فى عصر المخلوع.

وطالب صابر حارص كافة الوسائل الإعلامية بالكف عن الهجوم الحاد والغير أخلاقي لمجرد الكشف عن فساد أشخاص سابقين وحاليين نهبوا ثروات ومقدرات الشعب الذى يعاني ظروف المعيشة الصعبة، مشدداً على ضرورة تحرى الدقة والموضوعية والبحث عن المصلحة العليا وليس مصلحة أشخاص بعينها.
حماية الجهاز

كما طالب النظام الحالي بحماية ومساندة هشام جنينة من هذا الهجوم، لمواصلة الكشف عن الفساد المستشري في كافة أذرع الدولة العميقة، وأن يكفل له الحماية بدلاً من تركه هكذا للمتربصين.

وأكد الخبير الإعلامي أن الأداة الإعلامية هي أخطر الأدوات والوسائل إذا ما تم استخدامها في غير مكانها الطبيعي والصحيح والذى ينبغي أن يكون محايداً، لا من أجل عمل غطاء على أصحاب الفساد والمفسدين تجاه المجتمع.

وشدد أنه لابد من مراقبة ومراجعة كافة الوسائل الإعلامية، كما يحدث فى بعض الدول، حتى لا يستخدم لأغراض سياسية وأهواء البعض وأصحاب رؤوس الأموال والذين يعيثون في الأرض فسادا.
تحقيق عادل

من جانبه، طالب الدكتور شعبان عبدالعليم، البرلماني السابق عن حزب النور، الدولة بأن تفتح تحقيق شامل وعادل فى تلك الوقائع التي ذكرها رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، مشيراً إلى أن الدستور الجديد نص على أن تكون هناك شفافية مع الشعب.

وأضاف عبدالعليم أنه بعد الكشف عن تلك الوقائع من أوجه الفساد لابد وأن تتحرك الدولة وتعلم المواطن بما يجرى من فساد، وأن تقوم بمحاسبة مرتكبيه بدلاً من أن تقف متفرجة إذا كانت صادقة مع الشعب ومع نفسها أيضاً وإذا كانت بالفعل تحارب الفساد كما تتحدث.

ووصف البرلماني السابق ما يحدث تجاه جنينة، بأنه تمسك فى أمور فرعية وترك القضية الأساسية وهى الفساد الذى أضر بالبلاد والعباد وحياة البسطاء الذين يعانون ظروف المعيشة.

وتسائل قائلاً: هل جزاء جنينة فى أنه يكشف عن الفساد وأموال الشعب المنهوبة والذى خرج في ثورات من أجل وقف هذا النزيف واستعادة حقه الذى لم يحصل عليه حتى الآن؟