عاجل

قصة مسكين (2)

  • 162
أرشيفية

الحمد لله رب العالمين، والصلاه والسلام على محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أما بعد.

كعادة كثير من شباب هذه الأيام -إلا من رحم ربي- عاش هذا الشاب حياته؛ فصباحا يذهب إلى جامعته ينتظر أصدقاءه ليكملوا مع بعضهم البعض حياة الغفلة، فمنهم من كُلّ حياته جلسات مقاهي وتدخين وسماع أغاني واختلاط، ومنهم من عنده شيئ من هذه الأمور، ويجتمعون جميعا على الغفلة ..

فحياتهم ما هي إلا محاولات مستمرة من الاستمتاع، بصرف النظر عن الحل والحرمة..

وفجأة تغيرت حياة هذا المسكين، إما بسبب صديق صالح أو بسبب مصيبة أفاق بسببها، أو أحيانا تفكّر في حاله وضيق صدره بالرغم من كل هذه المحاولات للإستمتاع بالحياة ..

المهم أنه فجأة أصبح ينظر للحياة على حقيقتها، متذكرا قول الله -عزّ وجلّ- (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) أصبح يحافظ على الصلوات .. ويسأل عن السنن ليلتزمها ..

ظهر عليه الالتزام، وأصبح الناس ينادونه بـ "ياشيخ فلان" ..

ترك صحبة الغفلة، وأصبح لا يصاحب إلا أهل المساجد ..

عرف بعد فترة أهمية طلب العلم الشرعي؛ فحاول دراسة العقيدة والفقه والعلوم الشرعية ..

بدأ يتدرج رويدا رويدا في حياة التقوى، وأصبح للحياة عنده معنى .. ذاق حلاوة الإيمان، وذاق طعم العبودية، ويالَه من طعم لا ينساه أبدا من ذاقه ..

أصبح هذا المسكين هو المرجع الديني لكل من حوله، أهله وجيرانه، ولكن هل يستقر به الأمر على ذلك ؟!

بعد سنين قد تصل لعشرة أو تزيد، بدأ الشيطان يلعب مع هذا المسكين لعبته؛ فهو لن يتركه ينعم بالإيمان في الدنيا وينعم بالجنة في الآخرة ..

نسي هذا المسكين قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)؛ فبدأ يتأخر عن صلاة الجماعة، وبدأ ينشغل عن وِردِه من القرآن، وبدأ ينام عن صلاة الفجر، وقد كان يحس بحرقة شديدة عندما تفوته الصلوات، لكنه أصبح الآن بالنسبة له أمرا عاديا ..

في غير هموم الحياة الطبيعية أصبح معظم وقته على الكمبيوتر أو الموبايل، يتابع صفحات "الفيس بوك" و"الواتس"، ولا مانع -في بداية الأمر- من مصاحبة الفتيات بغرض الدعوة إلى الله على هذه الصفحات، ثم يكمل الشيطان معه طريقه كما أكمله مع عابد بني اسرائيل؛ فيصبح هناك "شات" مع نساء، وطبعا لا مانع من الدخول على صفحات إباحية ومشاهدتها ..

وفي الوقت الذي تتطور الذنوب مع هذا المسكين ينحدر إيمانه انحدارا عجيبا؛ فلم يعد هناك وِرْد من القرآن، ولم يعد يحافظ على السنن ..

وأصبحت علاقته بالمساجد علاقة فاترة جدا، وأصبح يغيب عن صلاة الفجر بالأسابيع والشهور، وقد يستمر بهذا المسكين الانحدار حتى يصل لوضعه الأول من المعاصي والغفلة -بل أسوأ- لأن من لم يذق ليس كمن ذاق ..

  فهل يراجع هذا المسكين نفسه قبل أن ينزلق أكثر وأكثر؟ أم أنه لن يفيق إلا على الموت وقد فاجَأَه، والقبر وقد ضَمَّه، وقد لاقى سوء عمله بعدما عرف وأقيمت عليه الحجة ..

فاللهم تب على هذا المسكين وتب علينا جميعا، وارزقنا وهذا المسكين الثبات على الدين، وحسن الخاتمة .. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.