"العيلة الكبيرة"

  • 200
أرشيفية



في الشرع عبادة حلوة المذاق، وإن كانت كل العبادات حلوة يؤجر بها العبد، ولكن هذه العبادة يرتفع بها العبد في درجات الجنة، ويستشفع بها بعد دخول أهل الجنة إليها.
قال بعض السلف: "استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة"، وشاهد ذلك ما جاء في الصحيحين "فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون"، ويستظل بها في ظل الملك الجبار يوم التناد "ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، إنها عبادة الحب في الله، لها في القلب حلاوة وعند الله أجر عظيم، تزيد على أخوة النسب، وأغلى من الورق والذهب، لا تتأثر بمرور الأيام ولا قلة اللقيا على الدوام، وإن من إخواني من لا ألقاه إلا كل عام، ولكني أوثق بمودتهم لي ممن ألقى كل يوم، نحب الصالحين وإن لم نراهم، ونحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكم نتمنى أن نراه، وقد قال: "من أشدّ أمتي لي حُباً، ناسٌ يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله"، ونحب الصحابة -رضوان الله عليهم- ونحب العلماء والصالحين في بقاع الأرض، نحب صفي الرحمن المباركفورى في الهند، وابن عثيمين بالحجاز، وعلماء اليمن وأهل السنة في العراق، وكل المسلمين إخواننا في الله، نحزن لحزنهم ونفرح لفرحهم، ونهتم لأمرهم، كيف لا؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى"، رحم الله الشيخ رشيد رضا عندما رأته أمه ذات مرة حزينًا، فقالت له: مالك يا بني هل مات مسلم في الصين!؟، وذلك لما علمته من اهتمامه بأمر المسلمين. 


في ديننا ثمة رابطة قوية تجمع المسلمين كعائلة كبيرة فتعلو على أخوة النسب، حين رأى مصعب أخاه "أبوعزيز" أسيرًا في يد أحد الأنصار يوم بدر فقال مصعب لأخيه في الإسلام من الأنصار: "شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك"، فقال له أخوه في النسب "أبو عزيز": يا أخي أهذه وصاتك بي؟ فقال مصعب رضي الله عنه: "إنه أخي دونك".
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، وشبك بين أصابعه.