تدنيس المصحف بموريتانيا وتجدد الاشتباكات

  • 112
دولة موريتانيا

وسط انشغال العالم أجمع بما يحدث داخله من موجات احتجاجية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية وغيرها، وخاصة انشغال الدول العربية بما يحدث فيها من ثورات؛ استغل بعض الموتورين تجاه ديننا الحنيف في واحدة من الدول التي ترفع شعار الشريعة الإسلامية ليكيدو لها كيدا، بل لقد وصل الأمر مدى لم يسبق له مثيل.


ففي يوم الأحد الماضي وصلت سيارة رباعية الدفع غير مغطاة إلى حي تيارت بنواكشوط ، بعد صلاة العشاء، ونزل منها أربعة شبان ملثمون، دخل ثلاثة منهم المسجد وبقي الرابع خارجا يراقب لهم الجو العام الخارجي. بحسب شهود عيان من سكان المنطقة.
وأضاف الشهود، أن الشاب الذي لم يدخل المسجد انتظر فترة قبل أن ينادي على زملائه بأنه عليهم أن "يكملوا مهمتهم بسرعة فائقة".

وكان المسجد يضم ستة مصاحف على الأقل ــ حسب رواية الشهود ــ مزق الشبان منها أربعة مصاحف، ورموها في الممر، وفي المكان المخصص للوضوء.


احتجاجات واشتباكات

وانتشر الخبر بسرعة البرق في جميع نواحي موريتانيا، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"؛ وإثر ذلك شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط مساء الاثنين الماضي اشتباكات متجددة بين المتظاهرين المحتجين على تدنيس المصاحف وتمزيقها وقوات الأمن؛ مما أدى لإصابات، بينما صدرت إدانات مجتمعية واسعة لحادثة التدنيس.

وأصيب عدد من المتظاهرين بالإغماء جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع، بينما تحدثت مصادر طبية عن أكثر من عشرة جرحى في المواجهات الأخيرة.

وقالت السلطات في تصريحات بثت في الإعلام الرسمي، إنها فتحت تحقيقا حول ملابسات الحادث وتعهدت بالدفاع بصرامة عن المقدسات والممتلكات، وشهدت الساحة الموريتانية إدانات واسعة جدا لجميع التيارات السياسية والدينية لتدنيس المصحف.

فقد عقد منتدى العلماء والأئمة (هيئة شعبية) تجمعا جماهيريا كبيرا طالب الحكومة الموريتانية بالقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة في أسرع وقت، ودعا المتدخلون في التجمع الموريتانيين إلى "نصرة دينهم والدفاع عن مقدساتهم، وعدم المس بالممتلكات العامة أو الخاصة، ودعا بعضهم إلى استقالة وزير الشئون الإسلامية.

واعتبر المتحدث باسم المنتدى الشيخ ولد صالح أن "تدنيس المصحف والإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يأتيان في سياق موجة إلحاد تشهدها البلاد".

وقال في حديث للجزيرة نت: "إن المنتدى سيقوم بسلسلة نشاطات جماهيرية بهدف مواجهة الإلحاد والذب عن مقدسات الأمة بالوسائل السلمية الشرعية، بعيدا عن أي عنف أو تطرف".

وأضاف صالح: "أن على الحكومة أن تتفهم غضب الشارع المسلم؛ حيث إنه أثيرت مشاعره ودنس قرآنه، وعلى الشارع أن يتأدب بالآداب الإسلامية؛ فيستنكر هذا الفعل الشنيع، لكن وفق الضوابط الشرعية".

وفي سياق متصل، أدانت الأحزاب السياسية الموريتانية تدنيس المصاحف وتمزيقها، باعتبار ذلك إساءة إلى كل الموريتانيين لا يمكن تحملها أو السكوت عليها، وشددت عبر بياناتها على ضرورة القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة بأسرع وقت ممكن.

وحملت بيانات أحزاب من المعارضة اتهامات للحكومة بما سمته "القمع والتنكيل بالمتظاهرين السلميين"، داعية إلى "ضرورة وحدة الصف للوقوف في وجه الهجمات الشرسة والمتكررة التي تتعرض لها مقدسات الأمة وثوابتها".

من جانبه، ندد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بما سماها "الجريمة الشنعاء"، وطالب الحكومة "بالتحقيق الجاد والسريع والفعال في هذه الحادثة الأليمة"، والقبض على الجناة "وإخضاعهم للعقوبات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية ومحاسبتهم بكل صرامة ودون رحمة".

ودعا الحزب الشعب الموريتاني إلى الابتعاد "عن الانجراف خلف دعاوى مثيري الفتن والشحناء"، معتبرا أن هناك "جهات مستفيدة من الوثبة الشعبية لتمرر من خلالها رسائلها العدوانية الآثمة".
وقتل موريتاني في الـ21 من عمره إثر اشتباكات بين الشرطة وآلاف الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع في العاصمة الموريتانية نواكشوط ، بعد انتشار الخبر.

وقال إمام مسجد خالد بن الوليد محمدون ولد محمد سالم، إن أربعة أشخاص مجهولي الهوية دخلوا المسجد، وأزاحوا أربعة نسخ من المصحف ودنسوها بإلقائها في دورة مياه المسجد.

وقد بدأت الشرطة التحقيق فيما حدث، لكن خبر تدنيس المصحف انتشر بسرعة، وأخذ المحتجون يحرقون إطارات السيارات ويسدون الطرق.

وقد اتصل الرئيس الموريتاني بإمام المسجد ليعرف منه تفاصيل ما حدث.
وقال الصحفي الموريتاني السيد هاشم لـ"بي بي سي": "إن تلك الحادثة هي الأولى من نوعها في موريتانيا، التي "تعد العاطفة الدينية فيها أقوى من أي شيء آخر".

وأضاف هاشم، أن موريتانيا شهدت خلال السنتين الماضيتين حوادث أخرى بشكل تصاعدي، منها تمزيق المصحف، وإهانة المقدسات الدينية، وسب النبي محمد، وإحراق الناشط الحقوقي ولد عبيدي لبعض الكتب الفقهية للمذهب المالكي، وانتهت على غير ما هو متوقع تماما بواقعة تمزيق المصحف وتدنيسه في الحادثة الأخيرة.

الصيد في الماء العَكِر

وتتزامن تلك المظاهرات كما يقول هاشم، مع صدور تقرير لمنظمة حقوقية يشير إلى انتشار ظاهرة الإلحاد في دول المغرب العربي، وليبيا، وتونس، والمغرب، وموريتانيا.
ويقول إن التقرير يشير إلى أن الملحدين في تلك الدول لا يستطيعون إعلان إلحادهم خوفا من "لعنة المجتمع"، و"فتاوى القتل بسبب القوانين المستمدة من الإسلام باعتباره الدين الرسمي في تلك الدول".
ويضيف أن هذه القوانين تعتبر أي مسلم يغير دينه مرتدا، إما يستتاب، وإما يقتل إن رفض التوبة.

احتجاجات أمام القصر الرئاسي


وقد تواصلت الليلة الاحتجاجات المتصاعدة المنددة بالجريمة الآثمة، حتى وصلت إلى الساحة الواقعة أمام القصر الرئاسي، وواجهتها الشرطة بالقمع، حيث قال مراسل "صحراء ميديا" إنها أطلقت الغاز المسيل للدموع، واستخدمت الهروات لتفريق المتظاهرين، كما انها اعتقلت عددا منهم.

وأضاف المراسل، الأعداد تزايدت بشكل مضطرد، والحركة نشطة في الشوارع المحيطة بالمنطقة؛ في حين أغلقت شرطة مكافحة الشغب بعض الشوارع والطرق الفرعية، ومنها الشارع المار أمام مبنى ولاية نواكشوط.

وأشار المراسل إلى أنه لم يلحظ سقوط مصابين خلال القمع الذي تعرضت له المظاهرات، في محيط القصر الرئاسي، وإن كان شهود عيان تحدثوا عن سقوط عدد من الجرحى.