إصلاح الشرطة وتطهير الداخلية مرهون بإرادة القيادة السياسية

  • 128
صورة أرشيفية

"توعية طلاب الشرطة.. سن قوانين جديدة.. تفعيل دور الرقابة" حلول ناجعة
"غباشي": مصر بحاجة إلى إعادة هيكلة مؤسساتها بالكامل إلى شكل يرقى لقيمة ثورة يناير
"زارع": لا بد من تغيير الفكر الأمني الفاسد والعقيدة الشرطية المنحرفة
"قطري": لا عذر في قهر إنسان ولا بد من قانون يعرّف الإهانة ويجرمها


سقط نظام مبارك وسقطت دولته البوليسية، وتمنى الناس قيام دولة العدالة، تكون فيها مؤسسات الدولة ظهيرا لهم لا طرفا يناصبهم العداء، آملين أن تتعافى تلك المؤسسات وعلى رأسها الجهاز الشرطي، ليتمكن من حفظ الأمن وضبط الخارجين عن القانون، إلا أن الشرطة سلكت طريق العنف وارتكبت كثيرا من التجاوزات في حق المواطنين، لذا كان لا بد من البحث عن سبل الإصلاح التي تعيد الأجهزة الأمنية إلى مسارها الصحيح ودورها الوطني المنوط بها.

وفي هذا الصدد قال اللواء محمد نجيب، مدير أمن محافظة جنوب سيناء، إن وزارة الداخلية تشهد حالة من السلبية الشديدة في أداء أفراد وضباط الشرطة، وتدنت لديهم درجة الولاء والانتماء للوزارة، وصار يضفي على عملهم عدم الاهتمام واللامبالاة، موضحا أنه لو علم كل الضباط ما لهم وما عليهم لانضبط الأمر واستتب الأمن، لكنهم يتقاعصون عن العمل، ولا سيما بعد أن تطرقت إليهم ثقافة الإضرابات والاعتصامات، وصاروا يتصرفون وفق أهوائهم وآرائهم الشخصية، مؤكدا أن تلك الثقافة هي ثقافة دخيلة على جهاز الشرطة، ولم يكن لها تواجد من قبل، مناشدا بضرورة إيجاد حل سريع وناجع لتلك المشكلة وإعادتهم لحضن الوزارة ثانية، خاصة وأن أداء جهاز الشرطة يعتمد بنسبة 60% على هؤلاء الأفراد والضباط.

ويطالب نجيب، بإجراء برنامج إصلاحي لجهاز الشرطة، وإعادة هيكلة وبناء سياسات الوزارة مجددا، ورفع كفاءة وقدرات الأفراد والضباط، وبإجراء دورات تدريبية مكثفة تحت إشراف قيادات مسئولة، مشددا على ضرورة أن تقوم هذه القيادات بتوضيح الأمر وتبيان أن مصر تمر بظروف غير اعتيادية بالمرة، وأنه على القيادات صاحبة القرار أن تجلس مع رجال الجهاز الشرطي وتسمع إليهم وتفهم عنهم، وألا يقتصر الأمر على السماع والانصراف فحسب، بل يجب أن يتبع الاستماع نتائج وقرارات لضمان استجابة تلك القواعد وضمان ولائهم وعطائهم.

وتمنى مدير أمن محافظة جنوب سيناء، أن يتعافى الجهاز الشرطي ويسير بالبلاد لإخراجها من أزمتها الراهنة، حتى يتم إقرار الوضع وتستقر الأوضاع، مطالبا رجال الشرطة ببذل الجهد المتزايد، وغض الطرف عن مطالبهم حتى تستقيم الأمور، وحينها يتم النظر في مطالبهم وتحسين أوضاعهم.

وعن استكمال البرنامج الإصلاحي يرى نجيب، أنه لا بد من تبني الأساليب والتقنيات الحديثة داخل الوزارة، فضلا عن رفع القدرات وإعادة التأهيل النفسي، موضحا أن مصر تمتلك كفاءات عالية في مجال الطب النفسي وبرامج الإعداد والتدريب، سواء على مستوى وزارة الداخلية أو بالتنسيق مع القوات المسلحة، بل لو تطلب الأمر الاستعانة بالضباط والكفاءات الذين بلغوا سن المعاش وإعادتهم كمحاضرين، وذلك لما يمتلكوه من كفاءة محترمة وعلى قدر عالي جدا.

وفي نفس السياق، يقول العميد محمود قطري، الخبير الأمني ومؤلف كتاب "اعترافات ضابط شرطة"، إن برنامج إصلاح جهاز الشرطة يقوم على تغيير الفكر الأمني الفاسد، وتغيير العقيدة الأمنية المنحرفة، بالإضافة إلى جعل الفكر الشرطي يتوائم مع فكر المجتمع ويعمل على تطبيق وتفعيل شعار "الشرطة في خدمة المجتمع"، إلا أن الشرطة مغرورة على المواطنين، فبرامج إعداد الضباط وأفراد الجهاز الشرطي تقوم على رسم صورة ذهنية عن الشرطي أنه السيد وأنه "الباشا"، وهذا القصور في الفهم لا بد من معالجته والتصدي له، مؤكدا أن انحراف سياسات وزارة الداخلية ترسخ لحدوث مثل هذه التجاوزات التي تقع في حق المواطنين، "لا سيما وأن الوزارة تخصص مكأفاة لمن قام بتسجيل قضايا أكثر دون الاكتراث إذا ما كان المقبوض عليهم جناة حقيقيين أم أبرياء؟"، بل إن الوزارة جعلت العلاقة بين مكأفاة الضباط وتسجيل القضايا علاقة طردية، كلما زادت هذه زادت تلك، وهو الأمر الذي دفع الشرطيين إلى تلفيق القضايا لأجل الحصول على الأموال وتحسين دخلهم، كما أن سياسات الوزارة جعلت الأسلوب الشرطي ينحرف عن مساره الصحيح ويتحول من حماية المواطن إلى الاعتداء عليه.

وجدد قطري القول بأن وزارة الداخلية والجهاز الشرطي، رسخ في نفوس أفراده سياسات خاطئة وعقيدة فاسدة، وأسلوب عدائي ضد المواطنين، موضحا أن الوزارة قامت بإقصاء كل من رفض تلك السياسات العدائية والعقيدة الفاسدة، أما كل ضابط وافق على هذه الأساليب الخاطئة وشارك في الفساد وسهل لرؤسائه السرقة فقد تم تقريبه وترقيته، ومن ثم فإن كثيرا من القيادات الشرطية الحالية ليست على القدر المطلوب من الكفاءة والنزاهة، وأن أغلب تلك القيادات غير صالحة ولا تصلح لتوجيه الوزارة.

وألمح قطري إلى أن حبيب العادلي أثناء توليه وزارة الداخلية، قد همش دور جهاز الشرطة، وجعل دور أفراد وضباط الشرطة يقتصر على تحرير محاضر "تافهة"، كتحرير التقارير الطبية ومحاضر إيصالات الأمانة، ولم يهتم برفع كفائتهم وتوجيهها نحو منع الجريمة، مؤكدا على أن العمل الشرطي الحالي يقوم على استراتيجية خاطئة، بعيدا عن أساليب وتقنية القرن الـ 21، فكل سياسات الوزارة خاطئة، وعلى رأسها استخدام التعذيب في كشف مستور الجريمة، كأسهل وسيلة يراها الضباط للحصول على المعلومة، حتى صار التعذيب أسلوب منهجي معتمد داخل الوزارة، ويُسأل عن ذلك السياسات والقيادات الفاشلة.

وأوضح قطري أن إصلاح الشرطة لن يتم إلا بإحداث تطهير داخل هذا الجهاز وداخل تلك الوزارة، وأن هذا التطهير يقتضي معاقبة كل من أخطأ، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الضباط الذين تلقوا رشاوي وارتكبوا جرائم في حق الوطن والمواطنين ولكن لم يتم محاسبتهم حتى الآن، مجددا تأكيده على إيجاد منظومة داخل جهاز الشرطة تحاسب كل من تجاوز، مضيفا أن رجال وضباط الشرطة عليهم أن يدركوا أنهم يتقاضون رواتبهم من ميزانية الدولة، ومن أموال دافعي الضرائب وعوائد الملكية العامة التي يمتلكها المواطنين المصريين، وأن يدركوا أن المواطنين هم من يدفعون مرتبات ومكآفات الشرطة، وتابع قائلا: "إذن فرجال الشرطة يعملون أجراء لدى الشعب المصري، ولذا عليهم احترامه وتطبيق شعار "الشرطة في خدمة الشعب" على أرض الواقع، وأن يكون الشرطي في منتهى التواضع أثناء تعامله مع المواطن".

أما محمد زارع، المدير التنفيذي لجمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، فيقول إن المناخ الحالي والبنية القانونية التي تحكم وزارة الداخلية تبيح الاستبداد، بل إن هناك داخل الوزارة من يغطي الفساد، مؤكدا أن ما تقوم به الشرطة حاليا من تلفيق قضايا وانتهاكات لحقوق الانسان لا يخفى على مسامع وأنظار الإرادة السياسية، لكنها لا تحرك ساكنا ولا ترغب في تحسين الوضع، لذا فإن لم تتوافر الإرادة السياسية، فلن يتم إصلاح الجهاز الشرطي لا حاليا ولا مستقبلا، موضحا أن الشرطة قد تدربت على مواد حقوق الإنسان والمواد القانونية لكنها لم تقدم نتيجة على أرض الواقع وذلك لعدم توافر الإرادة السياسية، تلك الإرادة التي تتبنى بنية تشريعية تجيز الإفلات من العقاب، وتقوم على فكرة حماية النظام أيا كان هو لا حماية المواطن، بل إن الجهاز الشرطة مؤخرا لم يتطرق إلى حماية النظام وحده بل وحماية مصالح الشرطة أيضا، وذلك يحتاج إلى تغيير جذري في أداء وزارة الداخلية، وكي يتم ذلك التغيير لا بد من محاسبة كل من أجرموا منذ أيام نظام مبارك.

وقال مختار الغباشي، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه يجب إعادة صياغة المنظومة الأمنية بالكامل، وإعادة النظر في آليات ضبط الجريمة، بنوع من الحرفية في التعامل مع المواقف الأمنية، بالشكل الذي لا يجعل الشرطي يخل بعمله أو يرتكب تجاوزا في حق المواطن، كي نمتلك رجل شرطة يستطيع أن يؤدي دوره في حفظ الأمن والنظام بالصورة التي تحافظ على حقوق الإنسان ويحافظ على كرامته كمصري، موضحا أن ذلك لن يتم إلا بإعادة هيكلة المنظومة الأمنية بشكل يرسخ كل تلك المبادئ، ويغير ثقافة رجل الشرطة التي تعتمد على أسلوب القهر والتعذيب، واستخدام الانتهاكات بأشكالها لنزع الاعترافات من المتهم، مضيفا أنه يجب أن تتوافر قناعة لدى الشرطي بأن المعلومة يمكن الحصول عليها بأسلوب أرقى.

وأضاف الغباشي، أن إصلاح الجهاز الشرطي يحتاج إلى تغيير المنظومة الفكرية داخل الجهاز، وإدراك رجل الأمن أن مهمته ليست هي ضبط جاني أو ضبط متهم، بل إن مهمته هي كيف يكتشف الجريمة والقائمين عليها، مبينا أن عدم إدراك ذلك هو الذي تسبب في وجود كثير من القضايا الملفقة اتهم فيها أناس غير الجناة الحقيقيون، لذا فلا بد من إعادة هذا الفكر المشين داخل المنظومة الشرطية لتفادي مثل هذا الأمر.

ويرى رئيس مركز الاهرام للدراسات، أن مصر بحاجة إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بالكامل إلى شكل يرقى لقيمة ثورة 25 يناير لبناء عهد ونظام جديد، عهد على نسق الدول التي انطلقت نحو التقدم والازدهار كماليزيا والهند، تركيا، سنغافورة، وجنوب أفريقيا، لافتا إلى أن نهوض تلك الدول لم يتم بتكبيل الناس أو قهرهم، بل انطلقت بعد أن أعطت للمواطن ثقة في ذاته وحجة بأن هناك دولة تراعي مصالحه، فالمعلم اليباني يقول للتلميذ إذا فشلت فشل اليابان، وإذا نجحت نجح اليابان، على عكس ما يقوله المعلم المصري لتلميذه، إذا نجحت أو فشلت فأنا أتقاضى راتبي، وشتان ما بين الفكرين.

ولفت غباشي إلى أن إعادة الفكر يجب وألا تقتصر على رجل الشرطة فقط بل يجب وأن تشمل المواطن أيضا، فضلا عن الإرادة السياسية والنظام الحاكم الذي يدير الوزارة، فلا بد من منظومة متكاملة، ولتعلم الشرطة التي تبحث عن ردة كرامتها وإعادة هيبتها كما كانت عليه إبان حكم المخلوع، أنه لا عذر في قهر إنسان.

وهذا ما يؤكده هيثم الخطيب، المتحدث باسم اتحاد شباب الثورة، والذي ذهب إلى بالقول بأن إصلاح الجهاز الشرطي وجعله جهازا يقوم على حفظ الأمن وضبط الخارجين على القانون دون أن يرتكب أية تجاوزات في حقوق المواطنين، يكون عن تفعيل أكبر للدور الرقابي من النيابة العامة أو الأجهزة المعنية في الدولة، فضلا عن الرقابة الشعبية في إطار المجتمع المدني والهيئات المنتخبة، إلا أنه يجب وأن يتم تطهير الأجهزة الرقابية أولا.

بل يرى الخطيب أن إصلاح الشرطة يبدأ بإصلاح النشء الجديد من طلاب الشرطة، وإرسالهم بعثات إلى الخارج ليتعلموا كيفية إجراء التحقيق والحصول على المعلومة بأسايب غير أساليب القهر والتعذيب، وتعلم استخدام التقنيات الحديثة التي توصلت إليها البلاد المتقدمة، ويجب ألا تكترث الإرادة السياسية لحجم النفقات التي قد تنفقها في رفع كفاءة الجهاز الشرطي، ولتدرك أنها تصرف أموالا طائلة على محاربة الإرهاب، لذا فإن الأحرى أن توجه تلك الأموال على آليات منع الجريمة، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية والجهاز الشرطي بالكامل، فضلا عن تربية هذا النشء على معنى حقوق الإنسان وكيفية احترام المواطن.

ويبين قطري أنه يجب أن يعاد النظر في كلية الشرطة وترتيب نظامها بحيث يلتحق بها الطلاب بعد الحصول على ليسانس الحقوق وليس بعد الثانوية العامة، وأن تخصص كلية الشرطة فترة للدراسة العملية للطلاب.

أما عن دور المنظمات الحقوقية والرقابة الشعبية على جهاز الشرطة، لضمان عدم حدوث أية تجاوزات في حقوق المواطنين، يوضح الغباشي أن الرقابة الشعبية والحقوقية لها دورا ليس بالهين في ضبط مؤسسات الدولة، ومنع وقوع أية انتهاكات في حق المصريين، لكنه أكد أن ذلك يرتيط بمدى الإرادة السياسية التي تقود البلاد وقناعتها بضرورة الحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه، وأن ذلك هو مبدأ أساسي لا يجوز الحياد عنه، موضحا أن العدالة لا يضيرها إفلات مجرم من العقاب، لكن يضيرها إلقاء القبض على شخص بريء.

وفي منحى آخر، ألمح المتحدث باسم ائتلاف شباب الثورة إلى أنه يجب إعادة النظر في المناهج التي يتدارسها طلاب وأفراد الشرطة أثناء تأهليهم، فضلا عن التنسيق بين المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني وبين وزارة الداخلية، وتشكيل لجان قانونية وحقوقية ولجان رأي عام تشرف أو تراقب المناهج الشرطية التي يخضع لها طلاب الشرطة، بل واستحداث مواد لم تكن موجودة من قبل تدخل كمناهج تعليمية يتدارسها طلاب الشرطة.