الغزو الصيني يجتاح صناعة الرخام والجرانيت في مصر

  • 190
أرشيفية


                                                                    "شق الثعبان" تلفظ أنفاسها الأخيرة.. والتسلل الآسيوي يضرب القطاع في مقتل


                                                                       جيولوجيون: رسم الصادر يقتل الصناعة.. والدول المصدرة المستفيد الأوحد


                                            مراقبون: إيجار المصنع وصل لـ 15 ألف دولار شهريًا.. والحكومة تدعم المستثمر بـ20 دولارًا للمتر المكعب


 تسببت القوانين العشوائية غير المدروسة في تراجع صناعة المحاجر المحلية؛ الأمر الذي تخوف منه الخبراء وبات يضرب الصناعة في مقتل إثر حالة التراجع الملحوظ في منطقة "شق الثعبان" التي تسيطر على  قطاع الجرانيت والرخام بنحو 90%، إضافة إلى بعض المناطق الأخرى كـ "السيدة عائشة"؛ ما أدى بغلق العديد من الورش والمصانع لوقف نزيف الخسائر، ومن ثم تأجيرها إلى الوافد الجديد "المستثمر الصيني" ليعيد المادة الخام المستخرجة من المحاجر إلى مصانع عملاقة في الصين، لنبدأ استيرادها من الخارج بأرقام مضاعفة.


الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل واصلت الحكومة تقديم الدعم والتسهيلات للمستثمر الصيني، بنحو 20 دولارًا في صورة دعم طاقة لنشر المتر المكعب من الرخام أو الجرانيت؛ مما تسبب في غلق العديد من المصانع أمام مراحل التقطيع أو النشر، أو التفصيص، لتترك المجال مفتوحًا أمام التنين الصيني الذي تدعمه حكومة بلاده بنحو 10 دولارات للمتر الواحد.


وبمناقشة الأمر مع أصحاب الورش في تلك المناطق وجدنا أن حجم الصناعة بدأ يتأثر ويتراجع فعليًا لصالح القوى الصناعية الكبرى في المجال وعلى رأسها الصين وتركيا وإيران، في حين  تراجعت مصر طواعية بعد سيطرة رأس المال الصيني على حجم الصناعة بنسبة لا تقل عن 40%، ويتبقى الـ 60% لصالح شركات كبرى غالبًا ما يكون الشريك الأجنبي طرفًا فيها.


قال المهندس عبد الحميد إبراهيم، صاحب ورشة لتصنيع الرخام والجرانيت وعضو لجنة الصناعات بمنطقة شق الثعبان: "منذ 15عامًا كانت "شق الثعبان" في أوج نشاطها وإنتاجها الغزير من الصناعة، ونسبة البطالة في حلوان ومايو وعرب المساعيد -إضافة لبعض المناطق المجاورة- كانت تقترب من الصفر، فالكل يعمل سواء أكانوا خريجين أو طلبة أو عمال.


وأضاف إبراهيم لـ "الفتح" أن هذا الحال لم يدم طويلًا، حيث بدأت الصين في إيفاد مواطنيها لدراسة المناطق الأكثر تخصصًا في الصناعات الثقيلة كالمحاجر وغيرها، وبالطبع رحبنا من جانبنا باعتبار الشريك الأجنبي أكثر علمًا ودراية، ولم نكن على علم كافٍ بأن هذا التوجه تلعبه بكين في عواصم أخرى بحثًا عن الانتشار والاستحواذ على تلك الصناعات القديمة التي توارثناها لأجيال عديدة.


وتابع أن هذا السيناريو بدأ في التنفيذ داخل منطقة "شق الثعبان" التي تقترب مساحتها من 1000 كيلو متر مربع، زادت الوفود الصينية وقتها، مكتفين بشراء "البلوكات" وإعادة تصديرها مرة ثانية إلى القاهرة وبلدان أخرى في صورة منتجات مصنعة وبسعر أقل، ما يشبه السيناريو المكرر الذي استخدم في القضاء على الصناعات الكبرى كـ "الغزل والنسيج".


وأوضح أن الأمر زاد وكثُر التسلل حتى رحبّ البعض من أصحاب وملاك الورش بنظام المشاركة الذي تطور بفعل الوقت ليصل إلى التأجير لمدد طويلة، مُرحبين بالمبالغ الخيالية التي وصلت إلى مليون جنيه في العام الواحد؛ "ليتركوا الجمل بما حمل" لأصحاب الجنس الأصفر الذي هبط عليهم ليمارس بعد ذلك إملاءاته وشروطه!


وأشار عضو لجنة الصناعات إلى أن الغزو الصيني للمنطقة أدخل الشباب والخريجين وحتى العمالة المدربة في حيز البطالة؛ لتتفاقم أوجاعهم بعد سنوات من التعليم والتدريب، مؤكدًا أن هذا الأمر يتم على الملأ وتحت سمع وبصر الحكومة. 


وبحسب عمال وصنايعية، فإن أصحاب الورش فضلوا التسريح "للعمالة  المدربة" تحسبًا للتفاوض مع المستثمر الصيني الذي غزا المنطقة وأصبح يتعامل بالورقة الخضراء "الدولار"؛ بعد مزيد من الإغراءات وبمبالغ تخطت الـ15 ألف دولار في الشهر للورش الكبيرة؛ مضيفين أن المستثمر الصيني ترك العامل المحلي واستجلب عمالًا من الصين بتأشيرة سياحية لمدة 3 أشهر، على أن يتم التنسيق والاستقبال في العاصمة ثم يأتي للمنطقة ويعمل بها دون حساب أو عقاب، بل وتعامله الحكومة بنفس أسعار المواطن المحلي لجميع الخدمات المقدمة سواء كهرباء أو غاز أو مياه.



 في السياق ذاته لفت محمد سعدون، المنوط بالتحدث نيابة عن العاملين، إلى أن قانون رسم الصادر تسبب في غلق العديد من المصانع والورش، وجاء كأنه مُفصل ومرسوم لدعم المستثمر الصيني.


وفي حقيقة الأمر طلبنا منه التوضيح أكثر وسألناه: ماذا تقصد من ذلك؟ فأكد لـ "الفتح" أن صناعة المحجريات (رخام وجرانيت) استفادت كثيرًا من رسم الصادرات الذي طبقته الحكومة إثر تكلفة نشر المتر المكعب من الطاقة بنحو 15 دولارًا، في حين أن التكلفة الحقيقية للطاقة تصل إلى 30  دولارًا "الضعف" من بينها 20 دولارًا طاقة مدعمة لحماية الصادر؛ وبالتالي تصل التكلفة النهائية لـ 10 دولارات بعد تقديم دعم الصادر الذي يقدم للمستثمر الصيني، في حين تتعنت الحكومة في تطبيق القانون على الصناعات المحلية، وتتخلى عنه طواعية للأجانب؛ ما يعني دعم الاستثمارات الأجنبية.


 من جانبنا تواصلنا مع الدكتور عبد العال حسن عطية، رئيس مجلس إدارة شركة سيناء للمنجنيز سابقًا، والخبير الجيولوجي العالمي، الذي أكد أن إجمالي الرسوم على المنتج المحلي تتعدى أكثر من 100% من تكلفة الإنتاج؛ الأمر الذي يؤثر على حجم "البلوكات المستوردة" بعد تطبيق الرسم الجمركي بنسبة 40%، وهنا تكمن المشكلة.


وأضاف لـ "الفتح" أن الرسوم المستحقة (البيئة، والآثار، والرفع المساحي، والإيجارات، والإتاوات، وفرض الضرائب) كلها تتخطى الحدود المقبولة وتقتل الصناعة، وتشجع على زيادة الاستيراد وتقليل المنتج المحلي بسبب انخفاضه أقل من تكلفة المنتج المحلي؛ مما أدى لانتشار المستورد وغلق العديد من المحاجر المنتجة للبلوكات المحلية.


وأوضح أن حجم المحاجر تضاءل بنسبة 90%، في حين تراجعت الإيرادات بأقل من 10%، مشيرًا إلى أن الحسابات التي وضعت على حق الاستغلال أو الإيجار للمحاجر مكلفة جدًا، فلا يعقل أن يكون إيجار المنجم حتى مساحة مليون متر مربع 10 آلاف جنيه، في حين يصل إيجار المحجر الذي مساحته 10 آلاف متربع، بنحو  60 ألف جنيه في أقل التقديرات، ويرتفع إلى 250 ألف جنيه لبعض الخامات الأخرى، خلاف التأمين الذي يدفع للإتاوات، علمًا بأن الإيجارات تدفع مقدمًا.


ولفت الجيولوجي انتباه الجميع بقوله: قرارات المحاجر غير منطقية على الإطلاق، منتقدًا تحصيل هيئة الطرق رسم مرور هزاز الرمل وقيمتها 25 ألف جنيه، متخوفًا من التمادي في غلق الصناعة لصالح المستورد أو الشركاء الأجانب.


وحول وضع روشتة للإصلاح أكد الخبير العالمي أن ما يحدث من عشوائية في القوانين يمثل خنقًا للصناعة؛ مطالبًا بوضع أسعار منطقية وعادلة تسمح لمن يعمل بالاستثمار والتنمية في آن واحد، وليس لتحقيق المصالح الفردية فقط؛ مشددًا على وجود سرقات تتم في العلن، معتبرًا وضع قانون المحاجر تحت (هيئة الطرق والكباري، ووزارة البيئة، والمحليات، ووزارتي الصناعة والزراعة) بفرض رسوم من خارج الإطار كالمريض الذي تفرق دمه.


وطالب بتفعيل خطوات الإصلاح وإسناد الأمر لأهل الخبرة والمتخصصين، منوهًا بأن فرض رسم الصادر400 جنيه بدلًا من200 جنيه يصب في النهاية لدول وصناعات منافسة كالصين والهند والبرازيل وتركيا وإيران، مشيرًا إلى البطء الذي يمارسه البرلمان والحكومة تجاه القانون رغم المطالبة بالتفعيل الفوري له عندما عرض على المجلس للمرة الأولى، مشددًا في الوقت ذاته  على أن فرض رسم فجائي من شأنه أن يقتل الصناعة، وليس تحصيل أموال نتيجة التعاملات القديمة.