المعاصي وجهاز المناعة

  • 179
خلية مناعية تهاجم ميكروب الجمرة الخبيثة

ميكروبات, ملايين الجراثييم والكائنات الدقيقه الضارة, فطريات فى الماء والطعام، وحتى الهواء. العديد والعديد من مسببات ألامراض تتفاوت بين مخلوق لا يرى بالعيين وآخر تعرفه وتدركه العيون، ولكن ما السبيل للتعايش وسط كل هذا الكم من المخلوقات الضارة؟ وهل من حكمة وراء خلقها وضرورة تواجدها؟

وللاجابة على النصف الأول من السؤال، وإن كنت لا تدرى فانك خلقت تملك جهازا مناعيا مؤهلا وموظفا لأداء كل المهام الدفاعية، تستطيع أن تطلق عليه جيشا كامل العدة والعتاد، كل ثغر عليه حارس على أهبة الاستعداد فى حال إذا تم الاعتداء.

وأذكر مثالا: الجلد الذى خلق على طبيعة تمنع نمو البكتريا والجراثيم، وتمثل خط دفاع أولي, أنفا تحتوى شعيرات تمثل عائقا أمام كل متطفل قد يحمله الهواء، أضف إلى ذلك العديد من محطات التفتيش والتنقية الفرعية والرئيسية من الغدد والعقد الليمفاوية التي يمر عليها الدم, ملايين كرات الدم البيضاء التي تتباين في أنواعها ممثلة جيشا مستقلا في ذاته، كل مجموعة مؤهلة لأداء مهمة معينة ما بين التعرف على الدخيل وتمييزه عمن ينتمي إلى الجسد وتسليمه إلى فرقة أخرى لإنتاج رد فعل قد يكون الفتك به أو طرده أو محاولة إفقاده قوته .. وحتى لا أطيل في السرد فالحديث عن هذا الأمر يطول، قد يسأل سائل عن إجابة النصف الآخر من سؤالي وما علاقة كل هذا الحديث الذي قد يعتبره البعض حديثا طبيا أو علميا بالمعاصي وعنوان المقال؟!

فأقول: صبرا جميلا، ولتعيروني قلوبكم. أقول: وهل بلينا بداء مثل الوقوع في المعاصى؟ وهل أبلى أجسادنا إلا تتابع الوقوع بالذلات وورود المهلكات من مواطن المعاصي والشبهات؟!

أسمع قائل يقول: أفصحي هاتي ما عندك ووضحي ..

وللتوضيح أقول: المعاصي وأسبابها في نظري تشبه المرض وسببه في عالم الطب؛ فمسبباتها موجودة حولنا بكل مكان، موجودة بارادة الله وقدرة من بدء الخليقة حتى تقوم الساعة، وكما خلقنا الله بجهاز مناعة يقاوم الأمراض ويكابد من أجل بقائنا في عالم الأصحاء، جعل الله لنا جهاز مناعة إيماني، وخط لنا منهجا صحيا متكاملا لمدينة لا تصل لها عقول هؤلاء الذين رسموا لنا صورا من الخيال العلمى عن مدن لا يسكنها مرضى أو يدخلها مرض، وجعل لنا طبيبا عارفا بكل مرض وأسبابه وعلاجه، أتاه الله الحكمة وجوامع الكلم، طبيبا ترك لنا آلاف الوصفات العلاجية، بل حتى الوقائية. ولا يحتاج طبيبنا تعريفا؛ فهو صاحب أعلى مقام وتشريف "نبينا صلى الله عليه وسلم"، والذي به نقتدي، ومنه يجب أن نتعلم.

إخواني، الوقوع في المعصية يشبه تماما الإصابة بالمرض، وكم خلق الله الداء وجعل لنا الدواء، وأمرنا بالتداوي والأخذ بالأسباب كالبعد عن مواطن الأمراض، وأمرنا أيضا بحفظ أنفسنا من المهلكات قال تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين).

وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يرضى لنا بالجنة بديلا ولا عن الصحة تحويلا، فلكم ولنفسي أقول:

خلق الله المرض تمحيصا وابتلاء وتزكية؛ تذكرة في وسط ضجيج الحياة بأنه مهما بلغت قوتك فلن تتعدى كونك مخلوقا من ضمن المخلوقات، لا قوة لك إلا ما منحها الله لك وأعطاك، وأنك سيد المخلوقات لأنه اصطفاك. وكما لا يخلو جسد حي من أن يقع فريسة للمرض مرة أو مرات؛ فكل عبد قد تنزلق أقدامه ويهوي في بئر الشهوات مهما كان قويا أو صاحب مقامات.

إذن فتفصيلا لما أردت أن أذكر نفسي وإياكم به أقول:

أولا: لابد لنا أن نعرف جيدا أنه كما أننا محاطين بالأمراض وأسبابها، فنحن أيضا نحيا وسط المغريات، بين شبهات وشهوات، ودنيا وشيطان يحثنا ويدفعنا دفعا للسعي نحو الهلاك بخطوات.

ثانيا: وإن كنا نعي أننا قد أصبنا بما لم يعرفه أسلافنا من أمراض استشرت وانتشرت، وقلما خلا بيتا من صاحب علة أو داء، وببحث سريع حول الأسباب نجد أنها لن تتعدى كونها واحدا من اثنين:

إما لأننا عرفنا ما لم يعرفوا من أنواع جديدة من الآفات. أو لأننا أصبحنا أصحاب مناعة ضعيفة لا تقوى على تحمل أقل الميكروبات قوة وضررا.

والراجح عندي أننا بلينا بكلا السببين مجتمعين؛ فنحن أصبحنا ضعافا في عالم مليء بالأوبئة .. إذن ما السبيل؟

أقول: أولا: تقوية جهازنا المناعي وتهيئته وتدريبه على المهام الصعبة بطول الصبر والصيام، والصبر على الطاعات، والصيام عن الشهوات.

ثانيا: فكما يفر المرء من دار المرض ورفقة المرضى خوفا من العدوى، فأولى بنا مرافقة الأصحاء وهجرة دار المعاصي وأهلها ممن أصبح الأمل من علاجهم مفقودا، أولى بنا النجاة بأنفسنا؛ فلا يملك البقاء مع المرضى إلا الأطباء ممن لديهم مناعة ضد المرض وقدرة على التعامل معه دون أن يصابوا بالمرض.

وقبل كل هذا، التوسل لمن يملك المرض والصحة؛ فلولا هداه ما اهتدينا، ولزوم طريق نبيه والسير على دربه؛ فهو زعيم دار الأصحاء "أصحاء النفوس من الهوى والعثرات".

ولا حول ولا قوة إلا بالله، نعم المولى ونعم النصير.