الرد المبين على من زعم أن البذاءة من الدين

  • 120
صورة أرشيفية

عندما تصبح البذاءة مدعاة للفخر، ومقياسا للنصر، وسببا للبهاء والسرور؛ حينها تقف مندهشا مستغربا، بأي عقل يفكر هؤلاء؟! وإلى أي شريعة يحتكمون؟! وبأي هدي يمتثلون؟!

عندما شاهدت بهجتهم وسرورهم بانتشار هذا اللفظ الفاحش البذيء في هذا "الهاشتاج" ، حتى وصل عدد المشاركين فيه إلى الملايين! تذكرت قول ربي عز وجل: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " (النور: 19)؛ فهؤلاء يساعدون علي انتشار الفحش والبذاءة في المجتمع المسلم! وعندما شاهدت هذا الافتخار بالبذاءة تذكرت قول ربي: " يَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " (النحل: 25).

وازداد اندهاشي حينما قرأت لهم وشاهدتهم عندما أرادوا أن يبرروا لأنفسهم هذه البذاءة ادعوا أن القرآن يبيح لهم ذلك مستشهدين بقول الله عز وجل :"لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" (النساء: 148)، ولا أدري حقيقة من أي كتب من كتب التفاسير أتوا بهذا الفهم العقيم؟! مَن مِن المفسرين قال إن الجهر بالسوء هنا هو البذاءة والقول الفاحش؟! بل المتتبع لأقول المفسرين في ذلك يجد أن غاية ما في الأمر أن الجهر بالسوء هنا المقصود به الدعاء جهرا على من ظَلَم، أو شكايته والجهر بما فعله الظالم إلى من يستطيع دفع ظلم هذا الظالم.

إني لأقف متعجبا مستغربا أمام هؤلاء الذين استحلوا السب والشتم والبذاءة! والأدهى من ذلك أنهم نسبوا ذلك لدين الله عز وجل، وأنه من الشريعة وتناسوا عشرات الأدلة الشرعية التي تحذر وتنهى عن سوء الأخلاق والبذاءة في الأقوال والأفعال!إن ما يفعلونه يندرج تحت قول الله عز وجل: "وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" (الحجرات:11)، ويندرج تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذئ " (صحيح)، خلاف ما يزعمون من أن ما يفعلونه سائغ، وقد يحتج بعضهم فيقول إن هذا اللفظ ليس فيه شيء من البذاءة؛ لأن معناه اللغوي كذا وكذا! وهذا أمر في غاية العجب، والله لأن هذ الكلمة في العرف الذي يسود في المجتمع الحالي لها مدلول آخر، وهو الاتهام بإقرار الفاحشة في الأهل!

فبالله عليك أخبرني أي دليل هذا الذي يبيح لك ذلك؟!


والأدهى من ذلك الاحتجاج بقول أبي بكر الصديق حينما قال عروة بن مسعود الثقفي فإني والله لأرى وجوها، وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر: "امصص ببظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه... "الحديث.

فقول أبي بكر كان لكافر حربي، وليس له علاقة بما يفعله هؤلاء من اتهام في الأعراض ونشر لألفاظ الفاحشة بين المؤمنين، وإلا فقل لي هل نشر أبوبكر بنشر هذا الأمر بين الصحابة وجعلهم يرددونه على عروة ؟! وهل كانت هذه عادة أبي بكر أم أنه كان موقفا مستثنى يرد به على عروة نظرا لاتهامه الصحابة بالفرار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ومن ثم فإن ملابسات الموقفين مختلفة؛ فموقف أبي بكر كان موقف حرب ومخاطبة لكفار، والمصلحة هنا تقتضي تحقيرهم والتقليل من شأنهم؛ خلاف إذا كان الخطاب موجها لمسلم، كما غضب النبي عندما علم أن أبا ذر قال لبلال "يا بن السوداء! ومن ثم فإن لفظ أبي بكر ليس فيه اتهام في العرض كما في هذا اللفظ المنتشر في "الهاشتاج"

إن غضبنا ليس غضبا لشخص ما، لكن غضبنا غيرة للدين أن ينسب إليه ما ليس فيه، بل ما يُنهى عنه، خاصة إذا خرج هذا الكلام ممن ينتسبون إلى جماعات دعوية تقول إنها تتبنى المشروع الإسلامي !

وإذا نظرنا إلى الأمر فإننا نقف مذهولين من أحوالهم ، فهم من غضبوا عندما أطلق التيار المخالف لهم على الدكتور مرسي وقت ترشحه للرئاسة لقبا معينا، ثم هم هم من ينشرون لقبا أشد بذاءة وقبحا على شخص ما ترشح للرئاسة .