علماء: من يطعن في السُنة طعَن في الإسلام.. وشبهات المهاجمين للبخاري مردودة

  • 367
أرشيفية



أثار الخبر الذي نشرته بعض الصُحف حول إلزام الأزهر الشريف بتنقيح صحيح الإمام البخاري لغطًا واسعًا، واستياءً شديدًا لدى الأوساط الإسلامية في مصر وغيرها.

ونشر مجلس الدولة بيانًا توضيحيًا نفى فيه المستشار محمد المنجي، رئيس المكتب الفني بالمحكمة الإدارية العليا، ما تم تداوله، بشأن صدور حكم يُلزم شيخ الأزهر بتنقية وتنقيح صحيح البخاري، مشيرًا إلى أن المحكمة الإدارية العليا أصدرت حكمها بقبول الطعن "شكلًا" فقط، دون التطرق لموضوع القضية وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري لنظرها أمام دائرة مغايرة.


يقول الدكتور نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، "أنا متعجب في الحقيقة ممن يرفع مثل هذه الدعاوى أو ممن يروجها، وهو في الحقيقة لا يعلم مكانة صحيح البخاري ولا قيمته".

وأضاف واصل في تصريح لـ "الفتح"، أن صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل- وهذا بإجماع أمة الإسلام من المتقدمين والمتأخرين، حيث تلقته الأمة بالقبول.

وتابع، أن علماء الأزهر يعلمون ذلك جيدًا، ويعلمون مكانة الإمام البخاري رحمه الله، ومكانة كتابه الصحيح، مشيرًا إلى أن من يرفعون هذه الدعاوى ومن ينشرونها هم شرذمة من أصحاب الفتاوى الشاذة أو المنحرفة.

من جانبه قال الشيخ عادل نصر المتحدث باسم الدعوة السلفية، إن البعض يثير تشغيبًا هذه الفترة ولم ينقطع هذا من أعداء الإسلام سواء كان من الفرق الضالة المنحرفة قديمًا، أو المستشرقين أو من تلاميذ المستشرقين ومن تربى على موائدهم.

وأضاف نصر لـ "الفتح"، أن هؤلاء يثيرون شغبًا بين الحين والحين حول صحيح البخاري،  ويوجهون إليه طعونًا وتشكيكًا في بعض أحاديثه وشبهات ليست بالجديدة، وهذه الطعون وهذه الشكوك كلها مردودة في نحور أهلها.

وشدد متحدث الدعوة، على أن صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد الله، وقد تحرى فيه البخاري –رحمه الله- صحة ما ذكر من أحاديث، وفق قواعد هذا الفن، علم الحديث والمصطلح، وهو العلم الذي تميزت به أمة الإسلام، بل لا تعرف أمة على وجه الأرض عندها مثل هذه القواعد الدقيقة الضابطة في التثبت في نقل الأخبار لا سيما أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب البخاري وفق هذه القواعد لم يذكر في صحيحه إلا ما صح عن رسول الله، ولذلك تلقت الأمة كتابه بالقبول، وجعل الله له لسان صدق عند جميع الأمة إلا من ضل وانحرف.

وتابع، لقد رد العلماء على هذه الشكوك وفندوها وفق الأدلة والضوابط كما فعل ذلك غير واحد كالحافاظ ابن حجر وغيره، وما ما يثار اليوم ليس بجديد، أما كون بعضهم يحاول أن يرفع قضايا في هذا الباب، فهذا كلام من أغرب ما يحدث، وهو أمر في غاية العجب، وهو شيء يختص به أهل العلم، وأئمة الأزهر والعلماء المتخصصون، وقبلهم المحدثون كابن حجر وغيره، وقد دافعوا جميعًا عنه.

وأوضح أن  من أهل العلم من تحدث عما يعرف بمعلقات البخاري، فقد ناقش العلماء ذلك نقاشًا علميًا وبينوا سلامة موقف البخاري -رحمه الله- كما فعل الحافظ ابن حجر في كتاب "تغليق التعليق"، فعلماء الأمة وأهل الحديث عبر التاريخ عرفوا لكتاب البخاري  مكانته وقدره، ومن أشهر الردود المعاصرة ما كتبه العلامة الدكتور محمد أبو شهبة وغيره من العلماء حيث فندوا هذه الشبهات وردوها.

وأردف، أن البعض الآن حينما يشغب في إطار حملة كبيرة، مقصدها في النهاية هو الطعن على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تبين القرآن وتوضح مجمله وتقيد مطلقه وتخصص عامه، ولا نستطيع أن نفهم ديننا إلا من سنة رسول الله، والتي قيد الله -عز وجل- لها رجالًا عبر التاريخ حملوها وضبطوا القواعد التي تميز بين الصحيح والضعيف، ونقلوها، لأن هذا من جملة الذكر الذي تكفل الله -عز وجل- بحفظه "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".

وأكد نصر، أن هذه الطعون في السنة هي طعون في الإسلام، لأن دين  الإسلام مبني على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا طعنوا في السنة فسيطعنون في القرآن، وإلا فكيف سيصلي المصلي الصلوات الخمس إن لم يرد على سنة رسول الله، وكيف سيزكي المزكي وبيان شروط وضوابط وتفاصيل أحكام الزكاة لم يرد إلا في السنة، وكذلك الحج وغيره من الأحكام.

واختتم أن طعن هؤلاء الذين يحاكون أسيادهم من المستشرقين وأعداء الدين ويرددون هذه الشبهات التي كتبها المستشرقون وغيرهم، وهي شبهات داحضة مردودة، هي طعون موجهة ومغرضة وسترد على نحور أهلها، والأزهر وجميع دعاة الإسلام الصادقين وأهل العلم يقفون لها بالمرصاد دفاعًا عن الدين وذبًا عن سنة سيد المرسلين، وفي القلب من هذا الإمام البخاري، ولذلك طعونهم توجه للأكابر كأبي هريرة -رضي الله عنه- لأنه روى عددًا كبيرًا من أحاديث سنة رسول الله وفرّغ حياته لذلك، وكالإمام الزهري لأنه بدأ تدوين السنة، وهكذا البخاري لأنه حافظ الإسلام، وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل- الذي تلقته الأمة بالقبول، وهي طعون وشكوك وشبهات لا تمت إلى العلم بصلة ولا إلى قواعده، ولذلك يجب علينا أن ننتبه لهذا وأن نتكتل جميعًا للدفاع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن البخارري وغيره من أئمة الإسلام.

وفي نفس الصدد قال الدكتور خالد فوزي نائب رئيس جامعة العلا الإسلامية، إن الله سبحانه وتعالى قال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم}.

وأضاف فوزي لـ "الفتح"، أن الله قد منَّ على هذه الأمة ببعثة نبينا محمد، فقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ومن تمام النعمة والعناية التي أولاها الله تعالى لهذه الأمة أن حفظ لها سنة النبي  فقد قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فعلمنا أن الذكر هو السُّنة كما قال العلماء.

وشدد نائب رئيس جامعة العلا، بأنه لولا (السنة) لما عرفنا كيف نصلي ونزكي ونصوم ونحج ونعبد الله –تعالى- كما أمرنا، فليس في القرآن بيان عدد ركعات الصلاة، وأنصبة الزكاة ومصارفها، إلى آخر التفاصيل التي وردت في السنة.

وتابع، من حفظ الله –تعالى- أن قيض العلماء الذين حفظوا السنة ونقلوها برواية الثقات العدول حتى وصلت إلينا نقية واضحة. ومن هؤلاء الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى، والذي لقبه العلماء بأمير المؤمنين في الحديث. وقد صنف كتابه (الجامع الصحيح) وبه كثير من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة، وكل ما فيه من السنن الصحيحة، وقد أجمع العلماء على صحة ما فيه في الجملة، والإجماع حجة قاطعة، قال تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

وأردف، ولقد نبتت نابتة تطلب تطهير البخاري من الأحاديث الضعيفة والموضوعة زعموا، وهذا الفكر الطاعن في البخاري ما هو إلا طعن في السنة النبوية وهو باب الزندقة، لأنه طعن في ثوابت الأمة، فلما أعياهم الطعن في القرآن؛ قاموا بالطعن في السنة، وزعموا أن هذه الأحاديث لا تصح، ليس بميزان علمي، بل لأنها لا توافق أهواءهم، ولو رد كل إنسان سنة من السنن لأنها لا توافق هواه لما بقيت السنن، لأن الأهواء مختلفة، والعقول متباينة، بل يجب التسليم الكامل لسنة النبي الصحيحة، وأصح كتاب بعد كتاب الله –تعالى- هو صحيح البخاري، وهو مما اتفق عليه الكافة من العلماء في كل العصور.

واختتم، ينبغي على من زلق في هذه المهاوي أن يتوب إلى الله تعالى، ويسأل أهل العلم فيما أشكل عليه، ومع سؤاله الله تعالى الهداية فقد يفتح الله عليه بالفهم، وإلا فمغبة ذلك الأمر وخيمة، وعاقبته إلى وبال، نسأل الله تعالى العافية.

وحول طبيعة الدعوى المرفوعة وما وصلت إليه، يقول الهيثم سعد الخبير القانوني، أن الدعوى مرفوعة من أحد المدافعين عن الشيعة لتنقية وتنقيح صحيح البخاري، وقد حكمت محكمة القضاء الإداري برفض طلبات المدعّي.


وأضاف سعد لـ "الفتح"، أنه ما كان منه إلا أن طعن بالطعن رقم 987 لسنة 58 قضائية أمام المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى، التي حكمت ببطلان حكم أول درجة، وذلك نظرًا لوجود عوار بالشكل القانوني للدعوى، ولم تتطرق المحكمة من قريب أو بعيد لموضوع الدعوى، وهذا العوار متمثل في أن محكمة أول درجة لم تلجأ إلى هيئة مفوضي الدولة ولم يتم إيداع تقرير في الدعوى.


وأوضح الخبير القانوني أن هيئة مفوضى الدولة هى الهيئة القانونية التى أناط لها القانون تحضير الدعوى للمحكمة، حتى تتمكن من الحكم بسرعة، وإنجاز وعدم اللجوء اليها يعرض الدعوى للعوار القانونى، فما كان من المحكمة الادارية العليا وهى تتربع على أعلى درجات مجلس الدولة أن تُعمل صحيح القانون وتحكم برفض حكم أول درجة والاعادة الى محكمة القضاء الادارى مجددا بهيئة مغايرة للهيئة الاولى للحكم فى الدعوى بعد نظرها وتمحيصها واعدادها وتحضيرها من هيئة مفوضى الدولة، وبهذا تكون الدعوى كأنها مرفوعة اليوم.

وأكد سعد، على أن هذه الدعوى وغيرها من الدعاوى الداعية الى هدم ثوابت الدين، فيها من العوار القانونى والدستورى ما يجعلها قابلة للرفض، ولا تستقيم مع ما يقدم ضدها من أسانيد قانونية، ونحن لهذه الدعوى وغيرها بالمرصاد.

وحول رافع الدعوى، قال سعد: هو من "الشيعة"، ومعروف عنه نقده للصحابة على كثير من وسائل التواصل والمنابر الاعلامية، كما أنه اعتاد على رفع مثل هذه الدعاوى.

وأشار سعد إلى أن الشيعة يمثلون خطرًا على الامن القومى المصرى، وليس أدلّ على ذلك من رد الفعل الذى كان بعد إشاعة أن المحكمة قد حكمت بإلزام الأزهر بتنقيح البخارى، الذى كان في الشارع المصرى، حتى اضطر مجلس الدولة بإصدار بيان لتوضيح حقيقة الامر وتكذيب هذا الشيعى فيما زعمه.