بين المعتادات والثوابت

  • 361
المقال

حين بدأت الصحوة الإسلامية فى المجتمع فى السبعينات كان ثمة إختلاف واضح بين أولئك المتدينين و سائر المجتمع. فبعد سنوات الحكم الناصرى وتزامنا مع اضطهاد وتغييب كثير من رموز التيار الإسلامى وقتها، بالإضافة إلى ضعف دور الأزهر وتعرضه للتضييق والامتهان الإعلامى والسياسي، تغير شكل ونمط حياة الطبقة الوسطى كثيرا حتى اختفى الحجاب أو كاد يختفى، وذاع المينى جيب و غيره وقل رواد المساجد إلا من كبار السن.. و هكذا بدا المتدينين الجدد مختلفون حقا ..لاحقتهم نظرات الناس الفاحصة تارة والمستنكرة تارة أخرى ...ومن ثم بدأت تتكون لدى الملتزمين فكرة الغربة من منطلق حديث« بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء» رواه مسلم.... واختلف تعاطى التيار الإسلامى مع مفهوم الغربة من نواح عدة....البعض من جماعات التكفير مثلا قد انتهج الغلو.. فغالى فى ارادة الغربة فانزوى فى الجبال وصحارى الصعيد واعتزل المجتمع وصنع غربة مكانية وشعورية لينأى بنفسه عن ذلك المجتمع الكافر بزعمه...


و ظهر أيضا قسم آخر من المتدينين...صنف وان لم يكفر المجتمع إلا أنه حكم على نفسه بمزيد من الغربة داخل مجتمعه..حتى ولو لم يسكن الكهوف والجبال..فصنع عالمه الخاص..لا يتحدث مع غير الملتزمين..ولا يختلط أبناؤه بغير ابناء الملتزمين..كى يربيهم تربية دينية نقية بعيدة عن ملوثات المجتمع ..وشاع حينها أن المتدينين لا يتكلمون إلا مع بعض ولا يسلمون الا على بعض ولا يتزاورون إلا فيما بينهم..وكانت الاخت المنتقبة مثلا فى تلك الحقبة على مدى اربع سنوات جامعية أو اكثر لا تكلم أحد من زميلاتها فى الدفعة ولا يكلمنها وهذا من اهم مظاهر التدين فى نظرها ونظر والديها.....فظهر جيل غريب من ابناء الملتزمين جيل معاق اجتماعيا غير قادر على التعامل والاندماج فى المجتمع...وظهر الخلل واضحا حين يخرج هؤلاء الاولاد إلى سوق العمل ويختلطون رغما عنهم بالناس.....وزادت نسبة الطلاق فى الأشهر الأولى لبناتهم..لعجزهن عن التكيف وصدمتهن من الواقع..صدمة قد تصل للانهيار العصبي فعليا نظرا للانتقال المفاجئ من العالم الملائكى إلى الواقع المرير..مع عدم التسلح بأساليب التعامل والأخذ والرد واستنزاع الحقوق.....و بناءا على هذا الانغلاق فى مرحلة ما نشأ نفور بين بعض أفراد المجتمع وهؤلاء المتدينين قاطبي الجبين الذين لا يخفى على الناس ترفعهم واستعلاءهم عن التعامل معهم.

وكردة فعل معاكسة لا تقل عن النموذج المتطرف الأول ولكن بالاتجاه المعاكس ظهر مؤخرا الالتزام الكيوت..التزام ال«مفيش مشكلة» الحجاب مع بنطلون ..المكياج مع النمص الصلاة مع سماع الغناء الهادف الجميل ...ذلك ال «ميكس» العجيب المقصود منه إبراز شكل جديد من الالتزام العصرى القادر على «الاندماج» او «الذوبان» فى المجتمع بلا فوارق تذكر بين من يسمى نفسه متدين وغيره اللهم إلا فى النية الطيبة والقلب الأبيض وكفى!!

.....

والبعض كان اقل تطرفا لكنه تعمد الغرابة « أحيانا» التماسا للغربة! كى يكون من الغرباء

فبين كل الألوان لا ترتدى إلا الحجاب الاسود قولا واحدا وتنكر على من خالفها فى أمر لا يعدو.كونه اختيار شخصى و رغم عدم حرمانية الألوان إلا ما كان زينة فى ذاته...وعدم افضلية السواد من ناحية الأجر ..بل كما قال شيخنا الشيخ محمد إسماعيل أنه من البدعة التعبد بارتداء اللون الأسود...ثم ترفض ارتداء الحجاب الأبيض فى العمل مثلا رغم أن القوانين الإدارية يلتزم بها مالم تتعارض مع الشريعة......ومنهم من كان يذهب لمكان العمل أو مكان الدراسة بالثوب الابيض ويصمم على عدم ارتداء زى العمل وإن.كلفه ذلك خسارة وظيفته وكأنما يصمم على فريضة..أو يدفع عن نفسه فعلا محرما..فحجر واسعا وخاض معارك إضافية بلا داع ....وبدلا من دراسة الأمور من منطلق الحلال والحرام وهل هو مجمع عليه ام من مسائل الخلاف السائغ..ينطلق من كونه من الثوابت..أى ثوابت؟!... والحقيقة أنها من المعتادات...هى مجموعة من الممارسات التى اعتادها ابناء الصحوة فى مرحلة ما وكانو سعداء جدا بتفردهم عن المجتمع لأجلها وبملاقاتهم الاذى والسخرية بسببها وعدوا ذلك من علامات سلامة المنهج وصحة الطريق وعدوها النموذج الاوحد للالتزام....... وازداد التمايز والتباعد بين المجتمع وأولئك الغرباء الذين صنعو او لنقل زادو غربتهم بأنفسهم ....الذين اكتفو بأن يكونوا صالحين إذا فسد الناس ولم يرغبو أن يكونو مصلحين قريبين لهؤلاء الناس...الذين بنو الحواجز مع المجتمع بأيديهم وافتعلوا الصدامات برغبتهم الخاصة وخاضو المعارك بلا مستند شرعى....ولازال بقايا قليلة من هؤلاء يدورون فى تلك الدائرة ..وعلى الرغم أن الدعوة هى دعوة علمية بالأساس الا أن البعض لا يطلب العلم فى مباحثه ولا يطيق الانصياع للدليل ولا يمكن احتواء ثورته حين يرى فجأة "مالم تعتده عينه "فينفعل قائلا..وماذا عن الثوابت؟؟