من وحي غيمة

  • 207
ارشيفية

من وحي غيمة

بقلم- صفية محمود

كانت الشمس مشرقة، تملأ المكان، وتتسلل للخبايا شعيرات نورٍ ساحرة، وتُضيئ الزوايا بسلاسل ذهب مبهرة، ثم هبتْ ريحٌ وما أكثرها في الشتاء! حملت غيمة سارت حتى غطت الشمس، فسَرَت الظلمةُ، والبَرْدُ عمَّ، وسرت فينا رعدةٌ الخوف، ومضى كلٌ إلى ما لديهِ؛ يستمِدُّ نورًا ويُشعِل قنديلَا، ويتلمس ما يدَفِئه، كلٌ حسب إمكانِه ومُتاحِهِ. 

وهكذا الكون لا يستقِرُّ على لون، حرٌ وبرد، ظلمةٌ ونور، ضجيجٌ وسكون، فتصوَّرتُ بتلك الغيمة، أخرى أشد منها إظلامًا وبردًا، وصقيعًا "غياب العلم" بموت عالمٍ حقيقةً أو بموت همة الناس وسعيهم للعلم، وكيف يحدثُ في الحالين من ظلام وغيمٍ وبردٍ، وريح الجهل الغشوم التي تُطيحُ بالناس ذات اليمين وذات اليسار، وتتموَّجُ فيها الأفئدة فيعتقد الناسُ المتناقضات  ويُؤمنون بالخزعبلات.

وتتنازعُ القلوبَ ريحُ الفتنِ الهوجاء، فلا يكبَحُها حسْمُ عَالِمٍ يحكمُ فيها بهدْيٍ من كتاب، ولا نور من سنةٍ، أو سكَنٍ لإجماعٍ، يا لَحالنا وقتها وكأن طوفانًا حلَّ بنا! 

ولا جبلَ يعصمُ حينها ولا حبلٌ يُدَلَّى لنا، وتعِزُّ يومها القشةُ التي يتعلق بها غريق، فما أبشعها غيمة، وما أظلمُ ظلها وغمة الجهل فيها وتلاعب ريح فِتَنِها. 

ويكأني في كابوس يجثم فوق الصدر فأفقت من خاطري الكئيب "رَبَّاه يا الله .. الحمد لك، فالعلمُ من جودك لم يزل موفورًا، والعلماءُ متواجدون يحمون الثغورَ، وإن اعْتَرَت همتنا موجات فتورٍ، لكننا حرِيٌّ بنا نجاهد النفس وفتورها، والظروفَ وأَسْرَها، والمشاغلَ وهَجْمتَها، حتى نستمدَ من نور العلم؛ ونشعلَ قناديلَ القلوبِ، ونملأ ما استطعنا من دفاترٍ وسطور، وننشره في كل ممكنٍ، ونُقَيِّدُ ما حصَّلناه بقيْدَين: العمل بما علمناه والشكر على تلك النعم: كتاب الله والسُنن. 

ولقد أُخْبِرْنا في القرآن أنهما أولى بالفرح {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} والفرح بنعمته يقتضي الشكر؛ وهانت  لديَ عندئذٍ غيمة المطر وما سببته من ظلمة وبرد لمَّا مرَّ بخاطري أبشع منها  فبعض الغيم أخف من بعض والمصائب تهون بذكر أخواتها فلا أرانا الله ظلمة الجهل ولا غيمة تحجب العلم.