بين الجرح والتجريح

  • 1066
أرشيفية

بين الجرح والتجريح بقلم/راندا قطب

احتاج علماء الأمة عند تدوين السنة إلى معرفة أحوال الرجال ناقلى الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم  للوقوف على مدى كونهم ثقات على هذه الأمانة الرهيبة

بالإضافة إلى  تواريخ ولادتهم ووفاتهم  واسفارهم لتحديد إمكانية اللقيا  بين الرواة. ..وحالتهم العقلية والذهنية وما اعتراهم من أمراض واسقام تؤثر على ذاكرتهم وتاريخ الإصابة بتلك الأعراض لتحديد المقبول والمردود  من حديثهم وكذلك معتقداتهم وان كانو قد تلبسو ببدعة أو اعتناق لمنهج ضال....حتى التهمة دونت  ...ولهذا  حين خشي البخارى فى احدى أسفاره  أن يتهم بالسرقة  ألقى فى البحر الف دينار  لا لصيانة نفسه فحسب ولكن كى لا تسقط  الاف الاحاديث التى  يرويها ..

و دونت فى  تلك المعانى كتب  لازالت تدرس إلى عصرنا هذا  ولا يسع طالب علم الحديث ألا يكون على معرفة (بعلم الرجال ) او الجرح والتعديل وقد كان هذا العلم من أسباب  حفظ السنة وتنقيحها ..

وفى عصرنا الحالي  نحتاج أحيانا إلى ذكر أحوال الرجال بما تقتضي  مصلحة الدعوة تارة لبحث امكانية التعاون او التكليف .....وللاستنصاح فى أمور الزواج  ايضا والسكنى والتوظيف  و غير ذلك من أمور نحتاج فيها لاستقصاء ومعرفة أحوال الناس للمصلحة

لكن ينبغى مراعاة بعض المعانى للسائل او للمسؤول إبان ذلك الأمر

1.المهنية...إن ذكر العيوب مقرون بما يتعارض مع مصلحة العمل الذى نمارسه فإذا كنت طبيبا فبإمكانك أن تذكر أن زميلك لا يحسن تعقيم الأدوات  لكن لا يسعك أن تقول أنه بخيل مثلا

 

وان كنت مهندس يمكنك أن تنتقده لأن مقايساته غير دقيقة لكن ماشأنك بكونه عصبي..وكذلك فى العمل الدعوى ذكر العيوب والأخطاء لابد أن يكون فى إطار مصلحة العمل لا الرؤية الشخصية للزميل

....

2 الموضوعية

لابد عند ذكر العيوب ان تكون العيوب حقيقية وأسباب اعتقادها منطقية فعلا  قائمة  على الدليل لا  على التخمين وعلى الوقائع لا الظنون وعلى الحس لا الإحساس .

3.السببية

عند ذكر العيب لابد أن يكون لسبب والا دخل القدح فى الغيبة المحرمة ولابد من أن يكون علاقة المشكلة مع السبب واضحة.  بمعنى اذا ذكرنا مثلا  أن فلان عصبي لأنه كان مرشحا للتعامل مع الطلائع  وفى هذه الحالة فإنه لن يتحمل طباع الصغار وصخبهم وقد يؤدى لنفورهم منه

.....

4. عدم الخوض فى النوايا  والغيبيات

..وإلا  فنحن مأمورون بحملها على أفضل المحامل والقطع فى تلك الأمور من الصعوبة بمكان. .فكون الأخ يتطلع للرئاسة أو كونه يغار من فلان  أو كونه مغرورا. .كل هذه أمور  لا يمكن إثباتها أو تأكيدها فربما من نظنه مغرور لديه مشكلة فى التواصل و من نظنه متطلعا للتصدر يكون كل ما يتمناه الاستماع لأفكاره فحسب  لعل ينال الأجر حال تطبيقها

 

5.تخير الالفاظ والعبارات...

عند النقد  لا تغفل جانب الخير  وتنفيه بالكلية عن أخيك المسلم    و لتعلم أن الشيطان يتمنى أن يتلف العمل الدعوى بكل ما اوتى من مكر  لذا قم بسد مداخله واتبع القاعدة الربانية (قل لعبادى يقولو التى هى أحسن  إن الشيطان ينزغ بينهم...) لذا حتى حال النقد  أحسن العبارة واجمل الالفاظ على غرار إن أخانا فلان له جهد وعقل لا ينكر وهو مبدع فى مجالات عدة إلا أنه عصبي قد لا يتحمل الصغار ولن يكون بذات الإبداع المعهود عنه معهم

6.التجرد تحتاج هذه الجزئية إلى جهد كبير واستعانة بالله للتغلب على طبيعة النفس البشرية التى تربط بين المواقف  وتذكر الأذى وتنسي المعروف قبله  لذا فإذا استدعتك الظروف لذكر عيب شخص ما تجرد من اهواءك وميولك ومدى ارتياحك للشخص من عدمه  . وقم بتقييم الشخصية من منطلق الصالح العام

....

7.مراعاة البدائل و مدى توفر الخيارات فى كل الإدارات والهيئات معايير لاختيار الموظفين الأكفاء . ولكن فى المناطق النائية أو الخالية من الكفاءات يتم تخفيف هذه المعايير حتى أنه فى بعض المناطق النائية قد نجد بعض المعلمات فى المدارس الحكومية  خريجات كليات  لا علاقة لها بالتربية. ..وبغض النظر عن كونها مدرسة بالحصة أو مثبتة إلا أنها تسد مكان خال من دونها. ..وكذلك  بعض العيوب يمكن التعايش معها ولو مؤقتا  فى حال عدم وجود بدائل تسييرا لمركب العمل   فكسير أفضل من قعيد وعوير أفضل من ضرير.....والا فإن توقف العمل الدعوى سيكون فى ميزان من نسفه باعتبار نقص كفاءة القائم به  مع عدم وجود بدائل

8.تعدد المصادر. ..لا ينبغى الاقتصار على رأى واحد

فلربما تقع أسيرا لرؤية ذاتية أو موقف شخصى لذا فإن تعدد المصادر  يؤدى إلى درجة  أعلى من المصداقية ..فعين الرضا عن كل عيب كليلة  و عين السخط تبدى المساويا

ولهذا يحبذ أخذ رأى أكثر من شخص لتجنب تداخل النفسيات والأهواء أو حتى الرؤية القاصرة فى باب القدح أو  التزكية

 

9 السرية...قدر المستطاع

اذا اتبعنا القواعد السابقة كلها وكان لابد من التكلم فى المعايب لا محالة فانه ينبغى عدم تداول الكلام إلا فى أضيق الحدود ولمن يلزمهم المعرفة للمصلحة فقط .. مع التأكيد على أن المجالس بالامانة فالناس  يثقل عليهم النقد  هذه فطره بشرية ...

لذا  لا تكن عونا للشيطان على أخيك بقصد أو بدون... حتى لو كان نقدك لمصلحة شرعية. .فالابقاء على الإخوة فى الله أيضا مصلحة شرعية فلتجتهد فى عدم وصول ما يحزنه...  لأن التجربة أثبتت أن الكلمات السلبية تبلغ الآفاق فى لحظات أما إن ذكرت أخاك بخير فقد تصله كلماتك على ظهر سلحفاة  هذا إن

 وصلت

10...الإخلاص  أولا واخرا. .ومن معانى الإخلاص نسيان رؤية المخلوقين  ودوام النظر للخالق ومن معانيه كذلك ابتغاء وجه الله فى القصد من وراء الأعمال كلها ..والإخلاص عزيز يحتاج إلى مجاهدة  وصدق  وهو منجاة فى الدنيا والآخرة نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص فى القول والعمل