أربعة بالونات

  • 355
أرشيفية

أربعة بالونات

بقلم- صفية محمود

"فيديو قصير مازح لا يتعدى خمسَ دقائق؛ قد غيَّرَ اللهُ به حياتي؛ لأن اللهَ يسوق الحكمة والعلم في الوقت الذي يشاء للقلب الذي يريد"، هكذا حكت لي إحداهن أن حياتها صارت متوقفة، بعد حَملٍ لا تجد له وصفًا أصدق وأبلغ من وصف الله له: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}.

وضعته طفلًا جميلًا يُشع من عينيه بريقُ الذكاء والحماسة، كثير الحركة والصياح، وجاء مَن يهنئ ويبارك، والبعض وجَّهني ونصح وعاون ونفع، ثم مضوا جميعًا، وبقيت وحدي مع تجربتي الأولى في الأمومة بعد الحمل الثقيل.

وظننت يومًا أن الخلاص من الحَمل بالولادة، ويأتي زمن المتعة بطفولة تُدخِل على البيت السرور والابتسامة، وضمة لقلب أم تدور بوليدها تحمله لطفًا يمس القلب، ونعومة القبلات وبراءة النظرات، ولكن أدركت أن ما بعد الولادة هو الحِمل الثقيل رغم لذته، والقيد المحكم رغم رقته، وصعوبة العلاقة رغم نعومتها، إن قلت صرت أسيرة لهذا الوليد؛ ما تباعدت عن الحقيقة، وما كذبت، فاليقظة شبه دائمة، والنوم صار حلم صيف.

طفلي يأبى الوحدة ويكرهها، فيجول معي على ظهري محمولًا في كل أرجاء البيت، كأنما لم تكفِه تسعة أشهر فأكمل لعامين، صارت حياتي مشقة، فللزوج مطالب، ولشئون الحياة ونفسي والعبادة وأورادي، فصرت أعطي لكلٍ حد الكفاف قدرَ قوتٍ يقيمُ صلبَ الشيء! 

تجربتي الأولى العسيرة، آلام كثيرة، ونفسي صارت كسيرة، مرت بخاطري أيام الدروس وتلخيصها.. محاضرات ودعوة ورفيقات الدرب،  ومعهن كم حلمنا بالولد الصالح يدعو لنا، لكنه حلم ثمنه غالٍ. 

وفي غمرة الأسى واليأس، كتبت في موقع التواصل: "ادعوا لي فربما لستُ على ما يُرام". فتوالت دعوات الصديقات عرفتني أم لم تعرف، فالنساء عطف يمشي على الأرض، وبينما أتجول في الشبكة حينها  شاهدت مقطعًا مرئيًا مازحًا لأم تلاعب وليدها في عُمر ابني، والطفل عذب الضحك؛ فأسعدني.

صنعتْ أمه حيلة عجيبة، ثبّتت في يديه وقدميه بالونات أربعة بصورة لا تؤذيه، فكلما بكى الصغير حرّك أطرافه؛ فاهتزت البالونات، فشغلته عن البكاء؛ فضحك، فاهتزت من جديد، وتواصل الضحك، وهكذا.. فالذي فعله المشهد في نفسي أحيا فكرة الاستفادة بما يُتاح واستثمار ما أملك بيدي؛ لأحصل على ما أشتهي.

أيقظ المشهد بعقلي أفكارًا كثيرة، تمكنت من رؤية اللون الفاتح في الحياة  بعيدًا عن لون اليأس القاتم الذي يغلق نوافذ الفكر ويعمي الأمل، وكانت البالونات الأربعة درسًا في إدارة الحياة.