لماذا صمت العالم أمام الإرهاب الصيني؟

الدعوة السلفية: لا وزن ولا قيمة لما يعرف بالمواثيق الدولية التي تكيل بمكيالين

تقرير– أحمد عبدالقوي

  • 1723
أزمة الإيجور

أكاديميون: تركستان تحولت لسجن كبير.. وعلامات التدين تعرضك للخطر

الصين حددت معايير للتطرف أبرزها "السلام عليكم" باللغة العربية

المصاحف ورفض الكحوليات والسجائر كفيلة بالسجن مدى الحياة


"سجن كبير مليء بالمسلمين"، بهذا الوصف بدأ الدكتور أحمد عارف شمروخ أستاذ القانون بجامعة فودان بإقليم شانغهاي بالصين سابقًا، حديثه عما يحدث لمسلمي الإيجور، في تركستان الشرقية التي تقع الآن تحت حكم الصين الشعبية، منذ عام 1949م، حيث أُعلنت كولاية جديدة تابعة للصين، وتم تسميتها بإقليم شينجيانغ، أي المستعمرة الجديدة.


وأضاف شمروخ لـ "الفتح"، أنه مكث في الصين منتدبًا بالجامعة كمدرس بها، أكثر من عشرين عامًا، حيث التقى بالعديد من مسلمي الإيجور، أثناء احتكاكه بالحياة اليومية، والدراسة.


وتابع: "كنت دائمًا أحب أن أحدث أي إيجوري أقابله عن أحوال إقليم تركستان الشرقية، ولكن أغلبهم يخاف، ويُظهر السعادة، وأنهم في قمة الراحة داخل الإقليم، خوفًا من انتشار الكلام، إلا أن البعض منهم بعد أن استراح لي، أقر لي بما يحدث داخل الإقليم".

وأردف أستاذ القانون بدولة الصين سابقًا، أن خلاصة جلساته الكثيرة التي جلسها مع إيجوريين داخل الصين، أنك إذا ظهرتْ عليك علاماتُ التدين الإسلامي داخل إقليم تركستان الشرقية فأنت في خطر شديد، وبناء على ظهور علامات التدين، يتم أخذ الإجراءات المشددة تجاهك.

المدارس أكثر رعبًا

وحول سؤالنا عن المعتقلات التي أعدتها الصين داخل تركستان الشرقية، قال شمروخ: المعتقلات ليست أكثر ما يخيف في تركستان الشرقية، فالمدارس أكثر رعبًا، فما هي إلا عنابر لسجون صغيرة –إن صح التعبير- يسكن بها أطفال المسلمين، الذين تم ترحيلهم للسكن بها، بعد نزعهم من أهلهم.


وتابع: يكفي أنك تجلس في بيتك تنتظر من يدق بابك في أي لحظة، ليدخل دارك جندي صيني مدجج بالأسلحة لتفتيش بيتك، أو أن يأتيك ضيف عجيب من عرقية الهان المعادية للإسلام، وفي هذه اللحظة أنت متيقن من أنه زائر لا يحتاج إلى دعوة للحضور ولا عزيمة للبقاء بدارك، وأنت على يقين أيضا أن مهمة ضيفك الصيني الشيوعي، هي مراقبة تصرفاتك ومدى تدينك.

وأردف، إذا فشلت في إخفاء دينك، فأنت تعلم أنك ستتبدل أحوال أسرتك، فسيقتاد البالغون للمعتقلات ومعسكرات التثقيف الإجباري، وأما الأطفال فمدارس إعادة الهندسة الثقافية تنتظرهم.


زوار منتصف الليل

وأضاف شمروخ: هل تدرك معنى أن يطرق باب الإيجوري رجل غريب، من عرقية أخرى، على دين آخر بخلاف دين الإسلام، يطلب الإقامة، ولا سبيل هنا لدى الإيجوري إلا الإذعان، وفقًا لإعلان الحكومة الصينية عما يسمونه "الوحدة الوطنية للأسرة".

وأكد أستاذ القانون بدولة الصين أن عدد من انتقل من عرقية الهان، إلى إقليم تركستان الشرقية يربو عن المليون صيني، للدخول في منازل العائلات المسلمة من الإيجور والعيش معهم، دون دعوة مسبقة، ولكي يتم إبلاغ السلطات الصينية عما إذا كان مضيفوهم يبدون مظاهر إسلامية أم لا.

وأشار شمروخ إلى أن الحكومة الصينية حددت معايير معينة، لاكتشاف تطرف مسلمي الإيجور بزعمهم، وأبرزها: هل ألقى أحدهم التحية بالكلمات العربية "السلام عليكم"؟، وهل هناك نسخة من المصحف داخل المنزل؟، وهل منهم من يصوم في رمضان؟، هل هناك بنات ترتدي ملابس طويلة؟، هل منهم من يرفض الكحوليات أو السجائر؟، هل هناك لحية لدى أحد الرجال منهم؟، وفي حالة اكتشاف واحدة مما فات من علامات، تكون هي إحدى الطرق لاكتشاف هؤلاء المتطرفين!


الأمر يطال الرجال والنساء والأطفال

يقول الشيخ عادل نصر المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، إن مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية التي ضمتها الصين إليها عام 1949م، يتعرضون لحملة ممنهجة من الاضطهاد والتعذيب على يد السلطات الصينية.


وأضاف نصر لـ"الفتح"، إن الأمر في تركستان الشرقية لا يقف عند حد الحرمان من أبسط الحقوق التي يجب أن تكون مكفولة لهم، من ممارسة الشعائر الدينية وإظهار الهوية ونحو ذلك، بل يتجاوز الأمر ذلك بكثير حيث يصل إلى السجن الذي يطال الرجال والنساء مع التعذيب الذي يشيب من هوله مفارق الولدان، والتشريد للأسر ومحاولات التفكيك والتطهير العرقي.


وتابع، حيث يؤخذ الأطفال عنوة بعيدًا عن أسرهم ليُربّوا على غير الإسلام، وبالجملة ترتكب السلطات الصينية أبشع الجرائم في حق الإيغور، وكل هذا وسط صمت دولي مريب، اعتدناه فيما يخص المسلمين، كما رأينا ذلك مع مسلمي بورما في إقليم أراكان، ونراه في الهند وفلسطين وغير ذلك من بقاع الأرض.


وأردف نصر، لا وزن ولا قيمة لما يعرف بالمواثيق الدولية، التي يكيل أصحابها بمكيالين، فلو كان غير المسلمين هم من يتعرضون لهذه الأفعال لقامت الدنيا ولم تقعد، ولتحرك العالم كله لإيقاف هذه المجازر والجرائم ولكن الأمر عند المسلمين يختلف.


وألمح نصر، إلى أن موقف المجتمع الدولي إن كان بالنسبة لنا أمرًا قد اعتدناه وليس بمستغرب، فالمؤلم هو موقف العالم الإسلامي الذي لم يعد له دور يذكر في حماية الأٌقليات المسلمة، بعد أن مزقته الخلافات وازداد تشرذمًا وأضحى بأسه بين أهله شديدًا، فإن الأمر يزداد سوءًا؛ حيث أصبح المسلمون يتحالفون ضد بعضهم البعض، مما مكن أعداءهم من تنفيذ مخططاتهم، ومواصلة جرائمه.


واختم متحدث الدعوة السلفية، بقوله، لذلك نهيب بالعالم الإسلامي أن يتحد، وأن يعود لمصدر عزته من الكتاب والسنة، وأن يتحرك على مستوى الحكومات والشعوب؛ لإيقاف هذه الجرائم التي لم تقف عند حد دولة بعينها، وتوفير أبسط الحقوق للأقليات المسلمة أسوة بغيرهم؛ فإن لم يتحرك عالمنا الإسلامي فمن يا ترى سينصر هؤلاء المستضعفين؟!


غسيل العقول

وفي نفس الصدد يقول الدكتور عقيل بك جاتييف، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بدولة قرغيزستان التابعة لتركستان الغربية سابقًا، إن نهاية ديسمبر 2019، كان هو الموعد الذي حددته السلطات الصينية، للانتهاء من دمج مليون ونصف مليون إيجوري بالجسد الصيني.

وأضاف جاتييف لـ "الفتح" أن القطارات الصينية مليئة، بالمحتجزين من تركستان الشرقية، حيث يجرى شحنهم للسجون، وترحيلهم من سجن لآخر بأماكن متفرقة.

وتابع، أن الأقمار الصناعية التقطت صورًا لـ33 موقعًا مختلفًا، لسجون جديدة أقامتها الحكومة الصينية في تركستان  الشرقية، كما التقطت بعض الصور للمعتقلين في فناءات السجون، وهم معصوبو الأعين، حليقو الرءوس واللحى، والحديد في أيديهم وأرجلهم.


وأكد عضو الشئون الإسلامية القرغيزية، أن التعذيب والتنكيل حتى الموت ليس هو المقصود من وجود ملايين المعتقلين داخل السجن، بل تعلم مبادئ الغناء للرئيس الصيني والحزب الشيوعي، وتناول

لحم الخنزير وشرب الكحوليات والهتاف ضد تعاليم الإسلام، هي أبرز ما تتم ممارسته على المعتقلين داخل ما يسمونه "معسكرات التثقيف"، والحقيقة أنها "معسكرات الموت".

وألمح جاتييف إلى أن الويل للمعتقل الذي يلمحونه بغير حركة لأكثر من دقيقتين، فهي تهمة تعني الجلد دون رحمة، ومعنى سكوته أنه يصلي في سره، وأنه يومئ بعينه أو برأسه.


أطفال.. لكنهم متطرفون

وحول الحديث عن أطفال الإيجور في تركستان الشرقية، قال جاتييف: إن أبناء المسلمين في تقييم الحكومة الصينية ما هم إلا متطرفون، ولعل كلامي يكون غريبًا، كيف يكون الطفل متطرفًا، وأين هي منظمات حقوق الأطفال التي تتغنى بالدفاع عن الأطفال وعن المظلومين؟

وتابع: أطفال الإيجور ينتظرهم مصير أكثر رعبًا، فهناك عزل متعمد لأطفال المسلمين عن عائلاتهم، والعزل مقصود به إبعاد الأطفال عن أي بيئة دينية أو لغوية من الممكن أن يتعلموها من آبائهم وأمهاتهم.

وتابع، في قرية واحدة في تركتسان الشرقية فقد أكثر من 700 طفل تركستاني كلا أبويه، في حملة واحدة نزلت خلال يومين، تم القبض على الآباء وترحيلهم للسجون، وترحيل الأمهات إلى بكين، للعمل بالمشاريع الصينية الجديدة، وأما الأطفال فإلى عنابر الموت، الكفيلة بإخراج جيل جديد لا يعرف شيئًا عن الإسلام أو عن المسلمين.

وأوضح أن الحكومة الصينية يكفي عندها أن يظهر الأبوان بمظهر إسلامي، هذا معناه أن يتم القبض على الأبوين وعلى الأطفال في نفس اللحظة.


النخب الثقافية المسمومة

من جانبه قال الدكتور حسام عقل، عضو هيئة التدريس بجامعة عين شمس، إن مبعث الحزن الحقيقي في قضية مسلمي الإيجور، هو موقف النخب الثقافية العربية، ومحاولة التدليس وتحريف التاريخ لدى الأجيال.

وأضاف عقل لـ "الفتح" أن مسلمي الإيجور يدفعون استعمارًا متغولًا يبتلع أفكارهم وأديانهم وشعائرهم، ويصنع ذلك بقفاز من حرير، كما صرح السفير الصيني بالقاهرة، أن المشكلة مع مجموعة من الإرهابيين.

وتساءل عقل: يا سعادة السفير، هل كان مسلمو الإيجور قبل عام 1949م، مجموعة من الإرهابيين؟، أم كانوا أصحاب دولة مستقلة، وتم الإجهاز عليها بالدبابات والمجنزرات من حكومتكم الصينية؟

وتابع: يصدق مثل هذا التحريف، بعض النخب الثقافية والعربية المسمومة، فيظهرون الأمر كما كتب أحدهم: "شوية انفصاليين والحكومة الصينية تفعل معهم الصواب"، وأنا أسأله: ما هذا الحقد الأعمى على شعب مسلم يشاطرك نفس الدين والحضارة، وهل هذا ما تعلمتمونه من كتبكم ومقالاتكم التي تنشرونها.


وأكد عقل على أن تركستان الشرقية ليست هي الصين، ولا بد من قراءة التاريخ جيدًا، القرآن الكريم يقول: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، فالقرآن الكريم أمرنا أن نقرأ التاريخ.


أكاذيب وتخرصات

وأردف أن أعداء الأمة في الداخل والخارج يصدرون لنا الأكاذيب والتخرصات على كونها حقائق، كما أن هناك الآن تلاعب بالتاريخ، فهؤلاء ليسوا مسلمي الصين، ولا علاقة لهم ببكين، هؤلاء ينتمون إلى تركستان الشرقية، دولة شرعية ذات سيادة وحدود، تعرضت للاحتلال من الحكومة الصينية عام 1949، وهذا للتاريخ.


وشدد عقل على أننا نرفض تمامًا أن يدلس السفير الصيني بقوله: "كما تحاربون الإرهاب في بلادكم نحن نحاربه في بلادنا"، هذا تدليس واضح، وتلاعب بالرأي العام، فالجيش المصري الذي يقاوم الإرهاب الحقيقي في سيناء، يختلف تمامًا عما تفعله حكومة الصين مع مسلمي الإيجور الآن، إنكم دمرتم مساجد الإيجور، ومنعتم أهلها من الصيام، ومنعتموهم من أبسط شعائرهم، وأجبرتم بنات الإيجور على الزواج من عرقياتكم الإثنية، فكيف تحاولون التعتيم والتدليس على بسطاء الناس؟

واختتم: "نصرة مسلمي الإيجور واجبة على كل قادر أن ينصرهم، بقلمه أو كلمته، أو أضعف الأحوال بالدعاء لهم".