طوبى للغرباء

وفاء الشحات

  • 52



عندما بدأ الإسلام أول من أسلم من الرجال أبي بكر الصديق وبلال رضي الله عنهما. فكان يُقال للنبي –صلى الله عليه وسلم- من معك؟ فيقول: حرٌ وعبد!، ثم انتشر الإسلام وقوي وعظم أمره، ثم سيعود غريبًا كما بدأ ليس من قلة عدد رجاله، بل كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل! من يتمسك بدينه هم قلائل، وسيحاربون ويشوهون كما كان في بادئ الأمر.

سيوصفون بالإرهاب والتشدد والتطرف وربما يُطعن في عرضهم وأمانتهم، هو زمن يخوّن فيه الأمين، ويؤتمن فيه الخائن!

وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء"، قيل من الغرباء يا رسول الله؟ قال: "الذين يَصلحون إذا فسد الناس".

وفي رواية الذين يُصلحون ما أفسد الناس، وفي رواية أخرى قومٌ صالحون قليل في أُناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.

فالغرباء وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هم الذين يَصلحون ويُصلحون في زمن قلّ فيه الصالحون، ولن يكتفوا بذلك، بل سيقومون بدورهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثم بشرهم ودعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالطوبى؛ وهي الجنة، وقيل شجرة في الجنة.

فستجدين أختاه من يشوّه صورتك لأنكِ تأتمرين بأوامر الله، وتتشبهين بأمهات المؤمنين في لباسك وأخلاقك، ولا يملّون من محاربتك، ولسان حالهم أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون، فأنتِ غريبة بينهم فطوبى لكِ.

سيحتفلون بما يسمونه عيد ميلاد، واحتفال رأس السنة الجديدة، وغيرها من أعياد واحتفالات ما أنزل الله بها من سلطان! وسيجدونك غريبة لأنكِ لا تحتفلين معهم، فطوبى لكِ.

سيخالطن الرجال، ويمزحن ويضحكن، وربما يتبادلن الهدايا فيما يسمونه عيد الحب! وسيجدونك غريبة لأنكِ لا تخضعين بالقول، فطوبى لكِ.

بل ستزيدين على ذلك أنك تحاولين إصلاح ما أُفسد من عقائد وأخلاق، فتأمرين بالمعروف وتنهين عن المنكر {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

فلا تبتئسي ولا تحزني واصبري واستبشري أيتها الغريبة الغالية، فقال -صلى الله عليه وسلم- أحب شيء إلى الله الغرباء الفرارون بدينهم يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى ابن مريم).

وفي حديث آخر: سيأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر أو على خبط الشوك، ومعناه ليس أنها مُحرقة، ولكن مجهدة تحتاج مقاومة للنفس من الشهوات والشبهات ومقاومة أنكِ غريبة في وسط أناس كثير غير متمسكين بدينهم!

ولكن ستطيب نفسك عندما تقرأين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وددتُ أني لقيت إخواني، فقال أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ليس نحن إخوانك يا رسول الله ؟! قال أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني).

فاصبري أختي الغالية في زمن الغربة فالغلبة لكِ في الدنيا في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".

وفي الآخرة في قوله تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.