متى يُزهرُ الربيع

  • 325


لعلَّنا نكون في غفلةٍ عن تلك اللذة التي من أجلها يُهجر الدفءُ في برد الشتاء، ويُترك الوثيرُ من الفراش، ويُستقبل ماءُ الوضوءِ بلسعةٍ يُخبرك عنها جو الشتاء، ثم تغمر أعضاء الوضوء التي بُشرت بالنور يوم القيامة.

كيف لا وقد فارقت لذةً حاضرةً عاينتَها؟ دفءٌ ومنام، وتعلقت بنعيم آمنت به على غيبٍ، وطمعت فيه ولو بعد حين؟

تدفع فيه حاضرك، ولم تغنم من الموعودِ شيئًا إلا ثقةً في كلام الله وأنبيائه، حتى استحال التعب لذةً بمعاينة الثواب كأنه مرأى عين، لا يصرفه عن الرغبةِ فيه صارف؛ فاستنار وجهُ صاحبِه أملًا بعدما حَلا عملاً, فلله درهم أسهروا ليلهم لله، وقطعوا نومهم محبة ورجاءً، ومرَّغوا أنوفًا في موضع سجودهم؛ فكان مَرْقاهم منه، وأسالوا دموعًا فاضت محبةً وشوقًا للُقيا من أحبوه؛ يفرحون بالشتاء فهو ربيع المؤمنين، وكيف لا يفرح قومٌ بربيعهم؟ فالشتاء ربيع المؤمن، ليلُه طويل، يحلو فيه القيام، ويومُه قصير يسْهُل فيه الصيام.. فهلَّا أزهر ربيعُكم الآن؟!