• الرئيسية
  • الأخبار
  • باحث شرعي يستعرض جهود ابن تيمية العلمية والفكرية.. ويؤكد: مفخرة للعرب والمسلمين

باحث شرعي يستعرض جهود ابن تيمية العلمية والفكرية.. ويؤكد: مفخرة للعرب والمسلمين

  • 1037
الدكتور عبدالغفار طه

استعرض الدكتور عبدالغفار طه، الباحث الشرعي، جهود شيخ الإسلام ابن تيمية العلمية والفكرية، موضحًا أثرها في إحياء الاجتهاد الفقهي لمعالجة مشكلات الواقع.

وقال "طه" في تصريحات خاصة لـ"الفتح"، إن ابن تيمية قدم جهد نقدي "تفصيلي" غاية في الدقة لأساليب الاستدلال العلمي والفكري السائدة في عصره من خلال نقده لمنطق أرسطو، وهذا أمر لو تعلمون عظيم لأن منطق اليونان كان على رأس هرم القوانين العقلية والاستدلالية في هذا التوقيت.

وأوضح أن هذا الجهد أرجع العلم إلى مضمونه، وأقره كثير من الفلاسفة والعلماء الذين جاءوا بعد ابن تيمية بقرون كل من زاويته، مثل فلاسفة العلوم التجريبية، وكل من يرى أن المنطق الصوري لا يفي بالاحتياجات العلمية كأصحاب المنطق الرياضي وغيرهم، مضيفًا: "باختصار جهود ابن تيمية في هذا الباب تعتبر مفخرة للعرب والمسلمين جميعا، إضافة لكونها تصحيح لأسلوب الاستدلال على المعارف والعلوم".

ولفت الباحث الشرعي إلى أن جهود ابن تيمية أدت إلى تعزيز اليقين الإيماني من خلال إيجاد صيغة تعايش بين العقل والنقل ترتكز على تجاوز الخرافات والأوهام في كلا الجانبين بعد أن وقع كثير من العلماء في فخ تعارض النقل مع العقل أو العلم".

وأشار إلى أن ابن تيمية اعتمد صيغة توفيقية قائمة على التوافق بين (صحيح المنقول)، و(صريح المعقول)، بمعنى أنه لا بد من تصحيح المنقول بالرجوع لقواعد النقد الحديثي لأن كتير من النقل المتصور معارضته لقطعيات العقل منسوب للدين خطأ رغم ضعف سنده، بينما كتير من الأحكام العقلية التي يعتقد معارضتها للنقل ليست صريحة؛ بل هي مجرد ظنون وتوهمات وتحكمات تعاني من خلل في بنيتها الاستدلالية .

وأكد "طه" أن رؤية ابن تيمية كانت ريادية في هذا الباب، مبينًا أن الفحص الكافي للدليل في كلا الجانبين سيؤدي إلى تهذيب الاستدلالات، من خلال اعتماد الدليل القطعي منهما وحينها هيبقى من السهل رد الظني إلى القطعي سواء كان عقليًا أو نقليًا .

وواصل "طه" سرده حول أثر مجهودات ابن تيمية العلمية والفكرية، قائلًا:"ساهمت في تدعيم الثقة بعقائد السلف كالصحابة والتابعين وأتباعهم ومن سار على نهجهم كالأئمة الأربعة، بعد أن كان كثير من العلماء وليس العامة يعتقدون سذاجة أطروحات السلف، وأنهم آثروا السلامة وفقط؛ فجاء ابن تيمية ليبين العمق العقلي لعقيدة السلف، وأصولها السليمة، ولوازمها المطردة، فالفكرة العميقة قد يعبر عنها بكلام بسيط".

وتابع: "كذلك إحياء الاجتهاد الفقهي لمعالجة مشكلات الواقع بعد أن سكن الفقهاء أنفسهم إلى ترديد مقولات إغلاق باب الاجتهاد وأنه لا يوجد بعد عصر الأئمة مجتهد لا مطلق ولا حتى منتسب ؛فجاء ابن تيمية لينفض الغبار عن آراء السلف وعلماء القرون الأولى ويبين أن الفقه -حتى داخل المذاهب نفسها- أوسع من المقولات التي تدور حولها الفتاوى السائدة، فقدم مجموعة من الآراء والاختيارات في مسائل المعاملات المالية والأوقاف والوصايا والطلاق لا يزال الفقهاء يدورون حولها ويرجعون إليها إلى يومنا هذا في دور الفتوى والمجامع الفقهية".

وبين "طه" أن الغالبية الساحقة لهذه الاختيارات لم يخترعه ابن تيمية؛ بل هي آراء مثبتة في التراث الفقهي لكنها كانت بعيدة عن المزاج الفقهي السائد حيث التمحور غالبا حول رأي واحد في الفتوى داخل كل مذهب؛ فعمد إلى تلك الآراء الفقهية هذا الإمام الفذ فاستخرجها بعد غور ونفض عنها غبار التهيب والجمود ..

وأضاف: "شيخ الإسلام ابن تيمية حل المعادلة الصعبة، وقدم بنفسه نموذج عملي على الجمع بين عبادات الظاهر والباطن، وعلى التعايش بين التعبد والتفقه والإصلاح في شخصه، كما سخر قلمه لإثبات صلاحية التوجيهات النبوية، والتطبيقات السنية وكفايتها كمنهج تربوي في إصلاح النفوس والقلوب من غير حاجة لخرافات وطرائق بعض المتصوفة والصالحين الذين زادوا على السنة ترتيبات وأوضاع مبتدعة وقاصرة".

وحول سبب العداء إلى ابن تيمية، قال: "السبب "الرئيس" وراء كثرة أعداء شيخ الإسلام أنه في كل نقطة من النقاط السابقة كان يكسر تابوهات ضخمة قامت على غير أساس في عقول المتدينين -وكثير من العلماء قبل غيرهم للأسف-، وهذا تحديدا هو المورد الرئيس لمعارضة ابن تيمية، فكل من ضاق صدره عن استيعاب طفرات وحجج هذا العالم الفذ انضم إلى خانة المعارضين، وهنا يأتي المشهد الإنساني الأعظم في حياة هذا الإمام العلم وتحقيقه المعادلة "الأصعب" لدى البشر، أن يظلموك وتسامحهم، أن ترفض أقوالهم وتخطئهم ومع ذلك لا تفقد احترامك لهم ولا ثناءك عليهم!".

واستطرد قائلًا: "أي شخص هذا؟! ينقد فكر الباقلاني وتأصيلاته العقائدية نقدًا مرًا، فإذا تعرض لشخصه أثنى عليه وفخم شأنه، يزيف أفكار المعتزلة، ولا ينسى جهودهم في مجادلة الملل الأخرى ودعوتهم إلى الإسلام، قلم منصف ولسان عادل ونفس سوية بعيدة عن الأحقاد ".

واستشهد بما قاله ابن القيم في حق شيخ الإسلام: "وما رأيت أحدًا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.. وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له؛ فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسُرُّوا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه..".

واختتم "طه" بالقول: "ليس المقصود طبعًا وصف ابن تيمية بالعصمة، ولا تصويب كل آرائه، فهو بشر يصيب ويخطيء، لكن المقصود بيان تميزه وسبقه في كثير من جوانب العلم والتدين والإصلاح لدرجة أن كثير من العلماء ذكروا أنه لم يظهر على ساحة العلم مثيل له في الألف سنة الأخيرة، فحري بمن كان هذا شأنه أن يصان عرضه عن سفاهة السفهاء لأن العلماء ورثة الأنبياء".