مفارقات

منى المسلمانــــــــــــــــي

  • 892



في حياة كل شخص منّا مفارقات عجيبة ومشاعر متضاربة غريبة تستدعي منه التعجب وتصيبه بالحيرة حين يفكر فيها ويتأملها، ففي زمن الصبا يتمنى الكبر، فهو قد سأم اللعب ويريد إثبات الذات والاعتماد على النفس، فما عاد حضن الأم ما يهفو إليه، وما عادت يد الأب الممتدة بمصروفه الشخصي ما يركز عليه، بل لابد وأن يعلن التمرد على كل ذلك ليثبت أنه أصبح رجلًا قوي العزمات.

ثم إذا كبر وشاب تمنى لو رجع به الزمن إلى الوراء وعاد لأيام الطفولة تلك الأيام الجميلة فيردد هذه الأبيات

ألا ليت الشباب يعود يومًا .. لأخبره بما فعل المشيب

يتزوج ويرزق بالأولاد فإذا به يتحمل المسئوليات ويتولى جلب الاحتياجات فينحني ظهره لتلبية الطلبات، وتتبرم الأم للروتيني اليومي من غسل الأطباق وطهي الوجبات وتتمنى أن لو نُعمت بزواج البنين والبنات، ثم إذا تزوجوا اشتكت الوحدة وخلو البيت، فأطلقت الزفرات والأنات بل وتأسفت على زمن فات.

يتوجه الإنسان منّا إلى العمل يرسم على وجهه تجاعيد تنم على الهم يمشي بخطوات يجرها جرًا وهو يهجو المشاق

فإذا به يمرض فيرتاد المستشفيات ويجد نفسه مُددّا على سرير أبيض يعاني الويلات، فيتذكر وقتها أوقات العمل فيتمنى أن لو تعود ليذهب بنشاط ويستقبلها بحيوية وثبات، كلها مفارقات تحدث له أثناء رحلة الحياة تليها مفارقات، والعجيب أن تحدث لنا في أزمة كورونا ونكتشف بعضًا من المفارقات، فالمسجد الذي كنا نجاهد أنفسنا لنزول الخمس صلوات أغلق لنجد أنفسنا إذا ما رأيناه لم نصبر على استدرار الدمعات على التفريط في الصلوات، وصلاة التراويح والتهجد التي كنا نضيع نصفها أو ثلثها لأنها طويلة كثيرة الركعات نتمنى ألّا نحرم منها، ونتذكر التقصير والتفريط في الطاعات، وصحبة المسجد التي كنا نشكو منها ونتعلل بالهفوات والخصومات أصبحنا ندعو الله ليل نهار ألا نحرم منها فهي أوثق عرى الإيمان، عجيبة كل تلك المفارقات.

والأعجب ألّا تستدعي انتباه الواحد منا فيغتنم ما هو فيه من الفرص والإمكانات، تذكر معي وتأمل نصيحة سيد الخلق ومرشدهم لاغتنام الأوقات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وحياتك قبل موتك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك). 

فنصيحتي إليك: لا تنتظر حتى تتحسن الظروف وإلا ستنتظر إلى الأبد.. كن الرجل الذي يفعل ولا يماطل ولا يتعلل.. حفز نفسك يوميًا على النجاح.. فكِّر دائما من منطلق الآن ولا تلجأ للتسويف.. لا تكتف أن تتمنى النجاح تمسك بمبدأ السبب.. الوقت من ذَهب إن لم تستفد منه ذهب.


وأخيرًا: لا تتطلع للمستقبل ولا تنتظر استقرار الأحوال لإنجاز الأهداف والمهمات فإن انتظرت ستنتظر كثيرًا، وقد يطول بك الانتظار دون تحقيق الآمال والطموحات، ثم تفاجأ أن ما فات كان من أفضل الأوقات فتندم وتتحسر حين لا ينفع الندم ولا تفيد الحسرات، أيامك فاغتنمها قبل الممات قال تعالى {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا} ويا لحسرة من يسمع (كلا) فإنها تقطع أمنيته في الرجوع واستدراك ما فات.