ننفرد بنشر نص تقرير لجنة الخبراء لدراسة تأثيرات السد الإثيوبي على مصر والسودان

  • 125
صورة أرشيفية

"الفتح" تواصل تحقيقاتها حول مخاطر سد النهضة على الأمن القومي المصري
اللجنة: أثيوبيا لم تقدم إلا 70% فقط من الوثائق المطلوبة.. وحجبت أبرزها
والطريقة المستخدمة في التصميم لا تعطي نتائج صحيحة على المدى البعيد
التقرير يثبت العيوب الجوهرية في دراسات وتصميمات السد وخطورتها على دولتي المصب
الخبراء: التصميمات قاصرة والدراسات لم تأخذ في الاعتبار المخاطر البيئية المحتملة
اديس أبابا لم تقدم تبريرات حول اختياراها لارتفاع السد.. واللجنة طالبتها بتعديل أبعاد بعض المنشآت
تأثيرات السد السلبية تمتد حتى بحيرة ناصر.. وتحدث تغييرات في فواقد البخر بالبحيرة
موقف مصر قوي.. تؤيده الاتفاقات والمعاهدات الدولية.. وتقرير اللجنة يؤكده
هل يصلح السيسي ما أفسده مبارك ويعيد القارة الإفريقية إلى مصر؟

تمثل نقطة المياه أهمية بالغة في حياة البشر والدول، بدونها لا حياة للبشر ولا غذاء؛ وكم من الدول والشعوب التي تعرضت لمجاعات قاسية بسبب الجفاف وندرة الأمطار، ففي الماضي القريب عانى الإثيوبيون في ثمانينيات القرن الماضي، والصوماليون في التسعينيات قسوة الجوع والعطش الناتجين عن قلة الأمطار، ونقلت لنا الصحف والتليفزيونات صور أطفالهم، ونساءهم، الذين تحولوا إلى مجرد هياكل عظمية تكسوها جلود سمراء مشققة من أثر الجفاف، ومن نجا من الموت عطشا أو جوعا منهم، لم ينج من الأمراض الفتاكة والأوبئة التي تنتشر في البيئات الحارة قليلة المياه.

وفي مصر كانت العناية الإلهية هي الحارس للبلاد من مصير كهذا، حيث قُدر للمصريين أن يبنوا السد العالي الذي أسهم بقدر كبير في توفير احتياجات البلاد الضرورية من المياه اللازمة للزراعة والشرب.

السيسي يصلح ما أفسده سابقوه
ولعل تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة حل مشكلة سد "النهضة" الإثيوبي عن طريق الحوار، مع تأكيده أن مياه النيل بالنسبة للمصريين مسألة حياة أو موت، دليل على وعي الرئيس المصري بخطورة القضية، وانتباهه لأهمية العلاقات مع دول منابع النيل. وبلا شك فإن حضوره قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في ملابو عاصمة غينيا الاستوائية، وإلقاءه كلمة مصر وتركيزه على أهمية عودة العلاقات المصرية الإفريقية إلى دفئها، بعد فترة من الفتور بدأت منتصف التسعينيات مع محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك في أديس أبابا، ثم لقاءه برئيس الوزراء الإثيوبي هايلى ماريام دسالين، على هامش القمة لهو بادرة طيبة من شأنها إعادة الأمور إلى نصابها؛ بإقامة علاقات وثيقة مع دول أفريقيا خاصة المطلة على حوض النيل، وإفشال مخططات أطراف غربية وإقليمية تسعى لحصار مصر وتعطيشها، ووثقت علاقاتها مع أثيوبيا لهذا الغرض.

ولعل هذه الزيارة، وتلك اللقاءات تزيل ما علق من شوائب بين مصر وأثيوبيا، وتصلح ما أفسده الرئيسان السابقان مبارك ومرسي، الذين يقبعان في السجن الآن، الأول بإهماله العلاقات مع دول القارة، والثاني بسطحيته في معالجة القضية الأهم بالنسبة للدولة المصرية، عندما استدعى حفنة من الشخصيات غير المدركة للواقع راحوا يُنَظرون، ويتآمرون علنية ضد الدولة الإثيوبية، ما شكل أكبر فضيحة ممكن أن تصيب أي دولة، فضلا عن دولة بحجم وتاريخ مصر.

أهمية النيل لمصر
وهو نفس ما فعله حكام مصر الأولون والمتأخرون منذ عهد الفراعنة، وحتى عصر عبد الناصر والسادات، فعل ذلك كل من أراد بناء مشروعًا اقليميًا انطلاقًا من مصر.
فالحضارة المصرية القديمة لم تبدأ إلا حينما انتقل المصريون الأوائل من الصحراء إلى الوادي. وتجمعوا حول مياه النيل وبدأوا في تشييد حضارتهم منذ آلاف السنين قبل الميلاد.

ورغم عدم تعرض البلاد في العصور الفرعونية للغزو من جهة الجنوب، إلا أن حكام مصر عملوا على تأمين منابع نهر النيل، بمد السيادة المصرية على جبال النوبة وسائر السودان، بل ووصلت الحملات العلمية والعسكرية، والتجارية إلى الصومال وأثيوبيا.
ولما دخلت مصر في الإسلام، كان السودان جزءًا من ولاية مصر، مما جعل نصيب مصر من مياه النيل آمنا.

ومع تولي محمد عي حكم مصر عام 1805، بعد رحيل الحملة الفرنسية أدخل حوض النيل معادلة سياسية حربية جديدة؛ فمع طموحات محمد علي في بناء دولة عظمى، أدرك محمد علي والي مصر حاجته إلى تأمين بوابة مصر الجنوبية؛ فشن حملة عسكرية بهدف إخضاع كامل السودان، وواصل زحفه جنوبا عام 1820م، واقتنص السودان من أيدي المماليك، وأسس مدينة الخرطوم العاصمة الحالية للسودان.

ولما تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر أدرك أن النهضة المصرية لن تكتمل إلا بتأمين منابع نهر النيل، خاصة مع أثيوبيا فاستأنف العمليات العسكرية، وانطلقت القوات المصرية في أحراش أفريقيا. حيث استولت على الصومال، وأريتريا وأوغندا، وبعض الدويلات التي تعتبر اليوم داخل حدود جنوب السودان، وأثيوبيا.

اتفاقات حول مياه النيل

ولعل حملة الخديوي إسماعيل في دول حوض النيل، نبهت المجتمع الدولي آنذاك إلى ضرورة تنظيم عملية تدفق المياه بين دول الحوض؛ فسارعت بريطانيا، وإيطاليا إلى عقد برتوكول روما عام 1881م؛ لتحديد مناطق نفوذ الدولتين في شرق أفريقيا، وقد نصت المادة الثالثة منه: على أن تتعهد إيطاليا بعدم إقامة أي إنشاءات على نهر عطبرة من شأنها أن تؤثر تأثيرا محسوسا على كمية مياه نهر عطبرة، التي تصب في نهر النيل، وكانت إيطاليا توقع نيابة عن أثيوبيا.

وتعد هذه أولى اتفاقيات حوض نهر النيل التي وقعت في الحقبة الاستعمارية؛ ولكن عقب استقلال الدول الأفريقية في ستينيات القرن الماضي، تم الاتفاق على الابقاء على حدود المرحلة الاستعمارية، وكذلك احترام المواثيق التي أبرمت في عهدها.

ولعل أبرز اتفاقية في هذه المرحلة، كانت اتفاقية أديس أبابا عام 1902م بين بريطانيا نيابة عن مصر والسودان، وفي حضور ممثلين عنهم، وإيطاليا نيابة عن الحبشة "أثيوبيا وأريتريا لاحقا". وفي حضور ممثلين عنهم، وفيها تعهد الإمبراطور الأثيوبي "منليك الثاني" في الفقرة الثالثة من الاتفاقية لبريطانيا بعدم بناء، أو السماح بقيام مشروع على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا، أو نهر السوباط من شأنه إيقاف إيرادها، أو تصريف مياهها في نهر النيل، إلا بعد الاتفاق مع بريطانيا وحكومة السودان المصري الإنجليزي.

وفى عام 1906م وُقعت اتفاقية لندن ما بين بريطانيا وبلجيكا. وفيها تعهدت بلجيكا مالكة الكونجو آنذاك بعدم اقامة منشآت من شأنها تخفيض المياه التي تصب في بحيرة ألبرت؛ إلا بالاتفاق مع حكومة السودان المصري الإنجليزي.

وهكذا أعطت اتفاقيتا 1902 و1906 لمصر حق الاعتراض على أي مشروع يخص نهر النيل في دولتي أثيوبيا والكونجو (زائير سابقا).
وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) عقدت اتفاقية بين بريطانيا، وإيطاليا في ديسمبر عام 1925، وفيها اعترفت الحكومة الإيطالية بالحقوق المائية المكتسبة لكل من السودان ومصر في مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض، وتعهدت فيها تجاه الأطراف الأخرى المتعاقدة بأن لا تنشئ في أقاليم أعالي النهر، أو فروعه، أو روافده أية منشآت من شأنها التأثير على كمية المياه، التي تحملها إلى نهر النيل على أن تعلن بريطانيا احترامها للحقوق المائية لسكان المناطق المجاورة، التي تدخل في نفوذ إيطاليا إلى جانب تعهد الأخيرة بالعمل قدر الامكان على تحقيق الاحتياجات الاقتصادية لمصر والسودان.
وجاء الاتفاق الرابع في العام 1929، وهو الأشهر، بين مصر وبريطانيا من جهة، والسودان وأوغندا وكينيا وتنجانيقا (تنزانيا حاليا) من جهة أخرى، وتنص الاتفاقية على وجوب عدم المساس بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في مياه النيل.

وفي الخمسينيات بعد استقلال مصر بقرارها وقعت "المذكرات المتبادلة" مع بريطانيا، التي وقعت نيابة عن أوغندا في الفترة ما بين يوليو 1952 ـ يناير 1953، وكانت هذه المذكرات بشأن اشتراك مصر في بناء خزان أوينت لتوليد الطاقة الكهربائية في أوغندا، وفيها اتفق على تعلية الخزان لرفع منسوب المياه في بحيرة فكتوريا، واتفق الطرفان على التعويضات التي تمنح لأهالي أوغندا، الذين تضررت أراضيهم، وكان من شأن ارتفاع منسوب المياه زيادة حصة مصر من المياه للري في حين أن توليد الكهرباء يضمن لأوغندا وكينيا مزيدا من الطاقة الكهربائية.
وفي نوفمبر 1959 أبرم الاتفاق السابع بين مصر والسودان تحت مسمى "اتفاقية تقاسم مياه النيل".

السدود الإثيوبية

في العام 1984 دشنت أثيوبيا سد "فنشا" في إطار خطة طموحة؛ لإقامة 17 سدًا على ضفاف 12 نهرا في الأراضي الأثيوبية، ثمانية منها على ضفاف أنهار صغيرة تصب في نهر النيل، وتخطط أديس أبابا أن تكون مصدرًا إقليميا للطاقة الكهربائية، وفي سبيل ذلك وقعت على مذكرة تفاهم؛ لتصدير 500 ميجاوات إلى كينيا، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى الضعف عندما يبدأ مشروع "جيلجيل جيبى" الثالث في الإنتاج، كذلك تتوقع أثيوبيا أن تصدر الكهرباء إلى جنوب السودان، الذي يعاني نقصا حادا في الكهرباء، مقابل النفط من جنوب السودان.

كما تتوقع تصدير الكهرباء إلى السودان؛ لتغذية ولاياته الشرقية المجاورة لأثيوبيا، وكذلك إلى دولة جيبوتي، ومنها إلى اليمن عبر البحر الأحمر.
ونظرا لقلة الموارد الإثيوبية كان من الصعوبة بمكان أن تشيد هذه المشروعات الطموحة دون اللجوء إلى التمويل الخارجي، وهو ما استغلته أطراف خارجية وإقليمية مثل: إسرائيل، والصين، وغيرهما.
وبعد.فإذا كانت سيناء هي البوابة الشرقية لمصر، والصحراء الكبرى هي بوابتها الغربية، فإن حوض النيل بكامله يعتبر بوابة مصر الجنوبية.

و"الفتح" إيمانا منها بالأهمية القصوى لهذه القضية الحيوية بالنسبة لمصر، أفردت لها من مساحات كبيرة منذ بداياتها، ففي الأعداد (39، 62، 85، 125) وهو العدد الذي نشرت فيه واحدًا من أهم التحقيقات التي عالجت القضية باسم المؤامرة الكبرى بقيادة الحلف الامريكي الصهيوني وإحياء مشروع اليشع كالي، ثم عادت بالعددين (128، 131).
ثم ها هي "الفتح" تعود لمعالجة القضية بانفراد، قل أن يجد مثله القارئ في الصحف العربية، ألا وهو ملخص للنسخة الأصلية من تقرير اللجنة الثلاثية، التي نيط بها إعداد هذا التقرير بناء على طلب من مصر والسودان دولتي، المصب وأثيوبيا دولة المنبع، وهو تقرير يصب في صالح الموقف المصري، ويمنحه قوة على قوته، التي تؤيدها الاتفاقات والمعاهدات الدولية.

تقرير الثلاثية

يبدأ التقرير، الذي أعدته لجنة مكونة من عشرة أعضاء، اثنان من كل من مصر والسودان وأربعة خبراء دوليين، وقد تم الاتفاق على هذا التشكيل، بحيث يكون الخبراء الدوليين في التخصصات الآتية: هندسة السدود – موارد المياه والهيدرولوجي – الهندسة البيئية – الاقتصاد المجتمعي، وذلك لدراسة تأثير سد "النهضة" على الدول التي تستخدم مياه النيل خلف السد، ودراسة الفوائد والتكاليف نتيجة إقامة هذا المشروع.
وينقل التقرير شهادة "الخبراء المطلعون" على حيادية التقرير بشكل كبير، وعدم تأثره بالضغوط السياسية، وتطرقه لجزئيات فنية، واستند التقرير على الوثائق الفنية التي قدمتها أديس أبابا للجنة الخبراء، التي أتمت عملها خلال الفترة وانهته في شهر مايو 2013 بعد 6 لقاءات و4 زيارات لموقع السد.

الموقع والتفاصيل

يشرح التقرير موقع سد "النهضة"، وحجمه، وارتفاعه، ومحيط الخزان، وسعته، والغرض "المعلن" من إنشاءه، ومقدار الطاقة المتوقع توليدها منه.
وطالبت اللجنة الثلاثية الحكومة الأثيوبية بتقديم الوثائق والتقارير الفنية والدراسات والتصميمات الخاصة بالمشروع؛ لتقييمها، وسجلت اللجنة أن أثيوبيا لم تقدم إلا حوالي 70% من الوثائق المطلوبة فقط.

هندسة وأمان السد
وعن التصميمات الأساسية، قررت اللجنة أنها عامة لا تأخذ في الاعتبار ظروف مكان السد، واعتبرتها تصميمات مبدئية لا تلائم الناحية الجيولوجية، وتأثير الزلازل، ودراسات المياه الجوفية والدراسات الهيدروليكية المتقدمة، كما سجلت اللجنة أن التقارير المقدمة للتصميمات الأساسية قد تم تغييرها على الطبيعة عما تم التعاقد عليه مع المقاول، ولم تطلع اللجنة على تصميمات نهائية.

أيضا أكدت اللجنة أن طريقة استنتاج علاقات تردد الفيضان؛ تجعل النتائج المقدمة للجنة فيها شيء من التفاؤل أكثر من اللازم.
كذلك وجدت لجنة الخبراء مشاكل في الحسابات الهيدروليكية لمجرى السيل، وطالبت بتعديلات على أبعاد بعض المنشآت.
وانتقدت اللجنة النقص في بعض التقارير، مما أدى إلى عدم التأكد من دراسة انزلاق السد عند الوصلات.
أيضا انتقدت اللجنة الطريقة المستخدمة في التصميم من حيث مبدأها، وأنها طريقة لا تعطي نتائج صحيحة على المدى البعيد، وأوصت بعمل دراسة حقلية، وتجارب على سلامة الوصلات، وطالبت اللجنة بتقديم تحليل ثلاثي الأبعاد، لدراسة إجهاد القص، وعمل دراسة لتأثير التسرب بشكل أفضل.

الهيدرولوجي وموارد المياه
ولاحظت اللجنة أن التقارير المقدمة لها تركز على مكان سد النهضة فقط، ولم تأخذ في اعتبارها التغيرات التي من الممكن أن تطرأ في المستقبل بعد السد، كما لم تأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية المحتملة الحدوث في المنطقة، وشككت اللجنة في حسابات البخر من الخزان.
ورأت اللجنة الثلاثية أن التقرير المقدم من أديس أبابا مبدئي جدًا، ويفتقر للتفاصيل المطلوبة لمشروع بهذا الحجم، ولاحظت أنه لم يتم أخذ المنشآت الهيدروليكية الموجودة في السودان في الاعتبار، مؤكدة أنه لم يتم تزويد التقرير بخطة تشغيل مولدات السد، أو تشغيل لشلالات تقع بعد السد.
وعن الطريقة المستخدمة في حسابات فترات الجفاف، أكد تقرير اللجنة أنها تقريبية جداً، وأوصت اللجنة بعدة احتمالات يجب وضعها في الاعتبار.
واعتبرت اللجنة أن التقرير المقدم للتصميم الأساسي مبدئي جداً، كما لم يتم الأخذ في الاعتبار زيادة التخزين قبل السد بالنسبة لمقاس السد.

البيئة والاقتصاد المجتمعي

وقالت اللجنة: إن الدراسات قاصرة فيما يختص بمحتوى المواد العضوية في المواد الرسوبية، والنقص في الأكسجين الذائب في المياه، كما أن تقريرًا عن خطة إزالة النباتات من الخزان لم يرفق للمراجعة من قبل اللجنة، التي لم تتحقق من دقة ومصداقية تحليل الفائدة والتكاليف المقدمة، والتي تزعم أن المشروع جاذب اقتصاديًا، وذلك لنقص التفاصيل أيضا اختيار الارتفاع الأمثل للسد تم بدون الأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية التي قد تحدث بعده.

وفيما قدم التقرير أبرز المميزات والعيوب التي تطرأ على مصر والسودان بعد بناء السد، لم يقدم تقييما مفصلا للحجم والمدى بالنسبة لمعظم التأثيرات، ولكنه اعتبر المنطقة المتأثرة بعد السد ممتدة حتى بحيرة ناصر، كما أخذ في الاعتبار التغير في فواقد البخر التي ستطرأ على البحيرة.
ولم تتم دراسة التأثيرات السلبية على انحسار الزراعة، والغابات الموسمية مع ارتفاع منسوب المياه الجوفية على طول النهر جراء الخزان، وكذلك التأثيرات السلبية، مثل: صناعة الطوب في السودان، والنحر المحتمل في أجزاء من النهر.
وانتقدت اللجنة الاستنتاجات المقدمة بأن تغير جودة المياه ببحيرة "ريسوريس" لن تؤثر على المياه بعد السد، ولم يتم تقديم دراسة اقتصادية من منظور إقليمي يشمل الدول التي تقع بعد السد.

وفي النهاية يقول التقرير أن تصرف المياه بعد السد سينقص بمقدار 3% فقط، وأن التأثيرات ستنتج فقط في فترة ملئ الخزان، وهو ما رأت اللجنة أنهت فرضية لا يمكن التحقق منها، وطالبت بتقييمات أشمل في هذا الجانب للتأثيرات على الدول الواقعة بعد السد، كما طالبت اللجنة بدراسة لما سيحدث في حالة زيادة رقعة الزراعة في السودان بعد بناء السد، وتأثير ذلك على مياه الري في مصر.


وإلى نص التقرير:
تقرير لجنة الخبراء الدولية بشأن سد النهضة الكبير بأثيوبيا
دعت الحكومة الأثيوبية دول حوض النيل خلف سد النهضة، الذي هو تحت الإنشاء حاليًا، لتشكيل لجنة دولية ثلاثية، مكونة من: أثيوبيا، ومصر، والسودان؛ وذلك لدراسة تأثير السد على الدول التي تستخدم مياه النيل خلف السد، ودراسة الفوائد، والتكاليف؛ نتيجة إقامة هذا المشروع الكبير.
يقول الخبراء المطلعون على التقرير: إنه حيادي بشكل كبير، وهو غير متأثر من الضغوطات السياسة، ويتطرق لجزئيات فنية يأتي تفصيلها.
مخرج التقرير مبني على الوثائق الفنية، التي قدمتها الحكومة الأثيوبية للجنة الخبراء، والتي أتمت عملها خلال عام تقريبًا، ليخرج التقرير إلى النور شهر مايو 2013 بعد عقد 6 لقاءات، و4 زيارات لموقع السد.
وفى مقدمة التقرير شكر موجه من اللجنة الثلاثية للحكومة الأثيوبية على إبدائها التعاون بصدد هذا المشروع، وأن الهدف منه بناء الثقة، والشفافية بين الثلاث دول بصدد هذا المشروع.


التقرير مكون من خمسة أبواب: مقدمة – نبذة عن المشروع – طريقة التحليل وجمع المستندات – الاستنتاجات – التوصيات – تفاصيل المشروع.
تم إرسال التقرير بعد الانتهاء منه لكل من الحكومة المصرية والسودانية. تتكون اللجنة الثلاثية من عضوين خبراء من مصر وعضوين خبراء من السودان وعضوين خبراء من أثيوبيا وأربع خبراء دوليين. تم تشكيل هذه اللجنة بناءً على اجتماع وزارات الري للثلاث دول في نوفمبر 2011، حيث تم الاتفاق على هذا التشكيل بحيث يكون الخبراء الدوليين في التخصصات الآتية: هندسة السدود – موارد المياه والهيدرولوجي – الهندسة البيئية – الاقتصاد المجتمعي.

موقع وتفاصيل مشروع سد النهضة
يقع سد النهضة على النيل الأزرق على الأراضي الأثيوبية قبل الحدود مع السودان بمقدار 20 كم فقط، يتكون المشروع من سد أساسي بارتفاع 148 مترا وسد تكميلي بطول 5 كم وارتفاع 50 متر، البحيرة التي ستتكون قبل السد (الخزان) بمحيط 246 كيلومتر، ومساحة 1874 كم مربع وسعة تخزينية 59.2 بليون متر مكعب من المياه، صمم السد ليعطي تصرف 4305 م3/ث بمتوسط فرق ارتفاع مياه 133 مترا، بإنتاج للطاقة متوقع 15692 جيجاوات ساعة.

تدعى أثيوبيا أن الغرض الأساسي من السد هو توليد كمية كبيرة من الكهرباء؛ لعمل مشاريع نهضوية، كما تدعي مصر أن ذلك يؤثر سلباً على مواردها المائية، ويؤثر بيئياً واقتصادياً عليها بشكل سلبي.
طالبت اللجنة الثلاثية الحكومة الأثيوبية بتقديم الوثائق، والتقارير الفنية، والدراسات والتصميمات الخاصة بالمشروع؛ لعمل تقييم شامل له، أتاحت الحكومة الأثيوبية حوالي 70% من الوثائق المطلوبة؛ ليبلغ عدد الوثائق التي اطلعت عليها اللجنة 153 وثيقة، بها خرائط وتقارير، وتم مراجعة المهم منها من قبل اللجنة. أهم التقارير الفنية التي لم تسلم: اعتبارات ارتفاع السد – دراسة تحليل انهيار السد – تقارير خاصة بإنتاج الطاقة – التأثير البيولوجي لإزالة النباتات من الخزان – تقارير لضبط الجودة.

مخرج التقرير وتوصيات اللجنة في جانب: هندسة وأمان السد

طريقة التصميم، والتصميم الأساسي: التقارير المقدمة بهذا الصدد للجنة، وجدت اللجنة أنها عامة، ولا تأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة بمكان السد، وهي مقبولة كتصميمات مبدئية ويجب تحديثها لتلائم المشروع بعد ذلك.
من الناحية الجيولوجية، وتأثير الزلازل، ودراسات المياه الجوفية، والدراسات الهيدروليكية المتقدمة: لاحظت اللجنة أن التقارير المقدمة للتصميمات الأساسية قد تم تغييرها على الطبيعة عما تم التعاقد عليه مع المقاول، ولم تطلع اللجنة على تصميمات نهائية.
تقرير الهيدرولوجي: سجلت اللجنة ملحوظات فنية على طريقة استنتاج علاقات تردد الفيضان، مما يجعل النتائج المقدمة للجنة فيها شيء من التفاؤل أكثر من اللازم.

الحسابات الهيدروليكية لمجرى السيل: سجلت اللجنة أن المعطيات في هذا الجانب تعتمد على الأرقام التي تم استنتاجها من تقرير الهيدرولوجي السابق الإشارة إليها، كما لاحظت وجود تعديلات في التصميم غير مرفقة، كما طالبت بتعديلات على أبعاد بعض المنشآت.
تحاليل الإجهاد لخليط الصخور: توصي اللجنة باستمرار التعامل مع المعامل الكندية المتخصصة المتعاقد معها، وعدم إهمال عوامل الأداء على المدى الطويل، والعوامل المعمارية والتفاعلات القلوية.

اتزان السد: أوصت اللجنة بعد مراجعة التقارير بأخذ بعض العوامل في الاعتبار أثناء التصميم: عامل التصميم الجيوميكانيكي كما تم استنتاجه في تحاليل الإجهاد – علاقة الاجهاد والاستطالة الغير خطية لمادة الصخور الخليطة – عمل تحليل ديناميكي أكثر دقة.
التقرير الجيوتقنى: انتقدت اللجنة النقص في بعض التقارير مما أدى إلى عدم التأكد من دراسة انزلاق السد عند الوصلات. كما أن التغير في تصميم السد التكميلي عن اللوح الابتدائية يجب أن تتم تغطيته في التصميمات.

تحليل اتزان حواف السد: انتقدت اللجنة الطريقة المستخدمة في التصميم من حيث مبدأها، وأنها طريقة لا تعطى نتائج صحيحة على المدى البعيد، أوصت اللجنة بعمل دراسة حقلية، وتجارب على سلامة الوصلات، طالبت اللجنة بتقديم تحليل ثلاثي الأبعاد؛ لدراسة إجهاد القص، وعمل دراسة لتأثير التسرب بشكل أفضل.

مخرج التقرير وتوصيات اللجنة في جانب: الهيدرولوجي وموارد المياه
تقرير الهيدرولوجي: لاحظت اللجنة أن التقارير المقدمة لها تركز على مكان سد النهضة فقط، ولم يتم الأخذ في الاعتبار التغيرات التي من الممكن أن تطرأ في المستقبل بعد السد، أما بالنسبة لحسابات السريان السطحي فلم تأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية المحتملة الحدوث في المنطقة، كما شككت اللجنة في حسابات البخر من الخزان. اقتنعت اللجنة بحسابات الإطماء، وسجلت أنها لم تأخذ في الاعتبار منحنيات الإطماء والترسيب مع الزمن بعد السد للدول الواقعة بعده.
هيدرولوجي الخزان: والتقرير المقدم يدرس تأثير السد على الموارد المائية، وتوليد الطاقة بعد السد، لم يقدم التقرير نوع البرنامج المستخدم في المحاكاة، ورأي اللجنة فيه أنه مبدئي جداً، ويفتقر للتفاصيل المطلوبة لمشروع بهذا الحجم. كما لاحظت اللجنة أنه لم يتم أخذ المنشآت الهيدروليكية الموجودة في السودان في الاعتبار.

لم يتم تزويد التقرير بخطة تشغيل مولدات السد، كم لم يتم تزويده بخطة تشغيل للشلالات التي تقع بعد السد. حسابات اتزان المياه بين سد النهضة والسد العالي: لم يتم حسمها في التقرير.

الطريقة المستخدمة في حسابات فترات الجفاف تقريبية جداً: لم يتم الأخذ في الاعتبار مياه الري المسحوبة من البحيرات: تاكازى وتانا وريسوريس وميروى أثناء فترة ملئ الخزان. كما أوصت اللجنة بعدة تحليلات احتمالات يجب وضعها في الاعتبار.
التصميم الأساسي: اعتبرت اللجنة التقرير المقدم مبدئي جداً.

معامل الثقة في معامل توليد الطاقة: ترى اللجنة أنه منخفض جداً، لم يتم تقديم دراسة جدوى اقتصادية واضحة لتوليد الطاقة، لم يتم أخذ في الاعتبار زيادة التخزين قبل السد بالنسبة لمقاس السد.

مخرج التقرير وتوصيات اللجنة في جانب: البيئة والاقتصاد المجتمعي
التأثير البيئي والاجتماعي: ويتكون التقرير من 16 ملف، لم يتم دراسة محتوى المواد العضوية في المواد الرسوبية، ولا دراسة النقص في الأكسجين الذائب في المياه؛ نتيجة وجود النباتات والطمي في الخزان أثناء ملئه، تم انتظار تقرير عن خطة إزالة النباتات من الخزان، والذي يبلغ مساحته 1847 كم مربع، ولكنه لم يرفق للمراجعة من قبل اللجنة.

رضيت اللجنة بتقرير الاقتصاد المجتمعي للمنطقة المحيطة بالخزان.
لم تستطيع اللجنة التحقق من دقة ومصداقية تحليل الفائدة والتكاليف المقدمة، والتي تزعم أن المشروع جاذب اقتصادياً، وذلك لنقص التفاصيل.
اختيار الارتفاع الأمثل للسد: تم بدون الأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تحدث بعده.

التأثيرات البيئية على الغير: يقدم التقرير أهم المميزات والعيوب التي تطرأ على مصر والسودان بعد بناء السد، ولم يقدم التقرير تقييم مفصل للحجم، والمدى بالنسبة لمعظم التأثيرات، يعتبر التقرير المنطقة المتأثرة بعد السد ممتدة حتى بحيرة ناصر، تم أخذ في الاعتبار التغير في فواقد البخر التي ستطرأ على بحيرة ناصر قبل السد العالي، مع عدم الاهتمام بفاقد الترسيب العميق عند ملئ الخزان لأول مرة.

لم يتم دراسة التأثيرات السلبية على انحسار الزراعة والغابات الموسمية مع ارتفاع منسوب المياه الجوفية على طول النهر جراء الخزان.
تم دراسة التأثيرات الإيجابية فقط لنقص المواد الرسوبية في مياه النيل، وإهمال التأثيرات السلبية، مثل: صناعة الطوب في السودان، والنحر المحتمل في أجزاء من النهر.

تنتقد اللجنة الاستنتاجات المقدمة بأن تغير جودة المياه ببحيرة ريسوريس لن تؤثر على المياه بعد السد.
لم يتم تقديم دراسة اقتصادية من منظور إقليمي يشمل الدول التي تقع بعد السد.

التقرير يستنتج أن التأثير السلبي الأهم لبناء السد هو نقص الكهرباء المولدة من السد العالي نتيجة انخفاض منسوب المياه، مع أنه زيادة على ذلك عند ملئ الخزان قد يحدث تأثر ملحوظ في الزراعة في سنوات الجفاف.

يضم التقرير فوائد لمصر لم يتم تأكيدها أو تقديرها، مثل: زيادة مساحة الزراعة حول بحيرة ناصر، والحد من خطورة مياه الفيضان: يقول التقرير أن تصرف المياه بعد السد سينقص بمقدار 3% فقط وأن التأثيرات ستنتج فقط في فترة ملئ الخزان، مع ذلك ترى اللجنة أن هذه الفرضيات لا يمكن التحقق منها.

طالبت اللجنة بتقديم تقييمات أشمل في هذا الجانب للتأثيرات على الدول الواقعة بعد السد. طالبت اللجنة بدراسة لما سيحدث في حالة زيادة رقعة الزراعة في السودان بعد بناء السد، وتأثير ذلك على مياه الري في مصر.