شيخ الأزهر: الإنصاف هو العدل في المعاملة

  • 61
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن الإنصاف معناه العدل في المعاملة، بمعنى أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، فإذا كنت تحرص على أن تأخذ حقوقك من الناس، فمن الإنصاف أن تعطيهم حقوقهم أيضًا، وهذا هو المعنى الصعب الذي يغيب عن الناس جميعًا.

وأضاف شيخ الأزهر أن من الناس إذا كان له حقٌ عند الآخرين أخذه، أو يستريح إذا أحد أثنى عليه أو مدحه، لكنه في المقابل لا يعطي الآخرين حقوقهم بسهولة، ولا يقول كلمة ثناء، أو كلمة مدح في شخص آخر؛ لأنه ليس على وفاق معه، أو لأنه يستثقله، فهذا ليس من الإنصاف، وإنما الإنصاف أن تعطي مثل ما تأخذ، وأن تثني على الآخرين مثلما يثنون عليك، فإذا كنت تحب الثناء ولا تبذله ولا تعطيه، فأنت لا تتخلق بخلق الإنصاف، وهذا الخُلق هو بالضبط العدل الذي أمرت به الأديان، وتأمر به كل الحضارات الإنسانية الراقية.

وأوضح الطيب خلال برنامجه اليومى والذى يذاع عبر الفضائية المصرية، أن الدرجة العظمى للإنصاف؛ هي: أن ينتصف الإنسان من نفسه لنفسه، بحيث تكون لديه الشجاعة والقوة على أن يقول: إنني أخطأت، وما كان لي أن أفعل هذا الخطأ، وماذا أفعلُ الآن لأُصلِح هذا الخطأ؟ ويأخذ في علاج الخطأ الذي وقع فيه، هذا هو الإنسان القوي الذي يمكن أن ينصف الآخرين، وفي مقابل هذا نجد من لا يمكنه أن ينتصف من نفسه لنفسه، فإذا اقترف خطأً - بدلا من أن يعترف بهذا الخطأ، ويستغفر الله عليه، أو يسارع إلى إعطاء الآخرين حقوقهم؛ ليصلح هذا الخطأ - تجده يبرر لنفسه الوقوع فيه، ويختلق الأعذار والأكاذيب، والحقيقة أن هذا السلوك هو نوع من الهروب من تأنيب الضمير؛ لأن الإنسان مهما كان مؤمنًا أو كافرًا، ظالمًا أو مظلومًا، لديه ضمير يؤنبه حين يظلم الآخرين، فمن يختلق لنفسه المعاذير؛ ليشعر بأن هذا الذي صنعه أمر هين - فإنه غير قادر على الانتصاف من نفسه، وبالتالي سيكون عاجزًا عن إنصاف الآخرين.

وأكد الطيب، أن الإنسان مأمور بالصبر ولا يتدرب عليه، لكنه يمكنه التدرب على الإنصاف، بأن يدين نفسه كلما أخطأ، وإذا فعل حسنة حمد الله تعالى، وإذا فعل سيئة استغفر الله، والسيئة لا تقتصر على شرب الخمر ، بل أيضًا ظلم الآخر، الاستهزاء به ، خُلف الموعد، المماطلة في أداء الدين، إيذاء الآخر بأي نوع من أنواع الإيذاء؛ فكل هذه معاص، والمعاصي في الإسلام لا تقتصر على معصية الله، بل تشمل معاصي الوالدين، ومعاصي النفس، والمعاصي مع الجار، والمعاصي مع الأخ، والمعاصي مع الصديق، والمعاصي مع الزميل في العمل، ولا تقل: طالما أنني أصلي في جماعة فيمكن لي أن أستهزأ من زملائي، أو أذهب إلى العمل متأخرًا؛ لأنك حينئذ ستكون كمن : بنى قصرًا وهدم مِصرًا؛ أي: كالذي بنى قصرًا وهدم بلدًا.

وأضاف، أن من الإنصاف أن يعترف الإنسان بخطئه أولاً، ثم يبحث عن علاج لهذا الخطأ، سواء عن طريق الاعتذار للآخر، أو إرضائه، أو رد حق أخذه دون وجه حق، والذي لا يعترف بخطئه، ولا يستطيع أن يُحاسِب نفسه ليس منصفًا، والذي لا ينصف نفسه لا يستطيع أن ينصف الآخرين، فهاتان هما درجتا الإنصاف.

ونبَّه الطيب الناس على ضرورة التجرد والإنصاف بصرف النظر عن الحب أو البُغض تجاه الآخر، فلا ينبغي للإنسان أن يقيِّم الآخر، أو يُكيِّف علاقته بالآخر مدحًا أو ذمًا أو قربًا أو هجرًا على أساس الحُب والكره، فالقرآن الكريم ينهى عن أن يكون البُغض أو الحب هو المعيار الذي يُوزَنُ به الآخر، فعلى سبيل المثال: نرى مسؤولاً ما لا يستظرف أحدًا من موظفيه، فنجده يتباطأ في ترقيته، أو مثلًا يُحمِّل عليه في العمل، هذا حرام؛ لأن ذلك ليس فيه إنصاف، ونحن مأمورون بالإنصاف الذي يرتكز على العدل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)- {المائدة: 8}، قوامين، أي: دائمي القيام بالشهادة لله سبحانه، (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ) أي: لا يحملنكم بُغض أعدائكم على عدم إنصافهم في شهادة أو في معاملة، أو في كلمة ، ثم يأتي الأمر: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).