حين تطرق الأبواب فتجدها جميعًا موصدة في وجهك، حين تلجأ إلى الناس فتجدهم يتهربون منك، ويتنصلون من مقابلتك، حين تشتد عليك الهموم وتحيط بك الغموم من كل جانب، حين تتقاذفك الأمواج وتُلقي بك صريعًا على شاطئ الأحزان، حين يشتد عليك الظلام الحالك فلا تجد أثرًا للنور في حياتك، حين تؤمل أشياءً وترجو نوالًا، فتجد نفسك وقد رجعت صفرًا بلا أي رصيد يذكر.
حين تُربي أولادك على الإيمان والتقوى فيسلكون فجًا غير فجك، ويقتفون أثرًا غير أثرك، حين تسيطر على مشاعرك الإحباط واليأس، وتضيق عليك الأرض بما رحبت، صدقني يا صديقي فليس أمامك إلا الدعاء.
إياك أن تعتبره حلًا ضعيفًا باهتًا أمام سيل مشكلاتك وعثراتك، بل هو الركن الشديد، حين ترفع يديك لمن بيده تصريف الأمور ومن أمره بين الكاف والنون، من قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، من إذا أراد بعبد خيرًا فلا راد لفضله ولا معقب لأمره، من إذا عفا وغفر أصلح حال أسوأ البشر، من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
من إذا قام الإنس والجن كلهم في صعيد واحد فسألوه فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئًا، أرب هذه صفته تستخف بدعائه ورفع حاجتك إليه؟! أرب هذه عطاءاته الفياضة أتراه يعجزه سؤالاتك؟! أرب يرى ضعفك ودموعك أتراه يخذلك وهو أرحم بك من أمك؟!
صدقنى يا صديقي، ليست المشكلة في إجابة الدعاء فقد كان عمر -رضي الله عنه يقول-: "إني لا أحمل هم الإجابة ولكنني أحمل هم الدعاء"، نعم قد ندعو لكننا ندعو بقلب غافل لاهٍ ساهٍ، نعم قد ندعو ولكن بضعف يقين وقله تصديق، نعم قد ندعو واليأس يغزو قلوبنا ولسان حالنا يقول أنّى يستجاب لنا !!
نعم قد ندعو ونحن يسيطر علينا اليأس ونرى إجابة الدعاء بعيدة بعد المشرق عن المغرب !! نعم قد ندعو ونحن متلبثون بالمعاصي التي أبعدتنا كثيرًا عن الله، نعم قد ندعو ومطعمنا حرام وملبسنا حرام فأنّى يستجاب لنا؟!
فلنتأمل حال قلوبنا أثناء الدعاء، ولنتفكر في مقدار قربنا من رب الأرض والسماء، وهل نحن نستحق بالفعل إجابة الدعاء؟ أم أننا ابتعدنا كثيرًا حتى صرنا أهلًا لإن يكلنا الله إلى أنفسنا فنهلك !
صدقني يا صديقي؛ إن من الناس من إذا أقسم على الله لأبره، إن له أحوالًا مع الله خالقه، إن له أسرارًا فيما بينه وبينه، فحاول أن تكون ذلك العبد الأشعث الأغبر الذي إذا أقسم على الله أبره.