دروس المحنة

من المحن تأتي المنح

نسرين مهران

  • 562

نتقلب في نعم الله بالرغم كدر الحياة وتنغيصها وحرب الدنيا وصراعاتها، ونسخط على حالنا في بعض الأحيان وعلى روتين الحياة، وإذ بها نعمة لا نشعر بها إلا بعد أن يتبدل الحال بين يوم وليلة، وإذ بهذه النعم تسلب واحدة تلو الأخرى، وإذ بي لا أستطيع حتى توديع أحبائي وقرة عيني ولا أستطيع الاقتراب منهم خوفاً عليهم، وأنصرف ولا أدري متى سأعود، ويلاحقني التعب النفسي والجسدي ولكن حُسن الظن بالله يلاحقني والرضا بقضاء الله يجعل بداخلي الأمل، ويقيني بجبر الله لي فهو مدبر أمري الأعلم بالخير لي.

أحدثُ نفسي أنها ستنقضي المحنة ويبقى الأجر إن شاء الله، وتبقى ذكرى مع الأسرة البيضاء، وأحدث نفسي أن هذا من عدل أرحم الراحمين ورحمته بعباده المسلمين، أنه يبتليهم على حسب إيمانهم، وقوة يقينهم وصبرهم، فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه-  قال: "يا رسول الله أَيُّ الناس أَشَدُّ بَلَاءً؟ قال: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كان دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كان في دِينِهِ رِقَّةٌ، ابتلي على حَسَبِ دِينِهِ، فما يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حتى يَتْرُكَهُ يمشي على الأرض ما عليه خَطِيئَةٌ". رواه الترمذي

وقال الإمام النووي رحمه الله: "قال العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل، أنهم مخصوصون بكمال الصبر، وصحة الاحتساب، ومعرفة أن ذلك نعمة من الله تعالى، ليتم لهم الخير ويضاعف لهم الأجر ويظهر صبرهم ورضاهم"

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "ابتلاء المؤمن كالدواء له، يُستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيَستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به لتمام الأجر وعلو المنزلة".

وعن عائشة -رضي الله عنها- أَن رَسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مُصِيبَةٍ يُصَابُ بها الْمُسْلِمُ إلا كُفِّرَ بها عنه، حتى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا". رواه البخاري ومسلم.

فيا من ابتُليت بمرض ما! أو بأمراض! اعلم -شفاك الله- أن ذلك في الحقيقة هو منحة لك لا محنة بإذن الله تعالى، لذا يجب عليك أن تصبر على ما نزل بك من البلاء، وتحتسب المشقة التي حلت بك عند العزيز المقتدر، وإياك والجزع والسخط وكل ما ينفي الصبر، وتذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مع عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إذا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رضي فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ".

وتذكر كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إلا لِلْمُؤْمِنِ، إن أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا له، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا له". رواه مسلم.

لذلك علينا بالدعاء فهو يرد القدر، وعلينا بالرقية المشروعة والتوبة والاستغفار والتضرع للمولى -جلا وعلا- ونتذكر دائمًا ما ابتلانا ليعذبنا، بل ابتلانا ليقربنا، فاللهم اكتب لنا الأجر وعلمنا واغفر لنا تقصيرنا وارحم ضعفنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.