اقرأ لترتقي

لا يشبعُ من الكتب!

ريحانة هشام

  • 689
أرشيفية


قال ابن الجوزي -رحمه الله- متحدثًا عن نفسه في كتابه صيد الخاطر أثناء حديثه عن المطالعة والإكثار منها: "وأني أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره فكأني وقعت على كنز.. ولو قلت أني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب"، وهو يوصي أيضا العالم وطالب العلم بقوله: "ليكن لك مكان في بيتك تخلو فيه، وتحادث سطور كتبك وتجري في حلبات فكرك".

وجميع علماء السلف كابن الجوزي -رحمه الله- بل منهم من فاقه، ولا عجب أن وصل علماء السلف إلى ما وصلوا له باشتغالهم بطلب العلم عن الدنيا واهتمامهم بالكتب والمكتبات على قلتها، وصعوبة الوصول إليها بعكس حالنا اليوم مع يسر وسهولة الحصول على الكتب يقابلها ابتعاد عن الكتب وهجر مطالعتها وعزوف عن تنفيذ أمر الله بالقراءة، فلله درها من نفوس عشقت العلم والقراءة، وضحَّت من أجل نيل العلم وشراء الكتب؛ فصارت القراءة والمطالعة هواءها وشرابها وطعامها.

كان العلماء قديمًا على شدة فقرهم وحاجتهم يبيعون ما يمتلكون من أجل شراء كتاب، والآن صار شراء الكتب هذا علامة على الرفاهية، يشتري الشخص الكتب ليباهي بها، ويكنزها دون استفادة حقه منها، فشتان بين عالمنا وعالمهم ونفوسنا ونفوسهم.

لما نفَّذ علماؤنا أمر الله بالقراءة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} كان هذا فاتحة لقراءتهم لعلوم الأرض والسماء والفلك والطب والحيوان، كان هذا من أسباب سيادتهم وعلو مكانتهم بين الأمم، فأصبحت الأمة الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب تعلم العالم علوم الدنيا والدين ومعارف الأرض والسماء.

سابقًا كان العلماء يأملون أن يكون مستقبل الأمة أفضل مما كان وقتها، وتصبح مكانة الأمة بين الأمم أعلى وأفضل، ولم يكونوا يتخيلون أن ننحدر فتتغير اهتمامات الأمة وتطلعاتها وأمانيها، وتصير أمة اقرأ لا تقرأ على الرغم من توافر ملايين الكتب والمكتبات الورقية والرقمية على الشبكة العنكبوتية.

لن تتحقق أمانينا التي نأملها إلا بسبيل واحد؛ سبيل الكتاب والمكوث الطويل معه، علينا ممارسة فعل القراءة الذي هو أمر من الله عز وجل، وثقوا أن الله لم يكن يأمر إلا بما نطيق، وبما في إمكانيات الجميع، فقط دعوا الوهن وادعاء العجز جانبًا وانفضوا الغبار عن غريزة القراءة داخلكم وبادروا، فمن غير القراءة سيبقى المجتمع ينحدر نحو عالم الفساد.. اقرأوا لترتقي أمتكم.