مأرب.. مشهد جديد يبرز معاناة اليمنيين ويسقط أقنعة المجتمع الدولي.. (تقرير)

  • 130
معاناة اليمنيين- ارشيفية


مأرب.. مشهد جديد يبرز معاناة اليمنيين ويسقط أقنعة المجتمع الدولي

ميليشيا الحوثي تستخدم النازحين دروعًا بشرية وتحول المخيمات إلى ثكنات عسكرية

تقرير- عمرو حسن

تقع محافظة مأرب شمال شرق العاصمة اليمنية صنعاء، ومن أهم معالمها السياحية سد مأرب القديم، وقد شهدت هذه الأراضي قيام واحدة من أعظم الدول اليمنية القديمة، وهي مملكة سبأ التي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، ومحافظة مأرب معقلًا للقوات الحكومية، وتحوي حقول النفط والغاز، ويسكنها أكثر من 3 ملايين شخص، كما أن مأرب هي المحافظة الأكثر استقبالًا للنازحين، إذ نزح إليها مليونان و231 ألف شخص، أي ما نسبته 60% من عدد النازحين في اليمن منذ بداية الأزمة.

وأقام النازحون حياة جديدة واستقروا في المدينة، في حين يقطن 220 ألف شخص في المخيمات، وتضم مأرب أكثر من 90 مخيمًا، واستقبلت منذ 2014 قرابة 318 ألف أسرة، كما أن تقارير منظمة الهجرة الدولية تؤكد أن الأرقام التي سجلت منذ 2020 وحتى 13 فبراير، جعلت اليمن رابع بلد لجهة النزوح الداخلي على مستوى العالم، بإجمالي 178 ألف نازح.

ويشن الحوثيون هجمات شرسة على مدينة مأرب اليمنية منذ مطلع فبراير الماضي للسيطرة عليها، ويؤكد  خبراء يمنيون أن سعي الحوثيون للسيطرة على مأرب سببه محاولة ميليشيات إيران –الحوثيين- كسب مأرب في أيديهم للضغط على الحكومة اليمنية، إذا ما دفعت الإدارة الأمريكية الجديدة في اتجاه الحل السياسي، وأكدت منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان أن ميليشيا الحوثي حولت بعض مخيمات النازحين إلى "ثكنات عسكرية"، خلال هجومها على مأرب، وجعلت من بقي في مخيمات النزوح في حكم "الدروع البشرية"، وأوضحت المنظمة، في بيان لها، أن النازحين تعرضوا لاعتداءات دفعتهم مضطرين للهروب طلبًا للنجاة، وأشارت إلى أن الهجمات العنيفة التي شنتها ميليشيا الحوثي على محافظة مأرب خلقت تداعيات إنسانية هي الأكبر منذ بدء الحرب، ودعت المجتمع الدولي للتدخل العاجل لتدارك الكارثة الإنسانية التي تهدد حياة آلاف الأسر من النازحين في مأرب. 

وأشار النازحون إلى أن المخيمات تعرضت أكثر من مرة للحصار والقصف، مما فاقم من معاناة ضحايا النزوح، وتسبب القصف المدفعي الحوثي في تضرر مخيمات للنازحين، وأدى لحرمان الأسر النازحة من الماء، ووفق "رايتس رادار"، فإن التصعيد العسكري في جبهة مأرب دفع بأكثر من 14.000 نسمة للنزوح نحو مدينة مأرب والمديريات المحيطة بها، وطالب البيان المنظمات والمجتمع الدولي، إزاء هذا الوضع الإنساني الذي يعيشه النازحون في مأرب، بالاضطلاع بمسؤوليتها الإنسانية لمنع حدوث كارثة إنسانية غير مسبوقة منذ بدء الحرب في سبتمبر 2014، كما دعا لضرورة العمل على تلبية الاحتياجات الأساسية والملحة للأسر النازحة بتوفير مواد الإيواء والشرب والغذاء.

وكان المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن أعلن سابقًا أنه انتزع وأتلف أكثر من 20  ألف لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة في محافظتي مأرب والجوف شرق اليمن، خلال عامين، وأشار إلى أن"80% من مساحة محافظة مأرب زرعها الحوثيون ـ قبل تحريرها ـ بشكل كثيف وعشوائي بعشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة". 

وقال معمر الإرياني، وزير الإعلام اليمني، إن استمرار تصعيد الحوثيين في مأرب، يؤكد استمرار تهريب الأسلحة الإيرانية، وأن الميليشيا مجرد أداة لزعزعة أمن واستقرار اليمن ودول المنطقة، مضيفًا أن الهجمات تؤكد مضي النظام الإيراني في تقويض جهود إنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن وفق المرجعيات الثلاث، ويثبت سعي طهران لنشر الفوضى والإرهاب في المنطقة، وأن ميليشيا الحوثي مجرد واجهة لإدارة هذا المخطط عبر خبراء وسلاح إيرانيين دون اكتراث بتفاقم المعاناة الإنسانية لليمنيين جراء استمرار الحرب".

وحذرت الأمم المتحدة قبل أيام من تعريض ملايين المدنيين للخطر جراء تصعيد ميليشيا الحوثي في مأرب، وأكد منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، في تغريدات أن الهجوم يضع أكثر من مليوني مدني في خطر، وقد يتسبب في نزوح مئات الآلاف، الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب إنسانية لا يمكن تصورها، وأوضح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن النزوح إلى مأرب أدى لتزايد الاحتياجات الإنسانية في المحافظة"، وجدد الدعوة إلى وقف فوري للعنف في مأرب وبقية أنحاء اليمن، داعيًا جميع الأطراف اليمنية إلى "مضاعفة جهودها لدعم عمل المبعوث الدولي للبلاد مارتن جريفيث في التوصل لحل سياسي ووقف لإطلاق النار في عموم البلاد في أسرع وقت ممكن"، وفق البيان.

وتحتاج الأمم المتحدة إلى قرابة 4 مليارات دولار أمريكي لتقديم المساعدات الإنسانية والحماية لـ 16 مليون شخص في اليمن في 2021، وتوالت التحذيرات الأممية من كارثة إنسانية مع تصاعد القتال واضطرار المئات للنزوح.

واستنكرت الخارجية اليمنية في بيان لها صمت المنظمات الدولية جراء ما يتعرض له النازحون والمدنيون في مأرب، وقالت إن المنظمات تتحدث عن الأزمة وكأن الفاعل مجهول، في إشارة إلى أن المنظمات لا تشير إلى مسؤولية الحوثيين، ووصفت التدخلات الإنسانية للمنظمات بـ "الخجولة ولم ترتق إلى مستوى أدنى الاحتياجات الإنسانية". 

وفي ذلك السياق، قال أمجد خليفة، الصحفي اليمني، إن ميليشيا الحوثي الإرهابية، دأبت منذ انقلابها على الشرعية اليمنية باستخدام أقذر الوسائل لتحقيق غايتها فيما تبحث عنه، واستخدمت شتى الطرق غير الآدمية، ضاربة بكل المواثيق الدولية عرض الحائط، فعندما يستخدمون مخيمات النازحين كثكنات عسكرية فهم يُظهرون مدى بشاعتهم في سبيل تحقيق مآربهم غير آبهين بحياة أبناء اليمن، لافتًا إلى اعتمادهم على النازحين واستخدامهم كورقة ضغط أمام قوات التحالف كي لا يتم قصف تلك المناطق لما تحمله أرواح النازحين من أهمية كبرى في نفوس الجيش الشرعي وقوات التحالف العربي، مشيرًا إلى أنه بالرغم من ذلك يتم ضربهم بشكل دقيق ومباشر وحصد قياداتهم وتدمير آلياتهم.

وأردف خليفة في تصريح خاص، إلى أن تعمد ميليشيا الحوثي زرع الألغام لقتل المدنيين، يكشف دونيتهم ودليل خسارتهم للمعارك القتالية فيغرسون الألغام ليصيبوا بعضًا من الأهداف التي لا تحقق لهم أي شيء غير إظهار مدى وحشيتهم ولتعكير صفو الانتصارات المحققة للجيش الشرعي وقوات التحالف العربي.

وشدد أمجد على أن مأرب تعد خلال السنوات الأخيرة رمانة ميزان وحامية حمى الجمهورية اليمنية، كما أنها المدينة التي تتمثل بها الدولة ومدى قوتها، وأن محاولات إسقاطها ليبرهنوا للعالم أجمع رعونة وضعف الدولة اليمنية التي لن يستطيعوا البتة من تحقيق مرادهم، وتابع أن ميليشيا الحوثي يبحثون عودة اليمن للحكم الإمامي الكهنوتي البائد الذي انتفض الأجداد والآباء ضده، مؤكدًا أن الأبناء والأحفاد يستبسلون للحفاظ على نضالهم في الحفاظ على الجمهورية والحكم الديمقراطي لليمن.

وقال حسين الصوفي، الخبير في الشأن اليمني، إن أوضاع النازحين صعبة للغاية، وأنهم يعانون النزوح الثالث الآن بسبب هجمات الحوثيين، مشيرًا إلى أنه حسب التصريحات الرسمية لمنظمات الإغاثة؛ فمأرب بها أكثر من 2 مليون نازح وبها أكثر مخيمات للنزوح على الإطلاق وفقًا للمنظمات الدولية، مستنكرًا استهداف الحوثيين تلك المخيمات بالصواريخ والقذائف والقصف والأعيرة النارية، بالإضافة للألغام التي تستنزف حياة النازحين، مضيفًا أن الحوثيين لا يضعون اعتبارات للجوانب الإنسانية، وينتهكون القانون الدولي الإنساني بشكل مفرط.

وأكد الصوفي أن النازحين يتكدسون في مناطق ضيقة للغاية داخل المخيمات، لافتًا إلى سوء أوضاع المخيمات، وافتقارها لأبسط احتياجات الحياة وعلى رأسها نقص مواد الغذاء والأدوية، وكذلك حرمان الأطفال من التعليم بسبب عدم وجود مدارس للأطفال، حيث يتخذون من بعض المخيمات مراكز تعليمية بدائية، كما تتعرض  المخيمات للغرق، وكثير من المخيمات سقطت من الأمطار، كما تنعدم أبسط تفاصيل المعيشة اليومية الآمنة، والضعف الشديد في المواد الغذائية والرعاية الطبية والصحية للنازحين، ما يعني أن النازحين يعيشون حياة يومية صعبة، فمأرب أصبحت تحتوي أضعاف عدد سكانها في أشهر معدودة في ظل الحرب التي تعانيها البلاد. 

وقال فؤاد مسعد، الصحفي والمحلل السياسي، إن معاناة اليمنيين ليست محصورة في اللاجئين خارج اليمن بل المعاناة الأكبر تتمثل في ملايين اليمنيين الذين أجبرتهم الظروف على مغادرة مناطقهم والنزوح إلى مناطق أخرى داخل اليمن، وهؤلاء لم يستقر وضعهم في منطقة محددة بل أنهم نزحوا أكثر من مرة حيث تعرضت مناطق نزوحهم للحرب وأضرارها التي طالت أغلب محافظات اليمن، مشيرًا إلى أن تردي الخدمات الأساسية في اليمن بشكل عام وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية يزيد من معاناة النازحين، وبالنسبة للجهود التي تبذلها المنظمات الإغاثية فإنها لا تزال دون المستوى المطلوب.

وأوضح مسعد في تصريح خاص، أن حديث المنظمات الدولية المستمر عن معاناة النازحين لا يعني أنهم ساندوا النازحين، بل أنهم لم يسهموا في تخفيف معاناتهم، والتي تتمثل في نقص خدمات السكن والإيواء وكذلك نقص الغذاء والدواء وتردي الأوضاع الأمنية في بعض المناطق ناهيك عن قرب المواجهات العسكرية من بعض مناطق النزوح يضاعف معاناة النازحين وهذا ما تحذر منه منظمات الأمم المتحدة بعدما وقفت على أوضاع ملايين النازحين الذين صاروا على حافة الهاوية بفعل الحرب وتداعياتها المستمرة.