• الرئيسية
  • الأخبار
  • في حواره مع "الفتح".. "برهامي": شهر رمضان نعمة من الله امتن بها على الأمة الإسلامية

في حواره مع "الفتح".. "برهامي": شهر رمضان نعمة من الله امتن بها على الأمة الإسلامية

  • 289
د. ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية

د. ياسر برهامي في حواره مع "الفتح":

شهر رمضان نعمة من الله امتن بها على الأمة الإسلامية

يُفضل للعبد أن يؤخر السحور ليدرك وقت النزول الإلهي.. فيستغفر ويدعو الله

حاجات الروح عليها مدار تكريم الإنسان.. وينبغي أن يكون لنا نصيب من الخلوة والتفكر

شرع الله لنا الصيام والقيام والاعتكاف لنتحكم في شهواتنا وبذلك نحصّل التقوى

أجرى الحوار – أحمد عبد القوي

بدأ الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، حواره مع جريدة "الفتح" بآيتين كريمتين من القرآن الكريم، وهما قول الله سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

وأضاف برهامي -في حواره- "أن شهر رمضان نعمة عظيمة من الله -سبحانه وتعالى- لأمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم".

وإلى نصّ الحوار:

- كيف تنظر لشهر رمضان المبارك؟

نعمة من الله عظيمة، أن امتنّ الله علينا بشهر رمضان، شهر القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -عز وجل-: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، يقول الله "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه"، فاللهم لك الحمد على هذه الشرائع العظيمة التي تزكو بها النفوس ويرتفع بها القلب، ويقترب من الله سبحانه وتعالى، ويمتلئ حبًا وتعظيمًا وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا وإنابة، افتقارًا إلى الله وشهودًا لملكه، وتعظيمًا لأمره ونهيه، يمتثل أمر الله ويدع طعامه وشرابه وشهوته، لله سبحانه وتعالى.


- ماذا عن قول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا"؟

هذا الحديث يدل على وجوب الإخلاص في الصوم، وهو أحد القولين في معنى من صام يومًا في سبيل الله، أي مخلصًا لله، يريد وجه الله.

وأما القول الثاني، فمعناه من صام يومًا في الجهاد أي في طريقه للجهاد، أما لو كان في وقت القتال فالمستحب الفطر، أخذًا بالرخصة، وليكون هذا أقوى على القتال، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في اليوم الذي يسبق بدر، وكان في شهر رمضان: "إنكم ملاقوا العدو غدًا والفطر أقوى لكم"، وأما يوم القتال قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم ملاقوا العدو غدًا والفطر أقوى لكم فأفطروا"، قالوا فكانت عزمة -أي كانت أمرًا إلزاميًا- فأفطرنا.

- وماذا عن فضل الصوم؟

لقد سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم-: دلني على عمل، فقال صلى الله عليه وسلم: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له" -لا مثل له-، فقال الرجل: دلني على عمل، فقال صلى الله عليه وسلم: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له"، كرر، فكرر النبي صلى الله عليه وسلم، لا مثيل للصوم.

وقد ذكر الله -سبحانه- آية الدعاء وقرب الله واستجابته في وسط آيات الصيام، فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

الله -سبحانه وتعالى- يستجيب دعاء هؤلاء الثلاثة، وفي رواية حين يفطر، ولكن الرواية الأولى أوسع فالصائم حتى يفطر أي طوال مدة صيامه مستجاب الدعوة، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته مقترنة في الإجابة بدعوة الإمام العادل، والإمام العادل نفعه في الأمة عظيم ووجوده نادر، لأنه على علم وعدل، يعرف كيف يطبق بعلمه العدل بين الناس، والثالث دعوة المظلوم التي أقسم الله -عز وجل- أنه سيجيب هذه الدعوة، ويقسم بعزته وجلاله أنه سينصر المظلوم ولو بعد حين.

سبحان الله إجابة الدعاء مقترنة بالصيام، خصوصًا في ليل رمضان، وخصوصا في العشر الأواخر، وخصوصا في ليلة القدر، فكل ليلة من الليالي ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، فيقول هل من داعٍ فأستجيب له؟، هل من مستغفر فأغفر له؟، هل من سائل فأعطيه؟، وهذا يدلنا على أهمية الاستغفار والتوبة خصوصا في الثلث الأخير من الليل.

- وهذا الدعاء والاستغفار يتيسر مع وقت السحور؟

 بلى، هذا يتيسر مع السحور، الذي قال فيه -النبي صلى الله عليه وسلم-: "تسحروا فإن في السحور بركة"، وكان يقول: "أحب أمتي أعجلهم فطرًا وآخرهم سحورًا"، فالأفضل أن يؤخر الإنسان السحور ليدرك هذا الوقت مستيقظًا، بدلا من أن يدركه نائمًا، كما يفعل بعض الناس، لقد قال الله سبحانه وتعالى، عن صفات أهل الجنة: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، وقال سبحانه: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (*) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

ولقد سنَّ لنا رسول الله قيام رمضان، فقال في الحديث: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، إيمانًا أي تصديقًا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، واحتسابًا أي طلبًا للأجر من الله سبحانه وتعالى.

وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، فالله -سبحانه وتعالى- جعل لنا هذه الخيرات في هذا الشهر الكريم، فمن فاته ذلك في رمضان، فقد أُبعد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتاني جبريلُ فقال: رغِم أنف امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين".

- ماذا عن تكريم الله -سبحانه وتعالى- للإنسان.. وحاجة الإنسان لتزكية نفسه؟

لقد شرع الله بفضله ورحمته العبادات التي تزكو بها الروح، ويرتفع بها الإنسان، إلى إنسانيته، فإن الإنسان بالروح التي نفخ الله في جسده منها صار مكرًما عنده سبحانه، ولأجل أنه سواه بيده ونفخ فيه من روحه، أسجد له ملائكته، فالإنسانية نعمة عظيمة، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}، فأصل خلق الإنسان التراب، الذي إذا جعل طينًا يصلصل، فهو الصلصال، وأصله قبل ذلك طين منتن، حمأ أي طين، مسنون أي منتن، لا يستحق التكريم، ولكن لما سواه الله بيده، كرمه سبحانه.

 قال سبحانه لإبليس: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} فصار هذا التكريم، بهذه الصورة المشرفة المنسوبة إلى الله التي كرمها الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته"، هذه الصورة التي سواها الله وكرمها، ثم أمر -سبحانه- الملائكة بالسجود لآدم بعد أن نفخ فيه من روحه فارتفع قدر الإنسان بهذه الروح. 

وبقدر أصل الإنسان الأرضي الطيني، تكون له رغبات أرضية، رغبات تعود إلى ذلك الطين المتغير، كرغبته في الطعام والشراب، وإذا أردت أن تعرف أصله فانظر إلى نهايته بعد أن تأكله، يتحول إلى تلك الفضلات المنتنة، لأن هذه هي أصل هذه الحاجات الأرضية، وكذلك الشهوة الجنسية، التي أيضا تعود إلى الحاجة الأرضية، وتشترك البهائم مع الإنسان فيها، وربما فاقته، ثم تحصيل المال، الذي مرده أيضا إلى الأرض، فالذهب والفضة التي هي أصل الأموال خرجت من الأرض، ثم حاجته إلى الكلام والمخالطة لتحصيل هذه الرغبات، ثم حاجته إلى الراحة، لأنه خُلق خلقًا لا يتمالك، لا يستطيع أن يستمر كالآلة، لا بد وأن ينام.

هذه رغبات البدن، وليست هي مدار التكريم، إذا غلبت على الإنسان صار الإنسان أقرب إلى الأنعام، فيصبح لا يعرف من الدنيا إلا هذه الرغبات، والحضارات المخالفة لحضارة أهل الإسلام، والمبنية على تيسير هذه الشهوات الأرضية، أما حاجات الروح لا تعرف هذه الحضارات عنها شيئًا، لا تقدم للإنسان حاجات روحه التي هي سبب إنسانيته، وتكريمه كإنسان، حاجات الروح حاجات علوية، ترتبط بالله سبحانه وتعالى، الذي نسبت إليه هذه الروح المخلوقة تشريفًا، فهو يحتاج بروحه أن يعرف الله، وأن يشاهد آثار أسمائه وصفاته في الكون، وأن يشهد آثار قدرته وعظمته -سبحانه وتعالى-، وأن يشهد خلقه لهذه المخلوقات العجيبة، في السماوات والأرض، وأن يشهد رحمته، هذه الرحمة التي بها تستمر حياتنا.

يحتاج الإنسان إلى أن يعرف عزته وقهره، وأنه وحده الذي يملك الضر والنفع، والموت والحياة والنشور، يحتاج الإنسان إلى أن يعرف ذلك وأن يشهد آثاره فنحن لا نملك لأنفسنا ولا أولادنا ولا أهلنا ولا أعدائنا، نفعًا ولا ضرًا ولا حياة ولا نشورًا.

نشاهد عزة الله وقدرته، ونشاهد حكمته وعدله، هذه حاجات الروح، فإذا عرف الإنسان ربه، اشتاق إليه وأحبه، وكلما ازداد قربًا منه ازداد حبًا وشوقًا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأسألُكَ لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ، والشوْقَ إلى لقائِكَ"، وقال الله سبحانه: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

- ما معنى "يرجو لقاء الله" في الآية الكريمة؟

الله -عز وجل- جعل رجاء لقائه ورجاء اليوم الآخر من صفات أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، فجعل سبحانه رجاء الله، مقدمًا على رجاء اليوم الآخر، وهما متلازمان، لكنهما ليسا نفس الشيء، رجاء الله رجاء حبه ورجاء رضاه وقربه، والنظر إلى وجهه، ورجاء سماع سلامه، ورجاء سماع كلامه حينما يقول سبحانه: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}.

الله -سبحانه وتعالى- حين يُكلم عبده كلام التكريم، فذلك أعظم سعادة ونعيم بعد النظر إلى وجهه الكريم، سبحانه وتعالى، فنصيب المؤمن من الله بقدر حبه لله، وخوفه منه، ذلك الذي يُمكِّن الله به لعباده المؤمنين، ويُهلك به أعداءهم الكافرين، قال الله سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم –أي أيسر منه- فلا يرى إلى ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".

هذا الموقف يخافه المؤمن كما يحب ربه ويرجوه، هو أيضا يخافه، بهذه الثلاثة يصل لمرضاته، كما أنه يخاف مقام الله عليه بالاطلاع والمراقبة والمشاهدة، قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}.

يخاف وعيده، يخاف ناره، ويخاف عذابه الذي لا يحتمل، ولا يقدر عليه إنسان، لولا أن الله يُبقي أهل النار بين الموت والحياة لا يموتون فيها ولا يحيون، كما قال -عز وجل- {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}، فلا يحيا الحياة المستقرة، ولا يحيا أبدًا حياة نعيم، يعذب بكل شيء، يعذب حتى بالنفس، قال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}، يعذب بالثياب قال سبحانه: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}، ويعذب بالطعام {إنّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الاْثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِى الْبُطُونِ كَغَلْىِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هـذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ}، ويعذب بالشراب، قال الله: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}.

نحن لو أن قرحة في معدتنا تؤلمنا ألمًا عجيبًا، لا نستطيع أن نأكل أو أن ننام، تخيل قرحة، ليست خرقًا للأمعاء أو صهرًا لها، قال الله {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}، فهلا خفنا مقامه وخفنا وعيده؟

- وما معنى الخوف هنا.. وكيف يصل الإنسان لمعنى التقوى الحقيقي الذي أراده الله في القرآن الكريم من قوله "لعلكم تتقون"؟

هذا الخوف خوف عجيب، لأنه يؤمنا من كل أحد دونه، فلا نخاف الناس، وإنما خوف الناس عذاب، وحبهم لمن لم يحبهم في الله أيضًا عذاب، فإنما يسمو الإنسان بحب الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه والشكر لنعمته والصبر على بلائه والافتقار إليه والاستغناء به عما سواه، والإخبات إليه والطمأنينة إليه، والإخلاص له في كل الأعمال هذه هي التقوى، قال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

يتخلص الإنسان من تَحكم الشهوات الأرضية فيه، يتخلص من أن الطعام والشراب أو الشهوة أو حب المال أو المنظر أمام الناس، والخلطة بهم، يكون متحكمًا فيه.

الإنسان في رمضان يتخلص من فضول الطعام والشراب والشهوة الجنسية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم بعد ذلك يتحكم في الكلام، لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".

كما شرع الله لنا الخلوة في الاعتكاف، وإن لم يتيسر لنا الاعتكاف ينبغي أن يكون لنا نصيب من الخلوة، قال الله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}.

التفكر مع خلوة الإنسان بنفسه يعظم، وعند ذلك يوقن بالحقائق المتعلقة بالألوهية والإيمان باليوم الآخر والقضاء والقدر، والحكمة والعدل والشرع، ويتعلق ذكره بنعمة النبوات التي أنعم الله بها علينا حينما بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم، ونعمة القرآن، ورمضان شهر القرآن.

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}، فنتخلص من أمراض القلوب وتعلقها بالشهوات الأرضية، وبالأولى نتخلص من أمراض الشياطين، الكبر والعلو والرياء والسمعة والقسوة والغفلة والذلة والعيلة والمسكنة وعمى القلب وسَقم القلب وبكم اللسان عن الحق، كما يتخلص الإنسان من العجز والكسل والجبن والبخل والكفر والفقر والشرك والشك والنفاق والفسوق والشقاق وسيئ الأخلاق، عامتها أمراض الشياطين، عندما يتخلص الإنسان منها بالقرآن العظيم، وعندما يتخلص من أمراض الشهوات، عند ذلك يحصل التقوى، ويرتفع للإنسانية قبل أن يهبط لأسفل سافلين.

لقد شرع الله لنا الصيام والقيام والاعتكاف، لنتحكم في شهواتنا، وعند ذلك نرتفع ونحصل التقوى، قال النبي: "التقوى هاهنا التقوى هاهنا التقوى هاهنا" وأشار إلى صدره، أسأل الله أن يجعلنا من المتقين.