الإفراج عن قاسم الخفاجي.. الحكومة ضد الميليشيات في العراق

  • 50

الإفراج عن قاسم الخفاجي

الحكومة ضد الميليشيات.. الكاظمي يسقط في فخ الخارجين عن القانون

تحدي لسلطة الدولة وترسيخ لحالة اللادولة 

خيارات محدودة أمام أبناء انتفاضة تشرين في ظل تغول سلطة الأحزاب


تقرير- محمد عبادي 

أكثر من 70 فصيلًا وميليشيا يدينون بالولاء العقدي للولي الفقيه في إيران، هم الحاكم الفعلي للعراق حسب مراقبين وخبراء، إذ تمتلك هذه الميليشيات ترسانة عسكرية كبيرة، تقارب بها أعداد وعتاد الجيوش النظامية، فاستطاعت أن تفرض نفسها على الواقع في العراق، وإحكام القبضة على الشعب العراقي، في ظل حكومات عميلة متواطئة هي الأخرى مع الاحتلال الإيراني لبلا الرافدين.

مؤخرًا عقب أيام من التمرد المسلح، لميليشيا الحشد الشعبي، احتجاجًا على اعتقال القيادي بالحشد قاسم مصلح الخفاجي، قائد قطاع محافظة الأنبار، بعد اتهامه بقتل المتظاهرين، وعلى رأسهم الناشط إيهاب الوزني في مدينة كربلاء، وصل التمرد إلى محطته الأخيرة، بالإفراج عن الخفاجي لعدم كفاية الأدلة.

احتلت عناصر الميليشيات العاصمة بغداد، مدججة بالسلاح الثقيل، وحاصرت مقر رئاسة الوزراء، ما اعتبر إهانة لأعلى منصب حكومة، وإهدارًا لسيادة مؤسسات الدولة، وتقنينًا لحالة انفلات الميليشيات، وطالبت هيئة الحشد الشعبي بالإفراج عن الخفاجي على الفور، من دون تحقيقات، فاضطرت الحكومة إلى تسليمه إلى لجنة مشتركة بين وزراة الدفاع وميليشيا الحشد قبل أن تُصدر قرارًا بالإفراج عنه. 

من جهته قال اللواء محمد عاصم شنشل، الخبير الأمنّي العراقي، إن عملية الإفراج عن القيادي بالحشد الشعبي، هو أمر متوقع، فهذه عادة الحكومة في كل مرة تتحدى فيها الميليشيات الخارجة عن القانون، تضطر في النهاية للاستجابة لمطالب الميليشيات.

وتابع شنشل أن قرار الإفراج عن قاسم الخفاجي، قرار محرج للحكومة التي دخلت هذا التحدي، وخرجت منه خاسرة، مشددًا على أن ما جرى يمثل تأكيدًا لشريعة اللادولة السارية في العراق منذ الاحتلال الأمريكي - الإيراني للبلاد.

وشدد الخبير الأمني العراقي أنّ المعادلة السياسية القائمة لن تُقدم حلولًا جديّة لأزمات العراق، لافتًا إلى شعور ثوار انتفاضة تشرين بخيبة الأمل مما يجري، فبعد تقديم المئات من الضحايا والآلاف من الجرحى والمعتقلين، وشهور طويلة من التظاهر، ينتصر الحشد والميليشيات الطائفية في معركتها مع رئاسة الوزراء، التي قدمت نفسها أنّها حكومة الميدان، وأنّها تحمل على عاتقها مطالب المتظاهرين وحراك ثورة تشرين.

ويرى شنشل أنّ هذه القضية تحديدًا تحمل دلالات كبرى فيما يتعلق بالصراع القائم بين شباب العراق الذين رفعوا الرايات مطالبين باستقلال وطنهم وكسر العملية السياسية برمتها التي أفرزها الاحتلال، إذ المتهم قاسم الخفاجي قُبض عليه بتهمة قتل الناشط إيهاب الوزني ابن مدينة كربلاء وانتفاضة تشرين، لكنّه لم يُحاكم ولم يُسجن أو يُعاقب وأفرج عنه في مشهد مهين لأطراف عدة.


ليست الأولى ولن تكون الأخيرة

وأشار إلى أن ميليشيا الحشد تتوحش كل يوم عن الآخر، وعمليات قنص واستهداف النشطاء مستمرة، ولن تتوقف لأن من أمن العقوبة أساء الأدب، وقتل وعذب المدنيين، لأنه يعلم لا رادع لها، متسائلًا: من الذي قتل هشام الهاشمي وريهام يعقوب وتحسين أسامة؟ لماذا لم يتم حتى الآن الإعلان عن القاتل الحقيقي لهم؟

مقابر جماعية لأهل السنة

وأكد أن عمليات إرهاب الحشد تجاوز قتل الأشخاص إلى المقابر الجماعة في المناطق التي يغلب فيها تواجد أهل السنة، مشيرًا إلى أنه تم العثور على مقبرة جماعية في مدينة الإسحاقي تضم رفات العشرات من العراقيين من أهل السنة مطلع هذا العام الذين تم خطفهم على يد الميليشيات الشيعية المسلحة، ولم يتم عقاب الجاني حتى الآن.

مرحلة جديدة من الصدام

من جهته قال فراس إلياس، الخبير السياسي العراقي، إن اعتقال الخفاجي يؤسس لمرحلة جديدة من الصدام بين الحكومة العراقية وفصائل الحشد، منتقدًا استراتيجية أنصاف الحلول التي تتبعها الحكومة مع الميليشيات، متسائلًا: ما المغزى في أن تقبض على خفاجي وتثير كل هذه الضجة، ثم تُفرج عنه بعد أيام قليلة؟، مضيفًا أن مثل هذه التصرفات أفقدت الحكومة هيبتها ومصداقيتها، فلم يعد أحد يعوّل عليها لكبح جماح الفصائل، التي أصبحت اليوم قوة عسكرية واقتصادية كبيرة.

وتابع إلياس إلى أنّ الإفراج عن قائد قطاع الأنبار بهيئة الحشد الشعبي، لا يخرج عن السياق العام لطريقة التعامل الحكومي مع الاعتقالات السابقة، التي طالت أفراداً من الحشد، إلا أن الحكومة العراقية حاولت الحفاظ على ماء وجهها أمام الرأي العام، فألقت اللوم على القضاء العراقي، وأكدت أنها قدمت كافة الدلائل التي تدينه، لكن القضاء لم يأخذها بعين الاعتبار.

ميليشيا ثرية

وأضاف الخبير السياسي العراقي أنّ الحكومة العراقية تعيش حالة من التخبط وانعدام التوازن بين مؤسساتها، لافتًا إلى أن الحكومة تتعلل أنّ هذا يجري بسبب الضغوطات المحلية والخارجية، متسائلًا: أليس الحشد جزءًا من الدولة العراقيّة، وهو وفقًا للدستور جزء من المؤسسة العسكريّة العراقية؟ فلماذا هذا التحدي لسلطة رئيس الوزراء والقائد العام للقوة المسلحة؟

وأوضح أن ميليشيا الحشد تمتلك قوة اقتصادية كبيرة تتمثل في تهريب المخدرات العابر للحدود، وإدارة صالات القمار والخمور، وغيرها من الأعمال المنافية للآداب، ولكنها تدر عليهم أموالًا طائلة، وهو ما دفع سياسي شيعي مثل فائق الشيخ علي لفضح هذه الأحزاب بأنها هي المتحكمة في المعابر والمنافذ البرية، فتستخدمها في تهريب المخدرات والأموال، وهو ما جعل الحشد عصابة ميليشياوي ثرية جدًا.

"حزب الله" جديد

وقال إن ميليشيا الحشد ما هي إلا مثل حزب الله آخر في العراق، مثل حزب الله في لبنان الذي يتحكم في مقدرات الدولة اللبنانية ويفرض الأمر الواقع هناك، فضلًا عن ترسانة ميليشيا الحشد العسكرية التي تتجاوز بمراحلة تراسانة الجيش العراقي الوطني، الذي تم تغييبه عن المشهد بفعل فاعل، وجعله يغرق في الطائفية، حتى صار القسم العسكري عبارة عن الحلف بالحسن والحسين والمهدي المزعوم.

أما د. رائد العزاوي، أستاذ العلاقات الدوليّة والمحلل السياسي العراقي، فيرى أن هامش الحركة محدود جدًا أمام الحكومة الحاليّة، لافتًا إلى أنّ الأحزاب المتمكنة تتعامل مع حكومة الكاظمي كأمر مؤقت منزوع الصلاحيات، في انتظار الانتخابات البرلمانية المقررة بداية أكتوبر المقبل.

 وأضاف العزاوي أنّ المتظاهرين وشباب الحراك الشعبي أيضا خياراتهم ضيقة، ولا يمكن التعويل على الانتخابات المقبلة، فالتحركات الأخيرة من السيطرة على العاصمة بغداد بقوة السلاح، أو حتى عملية الإفراج عن القيادي بالحشد مصلح الخفاجي تدل على أنّ الميليشيات والأحزاب التي كانت في مرمى الاحتجاجات باتت أقوى من ذي قبل.

وتوقع العزاوي استمرار التظاهرات، وجولة جديدة من انتفاضة تشرين، وهذا ما يمكن أن يحدث اختراقا في المشهد، منوها أنّ الأوضاع في الغرف المغلقة يجري ترتيبها بعنايّة من أجل تقاسم الانتخابات المقبلة على غرار الانتخابات السابقة؟