تخوف أمريكي من تحالف روسي صيني يزيح قطبية أحادية دامت عقود.. (تقرير)

  • 264

تقارب موسكو وواشنطن يستنزف ثروات الشرق الأوسط

تخوف أمريكي من تحالف روسي صيني يزيح قطبية أحادية دامت عقود

واشنطن تتخلى عن سوريا.. وتؤكد على عدم التعرض للاحتلال في الجولان

كتب- عمرو حسن

موسكو وواشنطن عاصمتان يقترن اسمهما دائمًا ببعضهما، ورغم التباعد الجغرافي والاختلاف الفكري والاجتماعي، يتفق المعسكران الروسي والأمريكي أكثر مما يتظاهران بالخلاف؛ فمنذ بدايات القرن العشرين اجتمعت الدولتان على تمزيق اليابسة، وقتل المستضعفين، ونهب ثروات دول العالم الثالث الذي لم يكن فقيرًا، كما هرولا نحو صنع أسلحة أبادت ملايين البشر، وعندما نشرا الخوف بين الشعوب قررا تقسيم ثروات العالم بينهما، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ورث الدب الروسي تركة تمكنه من مواصلة طريق الشر مع مستعمري أراضي الهنود الحمر.

ومنذ أن أحكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبضته على ميراث الاتحاد المنهار نهاية 1999، اتسمت علاقته مع خمسة رؤساء للولايات المتحدة المتعاقبين على مدار عقدين من الزمان بالتوتر المتواصل، فواشنطن ترى في الرئيس الروسي شريانًا يعيد روسيا البيضاء أقوى مما كان عليه الاتحاد السوفيتي، وروسيا لم تنسَ كيف أسقطت أمريكا اتحادها السوفيتي.

قضايا أثارت العداء بين الدولتين

حرب كوسوفو أفسدت العلاقات بين العاصمتين ما بعد الحرب الباردة، وأشعلت نار الخلاف، وأججت ترقب الدولتين لبعضهما، كما أن انسحاب واشنطن من معاهدة "إي بي إم" المضادة للصواريخ الباليستية الموقّعة عام 1972 لإقامة درع مضاد للصواريخ في أوروبا الشرقية، أغضب المعسكر الشرقي، إضافة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كما كان لمنح اللجوء السياسي إلى الأمريكي إدوارد سنودن الفضل في غضب أمريكا من روسيا، وأعرب باراك أوباما وقتها عن أسفه للعودة إلى "عقلية الحرب الباردة"، وأخيرًا تعقدت العلاقات بشدة بسبب الأزمة الأوكرانية عام 2014، وضم روسيا شبه جزيرة القرم؛ مما أدى لفرض عقوبات اقتصادية على موسكو، التي لم تضيع فرصة دخول سوريا عام 2015، والسيطرة على كافة موانئها ومطاراتها ووضع ترسانتها البحرية في قلب الشرق الأوسط عبر المياه السورية الدافئة.

لقاء غامض ومعطيات توافق

بعد محادثات استمرت نحو بضع ساعات في جينيف، جمعت الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي، أبدى بايدن وبوتين نيتهما تهدئة التوتر بين البلدين، وأعلنا النية للشروع في حوار حول الاستقرار الاستراتيجي، وأنهما تمكنا من "فهم مواقف" بعضهما بشأن القضايا الرئيسية، وزعما أن كليهما قادر على النقاش للحد من مخاطر النزاعات المسلحة والحرب النووية، وأنه في قمة جنيف حددا المواقف الرئيسية التي يمكن للدولتين أن تتقاربا بشأنها"، وعقب نهاية المحادثات، توجه السفير الروسي لدى واشنطن إلى الولايات المتحدة لاستئناف مهامه، كما أوقف البيت الأبيض صفقة مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

وفي ذلك السياق قال الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المجلس العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جون بايدن يُعد استكشاف كل طرف للآخر، لافتًا إلى أن جو بايدن يريد تحييد روسيا وإبعادها عن المعركة الأمريكية الصينية في المستقبل، مؤكدًا أن فلاديمير بوتين يحيي قوة وثقل الاتحاد سوفيتي من جديد، مؤكدًا أن فلاديمير بوتين ينظر إلى أوكرانيا على أنها هبة السماء للروس، وهذا تصريح قاله بالفعل بوتين لجورج بوش، كما أن أمريكا تدرك أن الصراع مع الروس في أوكرانيا قضية خاسرة، وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية لمراجعة اتفاقيات ثنائية بين أمريكا وروسية لتكون اتفاقيات ثلاثية تشهد توقيع "روسي صيني أمريكي". 

وأوضح غباشي في تصريح "خاص" أن أهداف كلا المعسكرين مختلفة، إلا أنهما في لقائهما الأخير وضعا أيديهما على إرهاصات تفتح باب العلاقات من جديد بين الطرفين وعودة سفراء البلدين؛ لأن الخلافات عميقة، وعلى رأسها الملف الإيراني؛ لأن روسيا تقف بجانب إيران، وحديث أمريكا مع روسيا عن إيران التفت إلى الصواريخ الباليستية والأجنحة الإيرانية في الشرق الأوسط، ورفض أن تناوئ إيران السياسة الخارجية الأمريكية، وأهمية عدم إزعاج إيران للاحتلال في هضبة الجولان السورية، كما يتعاظم الخلاف على ملف علاقات روسيا والصين؛ لأن الصين قوة دولية، وضمان عدم تدخل الروس في ملفات تهم الشأن الأمريكي، مشددًا على أن الروس والصين هم الاتحاد السوفيتي الجديد، مضيفًا أن اللقاء شَمل الحديث عن علاقة روسيا بكوريا الشمالية، متوقعًا توافق في بعض الرؤى يؤدي لمزيد من التقاء مصالح القوى العظمى.

وأشار غباشي إلى أن استنزاف موسكو وواشنطن للعديد من ثروات دول العالم جاء برغبات تلك الدول وليس رغمًا عنها، وأن تلك التدخلات واضحة من الجانب الأمريكي، وغير واضحة من الروس،  لافتًا إلى أن وصاية أمريكا على دول الخليج والبترول السعودي والأوبك، والتحكم بأسعار البترول يأتي بموافقة سعودية وبشكل معلن للجميع، مردفًا أن أمريكا خاسرة إن تدخلت في سوريا، وفي العراق روسيا خاسرة إن تدخلت؛ مما يؤكد أنه لقاء عرف تقاسم المصالح بالتراضي.

وقال دكتور محمد حسين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن  اللقاء الأمريكي الروسي في جينيف شهد اتفاقًا على توزيع المصالح وتقاسم المنافع في الشرق الأوسط، وفي مناطق نفوذ كلا القطبين، معللًا ذلك بسعي كلا الجانبين إلى تجنب الصدام وإبعاد روسيا عن إقامة علاقات قوية مع الصين، وليكون هناك دعم روسي لأمريكا أمام الصين، وذلك عكس ما يبرزه الواقع؛ وهو ما يقلق الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن أمريكا وإن كانت لا تستطيع  التخلى عن أوكرانيا وجورجيا، ولا بد أن تلعب فيهما دورًا بسبب وجودهما بجانب أوروبا؛ إلا أنه ستكون هناك تفاهمات مؤقتة لتقديم تنازلات عن الدعم الأمريكي لأوكرانيا مقابل تحييد الدور الصيني.

 وأوضح حسين في تصريح خاص، أن تمسك الأمريكان بأوكرانيا نابع من تمسك اليهود هناك بها، لافتًا إلى تدخل يهود أمريكا وتأثيرهم الكبير على السياسة الخارجية، مضيفاً أن كل ما يثير تخوف أمريكا هو وجود إيران بالقرب من الاحتلال الصهيوني في الجولان، وحماية مصالح الاحتلال وليس أكثر؛ وبالتالي يبقى الوضع كما هو عليه فيما يخص أوكرانيا وسوريا.