رغم الفقر والتهجير.. الأحوازيون يتمسكون بهويتهم وطهران تسرق خيراتهم من النفط والغاز والمياه

  • 33

رغم الفقر والتهجير.. الأحوازيون يتمسكون بهويتهم

طهران تسرق خيراتهم من النفط والغاز والمياه.. وتتعمد تجويع سكان الإقليم

إيران تستخدم المياه لتهجيرهم إما بالفيضان أو إغراق أراضيهم أو الجفاف

كتب- عمرو حسن

طال أمد المعاناة التي يعيشها الأحوازيون في بلدهم الذي احتلته إيران منذ ما يقرب عشرة عقود، فكل بقعة من أرض الأحواز تحمل حكاية عدوان واعتداء على حقوق سكانها، فكلما التفت يمينًا أو يسارًا داخل قراهم وأحيائهم، تجد مستضعفين تنتهك أرضهم وثرواتهم، وخيرات بلادهم، وآدميتهم، وتباد هويتهم، فقط لأن عقيدتهم تهدد أنظمة وقوانين وأفكار نظام الروافض في طهران، وتهدد سلطانهم المزعوم.

من هم الأحوازيون؟

الأحوازيون قبائل عربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى شمال الخليج العربي، واستقروا جنوب غرب إيران وجنوب شرق العراق، وأسسوا دولة سموها بالأحواز –الأحواز جاءت من الفعل حاز أي ملك الشيء وضمه لنفسه- وكانت أول دولة لهم بقيادة قبيلة بني أسد بعد سقوط الخلافة العباسية، وتعاقب عليها الأمراء، وكانت تتبع الخلافة الإسلامية حتى اعترفت بها الخلافة العثمانية دولة مستقلة، وبعدما قويت شوكتهم وقت إمارة الكعبيين -قبيلة بني كعب التي تولت من القرن الثامن عشر وحتى 1925- هاجمتها إيران واحتلتها بإيعاز من بريطانيا عام 1925، وهذا خوفًا من قوة الدولة، وغيرت طهران اسم الإقليم من الأحواز إلى الأهواز، ومن عربستان بالفارسية إلى خوزستان، وغيرت أسماء المدن والقرى والأنهار، ورغم أن رؤساء إيران كان يعلمون فضل الأحواز وخيراتها، وفي مقدمتهم  الرئيس محمد خاتمي الذي قال "إيران تحيا من خير الأحواز"، إلا أن إيران حرمت الأحواز من خيرات أراضيها ومياه أنهارها، وأضحى شعب الأحواز أفقر شعب عربي يحكمه الاحتلال الفارسي، وطمس نظام الملالي الهوية الإسلامية والعربية بها، وقتل المسلمين السنة، ومنع اللغة العربية فيها، وأراضي الأحواز لا يفصل بينها وبين الدول العربية أي فواصل جغرافية، وتفصل جبال زاجروس بين الأحواز المحتلة والمستعمر إيران، وإقليم الأحواز مساحته 400 كيلو متر تقريبًا، ويقطنه 10 ملايين شخص، ورغم محاولات النظام لتشييع أغلب سكان الأحواز إلا أن ملايين في الأحواز اعتنقوا الإسلام وباتوا من أهل السنَّة بسبب نشاط الدعوة الإسلامية منذ التسعينيات.

ثروات إقليم الأحواز

يعج إقليم الأحواز بالثروات الطبيعية، والنفط والغاز الطبيعي، كما أن إيران تعتمد في ري فارس وأصفهان وضواحيهما على مياه الإقليم العربي، حيث يوجد به أهم موارد الماء بإيران، وهو نهر كارون، أطول أنهار الشرق الأوسط، بالإضافة لأربعة أنهار أخرى تمر من داخل الإقليم، وأخرى تصب فيه؛ ما جعل الأراضي الزراعية في الأحواز خصبة وصالحة للزراعة، كما ساهم وجود الأنهار بالأحواز في جعلها المنطقة الأهم في إيران، وجعلها صالحة لإنشاء المفاعلات النووية، وأشهرها مفاعل "بوشهر"، كذلك يقع أكثر من نصف الساحل الإيراني على الخليج العربي في محافظة الأحواز، وتوجد به غالبية الموانئ الإيرانية.

معاناة الأحوازيين

منذ بداية الاحتلال الفارسي للأحواز عام 1925، لم تدخر طهران جهدًا لمحو تغيير الشكل الديموغرافي لإقليم الأحواز، وطمس الهوية الإسلامية والعربية، وتبديلها بالقومية الفارسية، فمنعتهم من تعلم اللغة العربية، ومن تسمية أطفالهم بأسماء عربية، وأحكام إعدام سنويًا تجاه أهل السنَّة وغلق المساجد، والحرمان من فرص دخول الجامعات الإيرانية، والعمل في المنشآت النفطية، واستخدام سياسة التمييز العنصري والتطهير العرقي، وإهمال الإقليم خدميًا وتعليميًا عن قصد.

النيل من الصحابة علانية في المنشآت الحكومية والأماكن العامة، والحرمان من بناء المساجد والمدارس في المناطق ذات الأكثرية السنية، ونشر العقيدة الشيعية في الأوساط السنية، وتنشئة الأطفال وأبناء أهل السنة على أفكار وعقائد الشيعة وترغيبهم بها، ومنع نشر المطبوعات المدرسية والفكرية لأهل السنَّة، وحرق كل المكتبات والكتب العربية القديمة.

أزمة المياه والتهجير

يشهد إقليم الأحواز منذ منتصف يوليو الحالي تظاهرات كبيرة بسبب سياسة طهران الممنهجة في حرمان الأحواز من استغلال مقدراتهم، وتحويل ثرواته إلى المحافظات الأخرى، وكانت البداية منذ بداية الاحتلال حيث قامت السياسة الإيرانية على منع الأحوازيين من الاستفادة من ثرواتهم واضطهادهم ورفع معاناتهم، واستخدام المياه لقهرهم وتهجيرهم عن طريق حجز مياه الأنهار في السدود حال زاد الفيضان، وفي حالة الجفاف تفتح إيران السدود لتغرق قرى الأحواز ليضطروا للهجرة من الإقليم، وهنا تأتي الفرصة لتحل مكانهم مئات الألاف من الفرس الشيعة؛ وهو ما حدث أكثر من مرة وخاصة عام 2019، فكانت أكبر عملية تهجير مخطط لها، وهذا بعد فتح السدود فاجتاحت المياه  9 بلدات ومدن، وغمرت 234 قرية؛ ما أدى إلى نزوح أكثر من 400 ألف من الأحواز لأقاليم أخرى، وفقًا للإحصائيات الرسمية وقتها.

ورغم أن إقليم الأحواز كان ينعم بوفرة المياه، حولته إيران عمدًا لإقليم يعاني الجفاف، وغيرت الحكومة الإيرانية مجرى مياه نهر كارون الأحوازي إلى محافظات أصفهان ويزد وقم، وحولته إلى مجرى للمواد السامة. وفي عام 2005 صدرت وثيقة الرئيس الإيراني محمد خاتمي لتغيير كامل لديموغرافيا الأحواز عبر تهجير ثلثي سكان الأحواز وتوزيعهم على محافظات إيرانية مختلفة واستبدالهم بإيرانيين، مما تسبب في غضب عارم لأهل الأحواز، وتوالت احتجاجات الأحواز منذ الاحتلال وحتى التظاهرات الحالية، ورغم تعهد روحاني بفتح السدود لحل الأزمة إلا أن الأحواز لا يصدقون النظام وواثقون من خداعهم لهم، وتعاملت إيران مع احتجاجات الأحواز بشدة أمنية مفرطة، وقطعوا الكهرباء والإنترنت وشبكة المحمول، واستنكرت المنظمات الدولية كـ"الأمم المتحدة" و"العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، استخدام طهران للقوة الغاشمة في وجه الأحواز، وطالبوها بحل أزمات المياه المتكررة، والاهتمام بالإقليم بدلًا من البطش.

في ذلك السياق، قال الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، والباحث في الشأن الإيراني، إن الاحتجاجات في الأحواز ليست جديدة وتتكرر من آن لآخر، ولها أسباب تاريخية خاصة بهوية الأحواز، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن إقليم الأحواز يحمل بداخله أكثر من 70% من ثروات إيران، ولكن هناك حالة تهميش تام على مستوى البنية التحتية ونسبة الفقر والبطالة ومستويات المعيشة والقمع ومساحة الحريات التي يعيشها الأحوازيون الممنوعون من استخدام لغتهم العربية.

وأضاف سليمان في تصريح "خاص"، أن هجمات إيران على الأحوازيين بشكل مستمر، ومحاولات قمعهم وتهميشهم وأوضاعهم الاقتصادية الصعبة، بسبب محورية الأحواز وقوتهم ووحدة مطالباتهم وتأثيرهم على النظام الإيراني لتمسكهم بهويتهم وثقافتهم، مشيرًا إلى أن تلك الاحتجاجات ردًا على سياسات إيران في حق الأحوازيين.

وتابع الباحث في الشأن الإيراني أن هذه التظاهرات لن تكون الأخيرة، وسوف تتكرر حتى وإن لم تكن كبيرة التأثير، ولم تفضِ لنتائج مهمة ولم تأتِ بحقوق جديدة، إلا أنها تسبب صداعًا كبيرًا لنظام طهران، لأنها تساعد على هدم قواعد هذا النظام، وربما تكون سببًا في شحن الأقليات الأخرى لنيل حقوقهم، مؤكدًا أن الأحواز حالة خاصة، وهناك قلق متزايد من وجودهم واحتجاجتهم.

وقال محمد شعت، الباحث في الشأن الإيراني، إن الانفجار الحالي في الأحواز أمر طبيعي نتيجة السياسات التي يمارسها النظام الإيراني بحق الأحواز والقوميات غير الفارسية بشكل عام، مضيفًا أن ذلك ينبئ باتساع رقعة هذه التظاهرات، في ظل حالة اليأس من التغيير بعد تنصيب إبراهيم رئيسي الأكثر تشددًا، الذي يعلم الإيرانيون أنه سيمارس المزيد من القمع، خاصة أن تاريخه مليء بالجرائم والانتهاكات منذ أن كان عضوًا في لجان الموت وتسبب في إعدام الآلاف.

وأكد شعت في تصريح "خاص"، أن انطلاق التظاهرات الحالية في الأحواز يأتي نتيجة تراكمات كثيرة تتمثل في إهدار حقوق الأحوازيين والسعي لطمس هويتهم وعمليات التغيير الديموغرافي والتهجير، فضلًا عن عمليات التعطيش التي تتعرض لها الأحواز مؤخرًا، والقمع المتكرر الذي يتعرض له الأحوازيون على مدار عقود.

ولفت إلى أن ما يقوم به الأحوازيون في إيران يتجاوز فكرة التظاهرات، ليصل إلى حد الثأر من النظام الإيراني، نتيجة الغدر بهم منذ أن ساند الأحوازيون الخميني لإنجاح ثورة ١٩٧٩، ثم تنكر لهذه الوعود ومارس التنكيل بحق كل من طالبه بتنفيذه وعوده، لتستمر معاناة الأحوازيين على مدار عقود عدة،  في ظل مخططات مستمرة لطمس الهوية الإسلامية والعربية في الأحواز،  إلا أنها باءت بالفشل في ظل تمسك الأحوازيين بهويتهم.