عن النبي أتحدث

  • 154

كانت دار الأرقم بن أبي الأرقم أعظم مدرسة للتربية والتعليم عرفتها البشرية، حيث وفق الله تعالى رسوله إلى تكوين الجماعة الأولى من الصحابة الذين قاموا بأعظم دعوة عرفتها البشرية.

كانت قدرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فائقة في اختيار العناصر الأولى للدعوة في خلال السنوات الثلاث الأولى بعد البعثة، وتربيتهم وإعدادهم إعدادًا خاصًا ليؤهلهم لاستلام القيادة، وحمل الرسالة، فالرسالات الكبرى والأهداف الإنسانية العظمى لا يحملها إلا أفذاذ الرجال.

كان لقاء الرسول المربي بالصفوة المختارة من الرعيل الأول تدريبًا عمليًا على مفهوم الجندية والسمع والطاعة، ويشحذ فيه القائد أتباعه بالثقة بالله والعزيمة والإصرار، ويأخذهم بالتزكية والتهذيب والتربية والتعليم.

كانت شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرك الأول للإسلام، وشخصيته صلى الله عليه وسلم تملك قوى الجذب والتأثير على الآخرين، فقد صنعه الله على عينه، وجعله أكمل صورة لبشر في تاريخ الأرض, والعظمة دائما تُحب، وتحاط من الناس بالإعجاب، ويلتف حولها المعجبون، يلتصقون بها التصاقًا بدافع الإعجاب والحب، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيف إلى عظمته تلك، أنه رسول الله، متلقي الوحي من الله، ومبلغه إلى الناس، وذلك بُعد آخر له أثر في تكييف مشاعر ذلك المؤمن تجاهه, فهو لا يحبه لذاته فقط كما يحب العظماء من الناس، ولكن أيضا لتلك النفحة الربانية التي تشمله من عند الله، فهو معه في حضرة الوحي الإلهي المكرم، ومن ثم يلتقي في شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم البشر العظيم والرسول العظيم، ثم يصبحان شيئًا واحدًا في النهاية، غير متميز البداية ولا النهاية، حب عميق شامل للرسول البشر، أو للبشر الرسول، ويرتبط حب الله بحب رسوله ويمتزجان في نفسه، فيصبحان في مشاعره هما نقطة ارتكاز المشاعر كلها، ومحور الحركة الشعورية والسلوكية كلها كذلك.
كان هذا الحب الذي حرك الرعيل الأول من الصحابة هو مفتاح التربية الإسلامية ونقطة ارتكازها ومنطلقها الذي تنطلق منه.