في الذكرى الـ48 لحرب أكتوبر.. قواتنا المسلحة مزّقت أسطورة العدو الذي لا يقهر

  • 57

في الذكرى الـ48 لحرب أكتوبر 

قواتنا المسلحة مزّقت أسطورة العدو الذي لا يقهر

الخداع الاستراتيجي  فاجأ الصهاينة.. والضربة الجوية أطاحت بمراكز القيادة 

جولدا مائير تعترف: طلبت البيت الأبيض لإنقاذنا.. وعشت كابوسًا لم أتخيله 

إعداد- طارق بهجات

في مثل هذه الأيام تمر علينا ذكرى غالية على الأمة العربية والإسلامية، ومصر بالتحديد، فقبل 48 عامًا سطر الجيش المصري أروع التضحية والفداء والبطولات، وظلت حرب السادس من أكتوبر لعام 1973 وتفاصيلها رمزًا للفخر والعزة للعرب عامة وللمصريين خاصة.

لم تكن الحرب وليدة اللحظة بل سبقها تدريبات بالدم والنار، وتنفيذ عمليات حربية خلف خطوط العدو شرق القناة، ما أسفر عن غرق المدمرة إيلات، وغلق فوهات مواسير النابلم، و استطاع الجيش المصري أن يسطر ملاحم وبطولات وتضحيات ستظل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث.

يوم السادس من أكتوبر الموافق 10/91393 وفي تمام الثانية ظهرًا فوجئ العدو الصهيوني بطائرات تسير على ارتفاع منخفض وفي لمح البصر وفي توقيت محدد عبرت القناة واتجهت تدك معاقل العدو، وتضرب الأهداف الرئيسية شرق القناة، ومع صيحات الجند والقادة بالتكبير تعالت الأصوات مرددة "الله أكبر.. الله أكبر" وانفجر ت الروح المعنوية للثأر من نكسة يونيو 67 .

وعبرت جحافل الدبابات ومركبات الجند والقوارب المطاطية تشق طريقها نحو الشرق لتعبر الحاجز المائي المنيع لقناة السويس، محطمة حصون خط بارليف الصعب، وواصلت تقدمها على الجبهة الشرقية عمق سيناء نحو 20 كيلو مترًا، في حين تمكنت القوات العربية السورية من التقدم نحو هضبة الجولان ثم بحيرة طبريا وسهل الحولة، وما زالت هناك آلاف القصص والبطولات والأسرار لم تكشف بعد.

 رفضت الأمة العربية ما نجم من تبعات نكسة 5 يونيو لعام 1967، كما أعلنت القوات المسلحة رفضها لنكسة يونيو، وأعطى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إشارة البدء في التدريب والتطوير وتحديث منظومة الجيش على مستوى الأفراد والمعدات، فخاضت حرب الاستنزاف بقوة وبسالة، ولعب حائط الصواريخ دورًا استراتيجيًا واستطاع أن يكبح جماح الذراع  الطولى للعدو، وثأر لمدرسة بحر البقر الشهيرة، ونفذ العديد من العمليات الجريئة خلف خطوط العدو.

وبعد رحيل "عبد الناصر" أواخر سبتمبر لعام 70  استكمل الرئيس الراحل محمد أنور السادات التدريب الشاق والتطوير والتحديث، ونفذ خطة خداع "اللاسلم واللاحرب"، حتى فوجئ العالم والإسرائيليون باجتياز قناة السويس واقتحام خط بارليف، فاستجابت واشنطن لمطالب تل أبيب ومدتها بجسر جوي هو الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية.

 يروي اللواء الراحل أحمد رجائي، أحد أبطال حرب أكتوبر ومؤسس الفرقة 777، أن خطة حرب السادس من أكتوبر وضعت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى المضايق، وأن السادات نفذها بعمق 20 كيلو مترًا، مضيفًا أن جولدا مائير لم تصدق نفسها وجن جنونها بعد خسائر اليوم الأول.

وأضاف رجائي: كما استطاع حائط الصواريخ أن يمنع طائرات العدو الاقتراب من الضفة الشرقية للقناة حتى مسافة 20 كيلو مترًا، بل أن الرئيس السادات ذكر في أحد لقاءاته أن النفس بالنفس والعمق بالعمق؛ حيث تم رفع كفاءة الصواريخ لتصل إلى أعماق أعماق العدو، ردًا على تهديد تل أبيب باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

ولفت إلى أن خطة الخداع الاستراتيجي كانت لها طرق عديدة، واشترك فيها المدنيون بجانب قادة الجيش، حيث نشرت الصحف عن رحلة عمرة للضباط، وزيارات خارجية لقادة الجيش، ونزول إجازات للصف والجنود، وكان من بين الخطة أيضًا مقال الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي تم استخدامه ببراعة فائقة، بأن عبور المانع المائي سيحرق الجنود المصريين.

وذكر أن الثغرة تحدث في الحروب، وإذا كان العدو استحدث ثغرة فقد حققنا احتلالًا في العمق الإسرائيلي حتى مسافة 20 كيلو مترًا خلف خطوط العد، وثغرة الدفرسوار بدأت بكتيبتي صاعقة ومجنزرات وقوات من المشاة الإسرائيلية بقيادة إيريل شارون، وأعتقد أنهم كانوا في كماشة وكان من السهل تصفيتها، وأعتقد أن السادات كان يعتبرها ورقة ضغط على اليهود.

 قالت "جولدا" في يومياتها: عشت كابوسًا لم أتخيله، وطالبت الأمريكان بإمدادنا بجسر جوي على وجه السرعة، فاستجاب الرئيس نيكسون، وكان هناك تفوق ساحق للمصريين والسوريين، وكان موشيه ديان يخبرني أن الموقف على الجبهة الشرقية في سيناء حرج للغاية ويحتاج إلى انسحاب جذري وبناء خط آخر للدفاع. 

أما الرئيس الراحل محمد أنور السادات فقال: انتقلت يوم 4 أكتوبر إلى الإقامة في قصر الطاهرة بعد تجهيزه كمركز قيادة لإدارة الحرب، وفي صباح 6 أكتوبر اصطف الجنود على الضفة الغربية للقناة، وفي تمام الثانية ظهرًا عبرت 222 طائرة قناة السويس، ونجحت الضربة وحققت نتائج مذهلة؛ فانهارت مراكز قيادة العدو وفقدت إسرائيل توازنها بالكامل، واستعاد سلاح الطيران المصري قوته، وعبر الجنود البواسل الحاجز الترابي، وانطلقت قذائف المدافع تصب نيرانها على أهداف العدو الواحدة تلو الأخرى، وتم رفع العلم المصري على الضفة الشرقية من اللواء السابع، وفقد القادة الإسرائيليون توازنهم في ست ساعات. 

وعلى مستوى المشاركات العربية فقد أرسل العراق سربان من طائرات هوكر هنتر "20"، دفعت الرياض بمقاتلين إلى الجبهة السورية، وقادت حظرًا عربيًا على صادرات النفط، وقدمت الجزائر بقيادة الرئيس هواري بومدين دعمًا عسكريًا إلى مصر، وساندت الإمارات مصر وسوريا، وقرر الشيخ زايد آل نهيان قطع النفط عن تل أبيب وقال: "النفط ليس أغلى من الدم العربي".

ومنحت ليبيا دعمًا ماليًا ضخمًا لشراء أسلحة خلال حرب السادس من أكتوبر، فضلاً عن مشاركة جنود وضباط ليبيين في المعركة بجانب الجيوش العربية، كما شارك كل من المغرب، وتونس، والأردن، والسودان، والكويت، واليمن، وفلسطين بقوات عربية وأسلحة وذخائر وطائرات لمساندة الجيشين المصري والسوري.

وهكذا ظل القتال مشتعلاً على مستوى الجبهتين المصرية والسورية إلى أن تم وقف إطلاق النار بعد تدخل الدول الكبرى، ووقّعت إسرائيل ومصر اتفاقًا على وقف إطلاق النار 24 من أكتوبر 1973. وفي18 يناير 1974 تم توقيع اتفاق لفصل القوات، واحترام وقف إطلاق النار؛ وأسفر ذلك عن نشر قوات طوارئ دولية في المنطقة المنزوعة السلاح، وفي 17 سبتمبر 1978 تم التوقيع على الاتفاقيتين الرسميتين في البيت الأبيض، وشهدهما الرئيس جيمي كارتر وأدت إلى توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل 1979.