كدر الحياة وصفوها

نهى عزت

  • 58

لسان حال معظم من تحادثهم هذه الأيام الدنيا متاعب، الحياة كلها آلام، ما نكاد نفوق من حادثة، إلا وتصفعنا أخرى أشد منها، كوارث، انتشار جرائم، علاقات مع البشر مخزية ومهلكة للطاقات، انتشار الفساد، قلة العلم، الانجراف وراء كل تافه، حسد، بغض، كره.. إلى آخره من المحبطات التي تجعل العالم حولنا أشبه بكُرة سوداء مظلمة معتمة.

لكنْ لحظةٌ ووقفةٌ مع أنفسنا.. أليس هذا طبيعي؟، ألم نُخبر به في كتاب الله -عز وجل- "وجعلنا بعضكم لبعض فتنة.." فقد جعل الله سبحانه وتعالى الأقوياء فتنة للضعفاء بإيذائهم؛ والأغنياء فتنة للفقراء باستعلائهم؛ وهكذا كل من أُعطي خيرًا دنيويا أو أخرويًا يكون فتنة لمن لم يكن مثله؛ ثم جاء الاستفهام للتوجيه للصبر "أتصبرون".

فالواجب للمفتون هو الصبر؛ والواجب على أهل الحق أن يصبروا، ولذا قال (تعالى): أتصبرون؛ والصبر في الفتنة هو السبيل لاجتياز المحنة؛ والخروج منها مؤمنًا خالصًا.

لذلك نقول ما من شيء في هذه الدنيا إلا بتدبير من حكيم عليم، الله سبحانه وتعالى جعل لنا الخير والشر وأرشدنا للطريق المستقيم، وجعل لنا العلاج في التمسك بالخير، والدعوة إليه.

بالفعل ليس واجبًا علينا إصلاح كل البشر، نعم مأمورون بالدعوة إلى الإصلاح، ولكن لا نتعلق برؤية النتائج فالتوفيق والتمام بيد الله.

ومن هنا نخاطب الآباء والأمهات ونؤكد مسؤولياتهم تجاه أبنائهم في ظل هذه الفتن، الإرشاد والنصح والتوجيه، نعم نوضح لهم أن هناك شرًا وهذا بابه -ولست مع إخفائه عنهم وبعدهم عن معرفته فهم إن لم يعلموه منكم بتوجيه سليم، سيعرفونه ممن حولهم بل قد يكون بدعوة إلى فساد عافانا الله وإياكم، إذا أن نزرع في أبنائنا القيم ونكون قدوة لهم في تفعيلها هذا أمر واجب، أن نعلمهم أن هذه الدنيا ما خلقنا فيها للراحة والكسل، وأنها ليست كلها وردية لا شرور فيها ولا كدر، ثم بعد ذلك يصطدمون بالواقع، بل نرشدهم إلى الجد والاجتهاد ولكن قبل هذا نعلمهم الرضا بما قسمه الله سواء كان في شهادة أو مال أو غير ذلك من متاع الدنيا، ازرع فيهم عدم التعلق بزائل لأن هذا سيقيهم من الوقوع في أمور قد لا يستطيعون التخلي عنها إلا بمفسدة.

كثير من الصفات والأفعال التي حتمًا سيواجهها الأبناء في الخارج يجب أن نبدأ فيها بمجتمعنا الصغير داخل بيوتنا.

ومع ذلك لا ننكر أن هناك أبواب خير كثيرة، ففي الحديث الشريف "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" فصحبة الصالحين ما زالت موجودة، وتعليم الناس الخير ما زال منتشرًا بفضل الله، نعلمهم أن النبتة الطيبة البسيطة قد تكون بعد ذلك سببًا في خير عظيم، فلا داعي لليأس والإحباط والنظر والتوجيه والنفخ في أن الحياة كلها ليست بها خير، وأن العالم كله أصبح كتلة شر لا يصلح للعيش فيه، هذه كلها نداءات البائسين المحبطين، فلنفعل ما بأيدينا ولا نيأس، ونزرع الفسيلة الطبية حتى لو لم نكن نحن الحاصدون، ونبحث عن وجوه الخير وننميها، لعل بعملنا هذا نستخلص من الحياة صفوها.