فتوى ميراث البنات تُشعل خلافًا بين الدُّعاة.. و"برهامي" يحسم الجدل

  • 61

فتوى ميراث البنات تُشعل خلافًا بين الدُّعاة

عالم أزهري: حِرمان بعض الورثة غير جائز.. ومن قطع إرثًا قطع الله إرثه من الجنة

مبروك عطية: مقولة "كل شخص حرُّ  في ماله" ليست صحيحة خصوصًا في المواريث

برهامي: الهِبة بالعدل جائزة والهروب من توريث الأعمام مُخالف لشرع الله 

كتب- ناجح مصطفى

الميراث له أهمية كبيرة وعظيمة في الإسلام؛ لذا تولى الله -سبحانه وتعالى- هذه القضية بنفسه، حيث قسّم الميراث قسمةً إلهية لا دخل للعباد أو الرسل فيها بكل رحمة وعدالة؛ لأن تدخل العباد في هذه القسمة سيُدخل التخبط والظلم، وعدم إيصال الحقوق إلى أصحابها بالصورة التي تحقق العدل والتوازن بين جميع الورثة؛ فقد تولى الله قسمتها، وبيّن أحكامها حتى لا تضيع الحقوق، ولا يخفى على أحد أن المال هو قوام الحياة، لقوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً}.

وقد أثارت فتوى الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، خلال الأيام القليلة الماضية، جدلًا واسعًا، حيث قال إنه "يجوز للأب كتابة أملاكه لبناته قبل الوفاة؛ لضمان حياة مُستقرة لهن بعد الوفاة ومُساعدتهن في المعيشة وتكاليف الزواج"، وهو ما رفضه الدكتور مبروك عطية، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، قائلًا: "ادعاء البعض أن كل شخص حرّ في ماله ليس صحيحًا، وخصوصًا في مسألة الميراث".

وأكد عطية رفضه القاطع لما جاء في فتوى جمعة بشأن جواز كتابة الأب أملاكه لبناته، قائلًا: "لهنّ أرض ميراث من تركة أبيهم، وأشقاؤهن أعطوهن قيمة ميراثهن مالاً.. فهل يجوز أن يكتب الأب ماله لبناته؟" موضحًا أنّ "الكتابة هتوديه نار جهنم، كل شيء مكتوب في كتاب المواريث"، وجعل الذكر مثل حظ الانثيين، كفرائض الصلاة يجب التعبد بها.

وعقب الدكتور عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، على تصريحات الدكتور علي جمعة، قائلًا: إنه لا يجوز كتابة التركة للبنات بنيّة حرمان باقي الورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، وقوله "ساووا بين أولادكم حتى في النظرةِ والقبلة".

وأضاف الأطرش في تصريحات خاصة لـ "الفتح": "أن من حق الأب أو الوالد أن يتصرف في ماله كيفما شاء ما دام في كامل قواه العقلية، ولكن بشرط ألا يكون الهدف من ذلك هو حرمان أحد من الميراث، فإن كان في نيّته حرمان باقي الورثة فعليه إثم عظيم".

وتابع: "أن حرمان الورثة من الميراث خطأ فادح ومسئولية كبيرة أمام الله عز وجل، وكذلك كتابة التركة للبنات بنيّة حرمان المستحقين للميراث بعد وفاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من قطع إرثًا قطع الله إرثه من الجنة"؛ لذلك فإن حرمان بعض الورثة لا يجوز شرعًا، وإن كان الأولى هو التصرف في ثلث التركة فقط، وهذا منصوص عليه في كتاب المواريث للشيخ حسنين مخلوف".

من جهته، أوضح الدكتور ياسر برهامي، الداعية الإسلامي ونائب رئيس الدعوة السلفية، حُكم كتابة الميراث للبنات في حياة آبائهن، وذلك ردًا بالأدلة والبراهين على فتوى الدكتور علي جمعة، التي أثارت جدلاً واسعًا خلال الأيام القليلة الماضية.

قال "برهامي" في تصريحات خاصة لـ "الفتح": "وأما من يسأل عن حكم أن يكتب الرجل صاحب المال لبناته حتى لا يشاركهن أحدُ من أعمامهن أو عصبتهن عمومًا في الميراث، فنقول إنه لا بد أن نفرق فيه بين مسألتين، أما الأولى وهي الهبة، حيث يجوز للرجل أن يهب أولاده ما أراد من الأموال، ولكن في حال حياته وليست أن تكون مؤجلة لما بعد الموت، حتى لا تأخذ حُكم الوصية، والشرط في هذه الهبة الجائزة أن تكون بالعدل بين الأولاد ذكورًا وإناثًا".

تابع، قائلاً: وبعض العلماء يقول إن الهبة بين الذكور والإناث تكون للذكر مثل حظ الانثيين، إلا أن نيّة الهروب من توريث الأعمام أو العصبة فيها مخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى وفرار منه.

وأما الحال الثاني فهو حال الوصية، وهو أن يكتب لأولاده وصية بعد وفاته، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث.

واستكمل الداعية الإسلامي: أما إذا كانت الهبة شكلًا وحقيقة في صورة الوصية، فلا تأخد البنات شيئًا إلا بعد وفاة الأب، فتظهر هذه العقود ويقال إنها بيع وشراء ويكون فيها الكذب، وكما ذكرنا أن العبرة بحقائق الأمور ومقاصدها وليس بأشكالها وألفاظها، فإذا كانت حقيقتها وصية، فلا وصية لوارث.

واختتم "برهامي" حديثه قائلًا: وإذا كانت هبة مع العدل، ومع عدم نيّة حرمان العصبة من الإرث كانت هبة صحيحة لا غُبار عليها، وأما إذا كانت وصيّة أو هبة شكلًا ووصية حقيقة، فإنها لا تجوز، حيث لا وصيّة لوارث لأن نيّة عدم توريث بعض الورثة أو الأعمام سيئة يحاسب عليها الإنسان.