عظماء ربتهم أمهاتهم

إعداد/ نسرين مهران

  • 121

عندما نطلع على كثير من سير الصالحين المصلحين نجد أن منهم من ربته أمه، ولكن ليست أي أم؛ بل أم تحمل هم هذه الأمة، أم حملت في رحمها نية لهذا الدين أم أرادت أن يكون الإصلاح على يد طفلها فحدثته وربته بالاستعانة بالله على حمل الهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويا ليت كل الأمهات مثلهن لكان هذا سببًا في صلاح هذه الأمة٠

أردت في هذه السطور أن نبحر في تاريخ وسير بعض هؤلاء العظماء ونسلط الضوء على أمهاتهم، فتعالوا معنا نبحر في سيرة الإمام الشافعي لننظر إلى أمه ونقف وقفة تعليمية معها، وهي التي توفي زوجها وترك طفلًا صغيرًا في مكان غريب، ومع شدة الفقر ولكنه ترك امرأة ذكية ترى واقع الإسلام على الرغم من أنها ليست عالمة ولكن لديها رسالة وهدف، فماذا فعلت لهذا الهدف؟

رأت أن الحل يبدأ بالعلم فقررت العودة بالشافعي إلى مكة وهي مركز العلم وكان عمره ثلاث سنوات، وتعتبر هذه أول رحلة في حياة الإمام الشافعي، وتقول له أمه قبل البدء في الرحلة: يا بني مات أبوك ونحن فقراء لا مال لنا ولم يترك لنا شيئًا، ولم أتزوج من أجلك، يا بني قد نذرتك للعلم لعل الله يصلح بك ويجمع بك شمل هذه الأمة.

فلننظر لهذه المرأة ومدى خوفها على الأمة، وبالفعل بدأ الشافعي في التعلم وذهب للكُتّاب وبدأ بحفظ القرآن، ولكنه لم يدفع نقودًا لأنه فقير، فشعر الشافعي بإهمال من المعلم تجاهه، واهتمام بالآخرين مما يدفعون النقود، فرجع لأمه وقال لها: يا أماه لا أريد الذهاب إلى المعلم، قالت لمَ؟ قال: يتركني ويعلم الآخرين، فقالت يا بني: اصبر إذا تركك المعلم، واذهب إلى الأغنياء فابحث لنفسك عن مكان بجوار الغني، وتعلم واسمع ولا تشعره أنك تتطفل عليه.

فيقول: فعلت ما أمرتني به أمي فتعلمت الذل للعلم والأدب للمعلم.

وبعد فترة أصبح أحسن التلاميذ حتى إذا تأخر المعلم كان يجلس ليشرح للتلاميذ ويصحح لهم، وبدأ المعلم الاهتمام بالتلميذ النابغة، وختم الشافعي القرآن وكان يبلغ من العمر سبع سنين، واتفق المعلم مع الشافعي على ألا يأخذ منه الأجرة مقابل أن يكون مكانه بعد أن ينصرف أو يتغيب، فرجع الشافعي يقول لأمه ما حدث، فضحكت الأم وقالت: ألم أقل لك.

فعلمتنا أم الشافعي ألا يستصغر أحد نفسه ما دام على الحق، وأن العلم بكتاب الله يرفع شأن أي إنسان مهما كانت قوته.

فلنربي أبناءنا على قصص وسير الصالحين ونربيهم بالقدوة الحسنة وقدوتنا الأولى هو النبي صلى الله عليه وسلم.