أولويات في تربية الأبناء

نهى عزت

  • 63

ربما أصبح العالم الآن في أزهى عصور التقدم والانفتاح والتكنولوجيا التي تجذب الكثير من الناس، بل ربما قد ينجرف إليها كثير من فئات المجتمع لمواكبة التطور الحادث، والاستفادة من الكم الهائل من هذا التقدم.

لكن ثمة أمور غابت وتاهت وسط هذا الانفتاح الذي لم يقيد بقيد الشرع والعدل والحق، هناك أُسر ألقت أبناءها في أحضان هذا المسمى بالتقدم حتى يكونوا في مقدمة الصفوف، لكن للأسف تناست أن تحصنهم بالحصن المتين المنيع.

فمثلًا الأم التي تكابد من أجل أبنائها وتفوقهم الدراسي ووصولهم إلى القمة، وتظل تلهث حتى تصل بهم إلى أعلى الوجاهة المجتمعية غير عابئة ولا مهتمة بتحصيلهم الشرعي، وتقويم سلوكهم الأخلاقي والتربوي الذي هو الأساس ونفعه متعدٍ للمجتمع الذي يحيا فيه، أما الذي ترنو للوصول إليه ما هو إلا نفع قاصر على أولادها وبناتها وقد يصيب وقد يخطئ، فقد تُعطل حلقات حفظهم لكتاب الله في أوقات الدراسة حتى لا تؤثر على أوقاتهم وتحصيلهم متحججة أن القرآن يحتاج إلى وقت وجهد وتركيز، وما هي إلا حجج واهية تُصبر بها نفسها حتى تخلع عنها عباءة الذم والتوبيخ والمسؤولية، وتعطي فضلة أوقاتهم بعد المذاكرة واللعب للقرآن وتعليم أمور دينهم إن تبقى لهم وقت.

ناهيك عن تعليمهم آداب وأخلاقيات التعامل مع من حولهم، وتجنيبهم مصاحبة أهل السوء والتعلق بالقدوات التافهة، وتقويم سلوكهم، ومتابعة عباداتهم وتعويدهم عليها.

فمهمة الآباء مع الأبناء في الصغر هي حسن التنشئة والتربية، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهمية متابعة الطفل وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، حتى وهو في سن مبكرة.. ومن ذلك نصيحته لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قائلًا: يا غلام احفظ الله يحفظك ..."، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك..."

 ومن ذلك أمره عليه الصلاة والسلام: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع..

ربما قد يغفل الآباء عن هذه التوجيهات ويعتبرونها أمورًا جانبية لكن في حقيقة الأمر هي أهم ما يجب متابعته وتوجيهه والحرص عليه فالوالدين راعيين على أولادهما ومسؤولين مسؤولية تامة عن رعايتهم وتوجيههم.

وبعده لا بأس من الحفاظ على تقدمهم العلمي والثقافي والرياضي بل النبوغ فيه، فالمسلم يجب أن يكون قويًا نابغًا شامة في كل المجالات، لكن ليحرص أولًا ويراعي الأولويات التي تعينه على استكمال مسيرته بوعي وفهم للواقع الذي يحياه، وتحديد هدفه، ومعرفة الواجب عليه أولًا وتوجيه حياته قلبًا وقالبا لله وحده، فهذا هو تحقيق العبودية الواجب تحقيقه وعدم الإغفال عنه في كل وقت وحين.

ومما يُعين على تربية الأبناء في ظل هذه الأحداث والفتن أن يدرك الآباء أن معاناتهم مع أبنائهم من أبواب الجهاد والطاعة لله سبحانه، وما يلاقيانه من جهد وعناء لا يضيع عند الله، ولهذا جاء عن بعض السلف: إن من الذنوب ما لا يكفره إلا همّ الأولاد. فإذا عرف الإنسان هذا هان عليه الأمر وعلم أنه في عبادة يؤجر عليها كما يؤجر على سائر العبادات، ولا نغفل عظم شأن الدعاء لهم بالهداية والصلاح والفلاح فدعوة الآباء لأبنائهم مستجابة بإذن الله تعالى، نسأل الله أن يربي لنا أبناءنا ويعيننا على تنشئتهم تنشئة سليمة وأن يقينا وإياهم شر الفتن.