تقرير | هل ينتصر "الشيوخ" لحقوق الوالدين من عقوق الأبناء؟

  • 69
بر الوالدين

كُلنا يعلم حقوق الوالدين، فهما كنز وهبه الله للإنسان، لكن للأسف الشديد كثير منا لا يدرك قيمة هذا الكنز إلا بعد وفاتهما، لا سيما أن الأب والأم اللذين ضحا بكل ما هو غالٍ ونفيس في سبيل إسعادنا وتوفير كل احتياجاتنا في الصِغر وحتى في مرحلة الشباب، وبعد كل هذا نجد من يسُبّ ويشتم؛ بل ويضرب والديه على مرأى ومسمع من الجميع؛ الأمر الذي قابله مجلس الشورى بمشروع قانون يُغلظ عقوبة عقوق الوالدين، وهو ما رحب به سياسيون وعلماء دين.

وشهدت الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، التي عُقدت برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، لمناقشة مشروع مقدم من الحكومة بإصدار قانون تغليظ عقوبة عقوق الوالدين وحقوق المسنين، بجانب مشروع قانون مقدم من النائب عبد الهادي القصبي وأكثر من 60 برلمانيًا في الشأن ذاته.

من جهته، وصف النائب محمد عبد العليم الشيخ، مشروع القانون، بأنه قانون الوفاء، مشددًا على أهمية تشديد عقوبة عقوق الوالدين، خاصة أنه أمر جلل وخطير.

ولفت الشيخ إلى الجهد المبذول من جانب مجلس الشيوخ منذ نشأته، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، الذي ناقش عددًا كبيرًا من التشريعات التي تأتي في صالح المواطن، قائلًا: «أرجو أن يصل ذلك لأذن وعين المواطن المصري، فهذا المجلس هو قلب وعقل الدولة المصرية».

 بدوره، أكد النائب أبو سريع إمام، أهمية مشروع القانون، مطالبًا بزيادة دور المسنين المجانية، مشيرًا إلى أن حجم دور الضيافة والمسنين يقدر بنحو 77، منهم 16 فقط مجانيًا على مستوى الجمهورية .

وأكدت اللجنة المشتركة من لجنة حقوق الإنسان والتضامن، ومكاتب لجان الصحة والسكان والشباب والرياضة والتعليم والبحث العلمي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والشئون المالية والاقتصادية والاستثمار والشئون التشريعية والدستورية- في تقريرها أن مشروع القانون خطوة جادة من أجل الإسهام فى دعم ورعاية حقوق المسنين، وتقديم الكثير من المزايا لهم، والعمل على توفير كل أوجه الرعاية الاجتماعية.

 الأزهر: ذنب عظيم يستوجب أشدّ أنواع العقاب يُعجل الله به في الدنيا قبل الآخرة

في هذا الصدد، أكد الدكتور عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ورد في الصحيح: «ذكر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الكبائرَ، أو سُئلَ عن الكبائرِ؟ فقال: الشركُ باللهِ، وقتلُ النفسِ، وعقوقُ الوالديْن».

وأضاف الأطرش في تصريحات لـ «الفتح»: أن عقوق الوالدين يعد جريمة لا تغتفر تستوجب المعاقبة الشديدة، إن لم يتب صاحبها في حياة والديه، كما أنها من الجرائم التي يُعجل بها الله لصاحبها في الدنيا إن شاء قبل الآخرة.

وتابع رئيس لجنة الفتوى الأسبق: «كما حذر النبي من أكبر الكبائر؛ لقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أَمَّهُ».

وأشار إلى أن مشروع قانون عقوق الوالدين جيد من نوعه، لا سيما في زمن تطاول الأبناء فيه على الآباء بشتى الأشكال والصور المخزية، مؤكدًا أنه حتى قبل هذا القانون كان القاضي لا يتعاطف مع ولد عاقّ شكاه أبواه أو أحدهما، كما أن إقرار القانون يحفظ حقوق الوالدين من بطش بعض الأبناء.

 «الدعوة السلفية»: العقوق جريمة نكراء.. والتربية الدينية أساس التنشئة السليمة

 من جهته، رحب الشيخ عادل نصر، متحدث الدعوة السلفية، بمشروع القانون الذي يُجرم عقوق الوالدين، لافتًا إلى أن المولى -سبحانه وتعالى- قرن حقه بحقوق الوالدين، مستشهدًا بقول الله عز وجل: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا».

وأضاف «نصر» في حديثه لـ «الفتح»: كما حذر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من عقوق الآباء، وإن كان الأبُ كافرًا، فهي جريمة نكراء، لافتًا إلى أن ما يحدث من قتل وسبّ من الأبناء نتيجة عدم التربية الدينية السليمة والصحيحة، والتوعية الإسلامية؛ لذا فخروج تشريع بهذا الشكل سيواجه ظاهرة عقوق الوالدين في زمنٍ استشرى فيه الاعتداء على الآباء.

وتابع: أن هناك أبناء لا يطيقون وجود آبائهم في حيواتهم، ويذهبون بهم إلى دار المُسنين، وكأن هذا هو ردّ الجميل لهم بعد تربيتهم وتعليمهم وعنايتهم وسهرهم بهم، حيث تناسوا هؤلاء العاقين قول الله عز وجل: {ولا تقلّ لهما أفٍ ولا تنهرهُما وقلّ لَهما قولا كريما}.

وأوضح أن هناك حالات تطاول فيها الأبناء على الآباء بشكل فجّ، حيث تحول الأمر من السبّ والشتم إلى الضرب والإهانة، مضيفًا أنه يجب على المشرّع في هذه الحالة أن يعاقب ويعذر، كما يجب أن تكون مرجعيّة منصوص عليها في الدستور لحفظ مكانة الآباء الذين كرمهم المولى من فوق سبع سماوات.

وأشار الشيخ عادل نصر إلى أنه كما للآباء حقوق، فُرضت عليهم أيضًا واجبات بحق الأبناء، مشيرًا إلى أن بعض الآباء يعقون أبناءهم قبل أن يعاقوا، وهو ألا يقوم الأبّ بتربية ولده التربية الإسلامية، وذلك من خلال أمور مثل حفظ القرآن وما تيسر له من الأحاديث والسننّ، وعدم اختيار الزوجة أو الأم المناسبة الصالحة لتكون أمًّا لأبنائه، فكل هذه أمور يجب أن يعيها الوالد جيدًا حتى لا يعق أبناءه كما يعقونه.