• الرئيسية
  • الأخبار
  • تقرير | من يسيطر على الممرات المائية.. حرب القواعد والموانئ البحرية تستعر في القرن الأفريقي

تقرير | من يسيطر على الممرات المائية.. حرب القواعد والموانئ البحرية تستعر في القرن الأفريقي

جيبوتي تعيش على إيجارات القواعد العسكرية لعشرات الدول على أرضيها

  • 6421
أرشيفية

معركة القواعد العسكرية وحرب الموانئ البحرية تستعر في القرن الأفريقي 

هيمنة إماراتية.. وصراع مسلح بين موسكو وواشنطن وبكين على ثروات القرن الأفريقي 

جيبوتي تعيش على إيجارات القواعد العسكرية لعشرات الدول على أرضيها

كتب- عمرو حسن

لطالما كانت القارة السمراء منجم احتياجات العالم من المواد الخام والمتطلبات الصناعية والزراعية والمائية، ومنبع خير وكفاية لحاجات أهلها والغرباء عنها أيضًا، وكان لكثرة الثروات والمُقدرات بكافة أنواعها عامل أساسي في أن تتجه أعين الطامعين نحو أفريقيا، وبدلًا من مشاركة أهلها في تنمية إنتاج أراضيها ليسود النفع الجميع، سعى الغرب للسيطرة على خيراتها والاستحواذ على مواردها، والاستئثار بنعيمها، ولذا انقض المستعمرون عليها منذ قرون مرارًا لإخضاعها واقتناص ثرائها، إلا أن جبالها القاسية وأراضيها الخصبة ومياهها الجارية، وحرارتها الحارقة، وشعوبها الأبية كانت سدًا منيعًا تحطمت عليه قوى الشر.

ومنطقة القرن الأفريقي أحد أهم وأكبر مناطق أفريقيا ثراءً من حيث موقعه ونفوذه وموارده وسماته الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية، ودائمًا ما كانت منطقة القرن الأفريقي ولاتزال صاحبة النصيب الأكبر في محاولات السيطرة عليه أو وضع موطئ قدم فيه مقارنة بكل مناطق القارة.

ما هو القرن الأفريقي؟

القرن الأفريقي هو مجموعة من الدول تقع على رأس مضيق باب المندب، وتقدر مساحته بحوالي ثلاثة أرباع مليون ميل مربع، وفي شماله البحر الأحمر وجنوبه المُحيط الهندي، ويضمّ 5 دول هي الصومال، جيبوتي وإرتيريا، وكينيا والسودان، وتشترك هذه الدول في عدة مُنظّمات، هي جامعة الدّول العربيّة، وتجمع دول السّاحِل والصحراء، والسّوق المُشترك لشرق وجنوب أفريقيا والهيئة الحكوميّة للتّنميَة.

أهمية القرن الأفريقي 

تتسم منطقة القرن الإفريقي بموقع استراتيجي هام، ووفرة الموارد الاقتصادية، وتعد مدخلًا مباشرًا لقلب قارة أفريقيا من ناحية الشرق، وعن طريق موانيه وقواعده البحرية تتم كافة المعاملات التجارية، كما أن القرن الأفريقي يطل على عدة ممرات مائية فائقة الأهمية الاستراتيجية حيث تمر منها الممرات المائية لكل التجارة العالمية وهي البحر الأحمر والمحيط الهندي بما فيه مضيق باب المندب وكذلك قربه من قناة السويس في الشمال وطريق رأس الرجاء الصالح في الشمال.

كما أن القرن الأفريقي بها كافة المواد الخام وخاصة النفيسة منها، ويقع القرن الأفريقي بالقارة التي تحمل في باطنها غذاء العالم في المستقبل، وبها كافة المعادن والمواد الاستراتيجية كالذهب الأصفر والأسود، واليورانيوم في إقليم دارفور بالسودان، ولعل على رأس ذلك وفرة المياه التي تعد أهم مورد للإنسان في الماضي والحاضر والمستقبل، وبالقرب من القرن الأفريقي دول الجزيرة العربية التي تعج بمخزون العالم من النفط والغاز الطبيعي، وهو ممر لكل التحركات العسكرية والأمنية.

نزاعات على القرن الأفريقي

تتنازع عدة دول وقوى عالمية وإقليمية للفوز بمنطقة القرن الأفريقي والهيمنة عليها، ولعل أبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية التي توحشت على العالم عندما خرجت من عزلتها عام 1918لتعاقب العالم على ضرب اليابان لميناء بيرل هاربر الأمريكي، وواشنطن أول من أرست قواعدها البرية والبحرية بمنطقة القرن الأفريقي بحاملات الطائرات والمقاتلات، واتخذت منها منطقة نفوذ على مدار عقود، ومنذ بدايات القرن الواحد العشرين دخلت الصين كلاعب رئيس وأساسي في منطقة القرن الأفريقي والقارة الأفريقية كاملة، وأرست جذورًا قوية في إثيوبيا والصومال وجيبوتي، وبعدها دخلت كل من روسيا وتركيا وإيران والاحتلال الصهيوني والإمارات وإثيوبيا.

صراع صيني روسي أمريكي على منطقة القرن الأفريقي

الولايات المتحدة الأمريكية

رغم أن أمريكا سبقت الجميع في الوجود بمنطقة القرن الأفريقي، إلا أن الصين استطاعت في سنوات قليلة التغلغل بقوة في أفريقيا، وخاصة منطقة القرن الأفريقي، ومن بعدها روسيا، أما واشنطن فتمتلك أكبر قاعدة عسكرية بالقرن الإفريقي، وتحديدًا في جيبوتي، حيث يوجد ما يقرب من 10 آلاف فرد من المارينز الأمريكي، كما تمتلك قواعد عسكرية سريّة في دول القرن الأفريقي، حيث توجد في كينيا قاعدتان بحريتان، هما مومباسا ونابلوك، وفي إثيوبيا توجد قاعدة أربا مينش الجوية للطائرات بدون طيار منذ عام 2011م، ومهمتها الاستطلاع والتجسس في شرق أفريقيا، وتجري أمريكا مناورات عسكرية متتالية في القرن الأفريقي.

التمدد الصيني

استغلت الصين انشغال الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب بعد أحداث 11سبتمبر، والحرب في أفغانستان والعراق، واقتحمت القارة الأفريقية، ليس فقط بالقوات العسكرية والمدمرات البرية والبحرية وحاملات الطائرات، بل بالمدنيين والمشروعات والاستثمارات الاقتصادية، واستخدام التكنولوجيا في التغلغل في أراضي الدول الإفريقية وتقديم المساعادات للعديد من الدول، وعلى رأسها دول القرن الأفريقي، ومنها جيبوتي. 
وأنشأت قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي الصيني في جيبوتي، هي قاعدة عسكرية تابعة للبحرية الصينية، بقوة عسكرية تصل إلى 10 آلاف جندي، وقامت الشركات الصينية المملوكة للدولة ببناء 100 ميناء تجاري حول أفريقيا، واليوم يدرس أكثر من 80.000 طالب أفريقي في الصين، كما أن الصين أضحت أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وبلغت قيمة التجارة المباشرة بين الطرفين في 2019 أكثر من 200 مليار دولار، وفقا للأرقام الصينية الرسمية، وباتت تتحكم في كثير من الموانئ والقواعد البحرية في منطقة القرن الأفريقي.

روسيا وحلم الاتحاد السوفيتي

بعد أحداث الربيع العربي، هرعت روسيا لحجز نصيب يضاهي حجم قوتها العسكرية والاقتصادية والجغرافية، ويتناسب مع تاريخ القطب السوفيتي القديم، وكانت البداية في سوريا، وبعدما تمكنت من المطارات والموانئ السورية ومياه الشرق الأوسط الدافئة، سارعت لاختراق منطقة القرن الأفريقي، وعقدت 21 اتفاقية عسكرية مع عدد من دول أفريقيا، بجانب الاتفاقيات الاقتصادية. 

كما شرعت في إقامة قواعد عسكرية في ست دول إفريقية بينها السودان وإريتريا وموزمبيق ومدغشقر وإفريقيا الوسطى، وأعلن بوتين بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، تحقيق استراتيجية "التحوّل" باتجاه آسيا وأفريقيا، كما وصل التعاون التجاري بين روسيا ودول أفريقيا، 20 مليار دولار عام 2018.

قوى إقليمية تحلم بدور في القرن الأفريقي

إيران والاحتلال وأديس أبابا

تعد طهران إحدى القوى الإقليمية التي تسعى كل حين للوجود في القرن الأفريقي لتضييق الخناق على دول الخليج ودعم الحوثيين وتنفيذ وتصدير ثورة الملالي الشيعية، وأنشأت إيران قاعدة عسكرية في إريتريا، وهي المجموعة 41 بحرية التابعة للجيش الإيراني، وتتكون من الفرقاطة لافان، والمدمرة "الأدميرال نقدي"، وسفينة "تنب"، وثلاث غواصات.

ومن تلك القوى الاحتلال الصهيوني الذي قدم المساعدات بكافة أشكالها لدول القرن الأفريقي وأقام علاقات سياسية وعسكرية مع إريتريا وأثيوبيا التي دعمها الاحتلال في إقامة السدود المائية على نهر النيل لتقليل حصة مصر وخاصة سد النهضة، وأنشأ الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية بإريتريا وقاعدة بحرية في ميناء مصوع وقاعدة تنصت استخباراتية، ومحطة لتشغيل الغواصات المزودة بالصواريخ النووية.

إثيوبيا تنظر لمنطقة القرن الأفريقي فرصة لفتح منافذ لها على الممرات والموانئ البحرية، لأنها دولة حبيسة لا تطل على بحار، كما أنها ترى في نفسها أقوى دولة مجاورة لحدود دول القرن الأفريقي، ولذلك تتواجد عسكريًا في الصومال وكينيا.

السعودية والإمارات

والمملكة العربية السعودية ليست بعيدة عن تطلعات القوى الإقليمية التي تستهدف منطقة القرن الأفريقي، ولهذا تبني قاعدة عسكرية في جيبوتي، حيث إن منطقة القرن الأفريقي أحد مناطق الأمن القومي الخليجي، والتي تهدد الملاحة في الخليج والممرات المائية حوله، ولاستخدامها أيضًا في حرب اليمن ضد الحوثيين. 

الإمارات والهيمنة على القرن الأفريقي

تمتلك الإمارات قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية في الصومال وجيبوتي وإريتريا، بالإضافة لبناء العديد من المدرجات والموانئ في تلك الدول وعدة قواعد بحرية وجهاز استخبارات وأمن وطني في الصومال، بالإضافة لقواتها وقواعدها العسكرية في اليمن.
أنشأت الإمارات قاعدتين جويتين في جزيرة ميون وذباب، وتبني قاعدة جوية بإريتريا، تمتلك الإمارات قاعدة عسكرية واسعة في جزيرة قرب، وبنت مدرج بطول 3200م على جزيرة ميون في باب المندب وتربط بين اليمن وجيبوتي، بجانب قواعد عسكرية وقوات برية إماراتية في عدن ومأرب.

بالإضافة للوجود العسكري في عدن وشبوة وحضرموت والمهرة، وتطور العلاقات الصومالية الإماراتية، تمتلك الإمارات قاعدة عسكرية ومركزًا قتاليًا، يتألف من سربين من دبابات القتال الرئيسة، وكتيبة من عربات القتال، وبطاريات من مدافع الهاوتزر G6، ومجموعة طائرات قيادة العمليات الخاصة من طراز شينوك، بلاك هوك، وطائرات الهليكوبتر بيل سيفن، وطائرات مقاتلة من طراز ميراج 2000.

تركيا ودول أوروبا

فرنسا تمتلك أقدم قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وهي قاعدة "فورس فرانسيس جيبوت"، وبها 900 جندي، أما تركيا فتملك أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في الصومال، بجانب وجودها في السودان، والاتحاد الأوربي ترتكز قواته في جيبوتي بمشاركة ثماني دول هي: ألمانيا، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، اليونان، هولندا، بريطانيا، السويد؛ بهدف تطويق جرائم القراصنة في مضيق باب المندب، ومراقبة حركة الملاحة، تمتلك اليابان قاعدة عسكرية بحرية في جيبوتي، وتحتوي القاعدة على ميناء دائم ومطار لإقلاع وهبوط طائرات الاستطلاع اليابانية، وتضم 600 جندي.

ثروات منطقة القرن الأفريقي

القرن الأفريقي زاخر بالثروات الطبيعية، فهو يحتفظ بداخله بـ22% من احتياطي الغاز والنفط في العالم، و25% من احتياطي الذهب، و80% من البلاتين، إضافة إلى نحو نصف احتياطي العالم من الألماس، حلقة الربط المائية بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وطريق التجارة النفطية بين مناطق الاستخراج ومناطق الاستهلاك، ويمر عبره نهر النيل.

تلك الثروات والخيرات التي تفيض من منطقة القرن الأفريقي، كانت دافعًا قويًا لشحذ حماس القوى العالمية والإقليمية، التي تزيد قواها وقواعدها البحرية والجوية حول منطقة القرن الأفريقي وعلى الموانئ المطلة عليه يومًا بعد الآخر، وتطمع كل منها في السيطرة عليه، وهذا التنافس يشير إلى صراع غير مضمون العواقب والنتائج، ويؤكد بشكل حتمي أن القرن الأفريقي بؤرة ملتهبة لحرب عالمية قد تكون عظيمة الخسائر.