ضحية كل 40 ثانية.. "الانتحار" ظاهرة تحتاج إلى حل عاجل

  • 767

في لحظة من الزمن قد يرى شخص أنه لا يقوى على مواجهة ضغوطات الحياة ولا مشاكلها، فيوسوس له الشيطان بالهروب من تلك المشاكل عن طريق قتل نفسه أو بالأحرى الانتحار، بأي وسيلة كانت.

الانتحار بالأرقام

تشير لغة الأرقام إلى أن الانتحار -حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية- يودي بحياة 700 ألف شخص سنوياً على مستوى العالم، بواقع حالة واحدة كل 40 ثانية، هذا فيما يخص محاولات الانتحار التي تنتهي بالموت، بينما يزداد العدد أضعافًا مضاعفة إذا ما احتُسبت المحاولات التي يتم إنقاذها.

حسب الإحصائية، فإن الانتحار هو السبب الرابع الذي يؤدي إلى الوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عامًا عالمياً.

الانتحار في مصر

وتشير الأرقام إلى أن مصر تحتل المرتبة الأولى عربيًا في معدلات الانتحار، وحيث سجلت في عام 2019م وحدها نحو 3022 منتحرًا، حسب منظمة الصحة العالمية.

فيما شككت المؤسسات المصرية المعنية في صحة تلك الإحصاءات، مؤكدة أن تلك الأرقام غير دقيقة، وأن آخر إحصائية رسمية في هذا الشأن كانت في العام 2018م، وأن نسبة الانتحار كانت خلال هذا العام هي 1.29 شخصًا لكل 100 ألف نسمة من سكان مصر.

تحرك برلماني

ومؤخرا، شهد مجلس النواب تقديم عدد من البرلمانيين مقترحات بتشريعات للحد من ظاهرة الانتحار، حيث دعت تلك المقترحات إلى تعديل قانون العقوبات وإضافة مادة تنص على معاقبة كل من أقدم على محاولة الانتحار، وأن تكون العقوبة هي الإيداع بأحد مراكز الصحة النفسية –التي تنُشأ لاحقا وتتبع وزارة العدل- فترة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد عن 3 سنوات.

كما طالب برلمانيون بوضع قواعد وضوابط مشددة لبيع حبة الغلة السامة بعد استخدامها في العديد من حالات الانتحار، منها عدم بيع هذه الحبة للأطفال، وتسجيل بيانات من يشتريها.

عجز وليس حلًا

من جانبها، أعربت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، عن أنها تعارض التحركات والمقترحات البرلمانية الداعية لمعاقبة كل من فكر أو أقدم على الانتحار، معربة عن تعجبها من التفكير في عقاب هؤلاء الأشخاص لمجرد أنهم فقدوا الأمل أو عجزوا عن مواجهة الضغوط.

وقالت خضر في تصريحات لـ "الفتح" إن الأجدر بالقائمين على الأمر أن يفكروا في إصلاح البيئة الإعلامية والمجتمعية حيث تساهم مع الأسرة في احتضان شبابها، متسائلة كيف يمكن لمشكلة أو خلاف بين أسرة وبين أحد أبنائها أن تؤدي إلى حرمان الأسرة من نجلها طوال هذه المدة؟! واصفة ذلك بأنه عجز وليس حلًا.

وعن كيفية الحد من ظاهرة الانتحار، ترى أستاذ علم الاجتماع أن الحد من الظاهرة لا يستوجب معاقبة الشخص الذي فكر في الانتحار، بل من خلال إصلاح البيئة المجتمعية من حولنا.

كما ترى خضر أن تعامل الأسرة الجيد مع الأبناء يكون سببًا في الحد من ظاهرة الانتحار، موضحة أن الأبناء في حاجة إلى من يستمع إليهم، لا أن يمثلوا عبئًا عليهم، مشيرة إلى أن بعض أولياء الأمور لا يتوافر لديهم الوعي الكافي للتعامل مع أبنائهم، ولا يعرفون سوى الصراخ والاحتداد عليهم.

وأشارت إلى أن الدولة كانت فيما مضى تبث برامج تربوية بهدف توعية الأسر ومساعدتهم في تربية الأبناء، مطالبة بعودة هذا الدور للدولة وللإعلام، أما البرامج النسوية الحالية التي يصدرها وتتبناها القنوات الخاصة فهي تضر أكثر مما تنفع.

الموقف القانوني من الانتحار

وقال طارق نجيدة، الخبير الدستوري، إنه علي الرغم من أن حالات الانتحار في مصر محدودة ولا تمثل ظاهرة اجتماعية، إلا أن الدور التشريعي يجب أن يتلمس الظواهر الغريبة على المجتمع ويتصدي لمعالجتها بوضع القواعد والأحكام المناسبة.

بينما يرى نجيدة أن مشروع القانون والمقترحات في البرلمان قد تكون متناقضة مع بعضها البعض. وأن المشكلة في المقترح الذي تقدم به النواب أنه يتصدى للانتحار باعتباره جريمة يتم العقاب عليها، بل طالب بإضافته إلى قانون العقوبات، وجعل العقوبة في صورة الإيداع بمصحة نفسية لمدة تتراوح من 3 أشهر إلى 3 سنوات.

وأشار نجيدة إلى أن هذه النقطة سالفة الذكر، جعلت الأمر متعارضًا، وأن الأمر يحمل تناقضًا منهجيًا، موضحًا أنه إذا تم اعتبار أن الانتحار مرض يحتاج إلى معالجة، فلا يصح أن يكون العلاج عقابًا في نفس الوقت، أو أن يكون استخدام المصحات النفسية أداة لتوقيع العقاب على المرضى.

وأوضح نجيدة أن من يقدم على الانتحار قد فشل في مواجهة مصاعب الحياة وصدماتها، ومن ثم فإن الانتحار هو أمر نفسي يصل إلى درجة المرض، مؤكدًا أن تصدي الدستور والقانون لحالات الانتحار هو أمر مقبول وواجب أيضا.

ورفض نجيدة أن يتحول العلاج إلى عقاب، مؤكدًا أن هذا يعتبر معالجة خطيرة ومرفوضة للمرض، كما أن هذا الأسلوب ستكون له تبعات على أداء المصحات النفسية لعملها بصفة عامة، نظرًا لأن المقترح يعتبر أن المصحات النفسية مكانًا للعقاب.