لماذا تتصارع روسيا وفرنسا على مالي؟

  • 38

لماذا تتصارع روسيا وفرنسا على مالي؟

غرب إفريقيا.. أرض الثروات والسوق الكبير والموقع الفريد

"فاجنر" ذراع بوتين للعودة إلى القارة السمراء

أوروبا تعاقب "ماباكو" لتقاربها مع موسكو

والأفارقة يفرون من رمضاء فرنسا إلى نار روسيا

تقرير- شريف ربيع

قارة إفريقيا دائمًا وأبدًا أرض صراعات ونفوذ بين القوى الكبرى، يتكالبون عليها من أجل ثرواتها مهما كانت ادعاءاتهم المعلنة، ومن ذلك ما يحدث واضحًا للعيان بين روسيا وفرنسا على أراضي مالي، بعد تزايد نفوذ موسكو في مناطق نفوذ باريس في جنوب الصحراء، لا سيما مع إخفاق فرنسا في إيجاد حلول لأزمات مالي؛ تجلت معلم التصارع عقب تنديد 15 دولة غربية بقيادة فرنسا بنشر روسيا عناصر من قوات "فاجنر" في مالي ودعمها ماديًّا.

من جهتها، تنفي مالي بقيادة العقيد أسيمي جويتا رئيس المرحلة الانتقالية، أي وجود لقوات "فاجنر" داخل البلاد، لكن كل الدلائل تؤكد وجود عناصر من تلك القوات داخل مالي؛ فقد أعلنت موسكو سابقًا أن مالي طلبت دعمًا عسكريًّا من شركات روسية، إضافة إلى وجود عمليات مناوبة جوية متكررة بواسطة طائرات نقل عسكرية روسية داخل مالي، بجانب وجود منشآت في مطار باماكو تتيح استقبال عدد كبير من هذه القوات.

البداية وما تريده روسيا

تعاني دولة مالي من وجود عمليات إرهابية مسلحة منذ عام 2012م، تنفذها جماعات مسلحة محلية وعابرة للحدود، بدأ العنف في شمال مالي ثم امتد ووصل إلى وسط البلاد، ومنها انتقل إلى دولتي بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين؛ ونتج عن ذلك قتل آلاف المدنيين والجنود من الجيوش الإفريقية ونزوح مئات الآلاف.

سابقًا كان الاتحاد السوفيتي ذا تأثير داخل القارة السمراء من خلال دعم الحركات المناهضة للاحتلال الغربي حينذاك، لكن بعد سقوطه تلاشى هذا النفوذ داخل القارة كثيرًا، حتى أدرك فلاديمير بوتين الرئيس الروسي الحالي ذلك التراجع لبلاده بالابتعاد عن إفريقيا وتركها للقوى الغربية وعلى رأسها غريمته التقليدية أمريكا؛ وأعلن بوتين أن قارة إفريقيا إحدى أولويات السياسة الخارجية لبلاده.

من هذا المنطلق تسعى موسكو لتعزيز وجودها في مالي على اعتبار أنها بوابة أخرى بعد إفريقيا الوسطى لتكريس نفوذها داخل منطقتي الساحل والصحراء؛ ويتم ذلك عبر بناء علاقات قوية مع القيادة الحالية لماباكو، وعقد الصفقات العسكرية، بجانب إعداد جيل جديد من القادة والعملاء السريين، إضافة إلى منافسة الغرب في منطقة الساحل ومحاولة إبعاده عنها، وبدأت تظهر نتائج ذلك التوجه عن طريق إعلان فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى بأنه سيكون هناك ثمن للدعم الأمني والاقتصادي إذا حاولت ماباكو الاتفاق مع قوات "فاجنر" من أجل ذلك الغرض.

دولة مالي مهمة بالنسبة لروسيا بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي كمفترق طرق يربط بين الأقاليم الخمسة للقارة الإفريقية؛ وهذا سوف يُمكن موسكو من بناء علاقات جيدة مع دول المنطقة؛ ما يضمن الحصول على دعم أكبر على المستوى الدولي في مواجهة العقوبات الغربية، علاوة على الاستفادة من فرص الاستثمار الاقتصادي المتاحة في منطقة الساحل الإفريقي، وفتح أسواق جديدة لتوسيع نطاق المبيعات العسكرية.

على الجانب الآخر، ترى دول القارة أن روسيا يمكنها استغلال وضعها باعتبارها إحدى الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، ولديها حق "الفيتو"؛ لتأييد قرار العقوبات على بعض الدول أو رفضها، ومساعدتها في التصدي لأعمال العنف التي تقوم بها الجماعات المسلحة المتطرفة.

أوجه الصراع

يلقى الوجود الفرنسي في مالي رفضًا شعبيًّا كبيرًا، وقد عبّر المواطنون عن ذلك من خلال المظاهرات المتعددة، متهمةً باريس بعدم تحقيق أي نجاح في مواجهة أعمال العنف، بل كانت مُحفزًا لعنف الجماعات المسلحة المتطرفة، إضافة إلى تاريخ احتلال فرنسا لمالي الذي لا يغيب عن وجدان الشعب المالي.

في حين يلقى الوجود الروسي في مالي ترحيبًا من البعض، خصوصًا أن روسيا لم تحتل مالي سابقًا، حتى أنه خلال بعض المظاهرات رُفع العلم الروسي، إضافة إلى إدارة باريس الصراع داخل مالي حسب مصالحها السياسية والاقتصادية، ومعارضتها الدائمة إجراء مفاوضات مع الجماعات المسلحة، وهو خيار يُفضله بعض الماليين، ولا يتعارض أيضًا مع استراتيجية موسكو. وبدورها تتهم فرنسا روسيا بتأليب الشعب المالي عليها، وهناك تقارير تشير إلى إيعاز المسؤولين الروس صحفيي مالي لكتابة مقالات معادية لفرنسا، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في بعث ذكريات الاحتلال الفرنسي لمالي وما خلفه من آثار سلبية.

استقرار مالي

يُرجَّح ازدياد تنافس موسكو وباريس خلال الفترة المقبلة في باماكو، ووسط تعارض مصالح البلدين الذي لا يستهدف بالطبع مصالح الشعب المالي؛ فإن الماليين سوف يعانون من قطع المساعدات الدولية التي تقدمها فرنسا وأمريكا، بجانب استمرار تعليق عضويتها في المنظمات القارية كـ "الاتحاد الإفريقي"، بجانب وجود قوات "فاجنر" داخل مالي؛ ما ينتج عنه كثير من الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان ضد المدنيين، مثلما حدث في إفريقيا الوسطى، واتهام هيئة الأمم المتحدة تلك القوات بانتهاكات ضد المدنيين وأفعال تنافي حقوق الإنسان.

التنافس بين الدولتين سيكون له تأثير على الانتخابات المقبلة في مالي؛ من خلال دعم فرنسا إجراء الانتخابات في موعدها، وسعيها لإزاحة العقيد أسيمي جويتا والإتيان بحكومة مدنية موالية له، وعلى الجانب الآخر تدعم روسيا بقاء العقيد أسيمي جويتا كرئيس انتقالي لمالي، ومساندته حال اتخاذ قرار بتأجيل الانتخابات؛ ما سيزيد عدم الاستقرار السياسي داخل البلاد، ويعطي فرصة أكبر للجماعات المسلحة المتطرفة للتمدد والسيطرة على مناطق جديدة.