بعد تأزم الموقف بين "الناتو" وروسيا.. هل تشهد الأراضي الأوكرانية حربا عالمية ثالثة؟

  • 81
صورة أرشيفية معبرة

منذ عام 1945م والعالم أجمع يبتعد قدر استطاعته عن نشوب حرب عالمية ثالثة؛ بسبب ما خلفته الحربان السابقتان من دمار وموت، حتى رغم ما نشاهده من سباق تسلح محموم، لكنه دومًا محدود بسقف الترهيب وتسيير المصالح فقط وَفْقَ سياسة القوى العظمى، ولم تجرؤ أي دولة حتى اليوم على توجيه تلك الأسلحة الفتاكة ضد دولة أخرى؛ لأنها تعلم عاقبة ذلك.. لكن تلوح في الأفق أزمة خطيرة بين قطبي العالم أمريكا –ومن خلفها حلف شمال الأطلسي- وروسيا بسبب النزاع حول أوكرانيا وما يتعلق بها.

 

سبب الأزمة

السبب في ذلك أن روسيا طلبت من حلف شمال شمال الأطلسي (الناتو) طلبين: إلغاء بيانه الصادر عام 2008م بخصوص انضمام أوكرانيا وجورجيا وفنلندا له، وتعهد أمريكا وحلفائها في الحلف بتقديم تأكيدات قانونية ملزمة بعدم نشر أسلحة حول حدود، وكذلك الانتشار العسكري شرقًا (في جمهوريات سوفياتية سابقة انضمت للحلف بعد الحرب الباردة)؛ لأن موسكو تعد ذلك تهديدًا واضحًا لها ولمصالحها. لكن في الوقت ذاته القيادة الروسية تعلم بعدم وجود فرصة حقيقية لدى "الناتو" للاستجابة لمطالبها؛ لأن ذلك يعني تنازلًا كبيرًا للغاية لن يُقدم عليه الحلف.

في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في "الناتو" في أمس الحاجة إلى احتواء روسيا القوية، وخفض مستوى التصعيد معها، وتقديم تطمينات لها، وليس الأمر جديدًا فقد فعله قبل ذلك الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، الذي أكد للروس وقتذاك مراعاته مصالح بلادهم الجيوسياسية في المنطقة. بالإضافة إلى أهمية التوازن الدقيق بين القوة وخفض التصعيد لإقناع موسكو بأن التعاون بينها وبين الحلف فيما يخص الشأن الأمني لجميع الدول سيكون في مصلحتها كذلك وليس حلف شمال الأطلسي فقط.

 

ماذا يريد "الناتو"؟

على الجانب الآخر، يريد الحلف تعهد روسيا بعدم غزو أوكرانيا، وسحب تعزيزاتها العسكرية على الحدود الأوكرانية التي فاقت 100 ألف جندي.. لكن المقلق حقًّا أنه خلال يوم الأربعاء الماضي في أول اجتماع منذ سنوات فشل حلف شمال الأطلسي وروسيا في حل الخلافات بينهما أو حتى مجرد تقريب وجهات النظر، وواجهت واشنطن وحلفاؤها عقبات خلال المحادثات مع موسكو في مقر حلف الناتو بـ"بروكسل" التي أقيمت من أجل تجنب نزاع جديد في أوكرانيا، وعبَّر "الناتو" عن رفض دول الحلف مطالب روسيا الخاصة بوجود نظام أمن جديد في أوروبا، وذلك على لسان ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف. استمر الاجتماع لمدة 4 ساعات تقريبًا بين الحلف و"ألكسندر غروشكو" مساعد وزير الخارجية الروسي، لكن لم يصلوا إلى حل بسبب وجود اختلافات أساسية بين الحلفاء وروسيا حول الوضع في أوكرانيا وشرق أوروبا.

وعقب الاجتماع، أكد "ستولتنبرج" استحالة موافقة أعضاء الحلف البالغ عددهم 30 دولة على المطالب الجوهرية لروسيا، مشددًا على أنه ليس من حق أو قدرة موسكو تعطيل انضمام أوكرانيا المحتمل لـ"الناتو" في أي وقت. منوهًا بأن أوكرانيا دولة ذات سيادة ولها حق الدفاع عن نفسها، ولا تمثل تهديدًا لروسيا، بل إن موسكو هي التي تعتدي عليها عن طريق التلويح باستخدام القوة وحشد تعزيزات عسكرية ضخمة على حدودها منذ شهر نوفمبر الماضي، بل والاستمرار في هذا التصعيد عسكريًّا وإعلاميًّا.

 

هل اقتربت الحرب؟

 من جهتها، تنفي موسكو رغم كل تلك الحشود العسكرية نيتها لمهاجمة كييف، لكنها قالت إنها سوف تتخذ إجراءً عسكريًّا -لم تحدده- إذا لم تُقبل مطالبها. وقال سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي يوم الجمعة الماضي إن بلاده تتمنى استئناف المحادثات الأمنية مع أمريكا لكن هذا يعتمد على رد واشنطن بخصوص مطالبها (كأنه يناور أمريكا ويرمي الكرة في ملعبها). مؤكدًا أن بلاده لن تقبل ظهور حلف "الناتو" على حدوده مباشرة خاصةً مع نهج قيادة أوكرانيا الحالية المعارضة لروسيا.

بينما ترى واشنطن أن تهديدات موسكو مجرد ثرثرة تغطي بها على الانتهاكات التي تقترفها بشان معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، التي كانت تحظر على روسيا وأمريكا -على حد سواء- نشر صواريخ أرضية قصيرة ومتوسطة المدى في أوروبا. مع ذلك تُؤخذ التصريحات الروسية على محمل الجد، لا سيما أنها الأولى من نوعها خلال الأزمة الحالية؛ علاوة على أن التحذيرات من الانتشار العسكري الروسي المحتمل في "كوبا" و"فنزويلا" كشف مدى قوة نفوذ موسكو الكبير والتاريخي في هذين البلدين، أضف إلى ذلك التاريخ الطويل لـ"هافانا" في دعم موسكو، ولا ننسى أنها كانت شريكًا مهمًّا لها خلال حربها الباردة مع غريمتها التقليدية أمريكا. وقد وجد الرئيس بويتن في فنزويلا أيضًا حليفًا آخر يعادي الغرب ويشتري السلاح الروسي بشغف، بما في ذلك طائرات "سوخوي" المقاتلة المتطورة، إضافة إلى أن موسكو نشرت مستشارين عسكريين وفنيين لها في فنزويلا.

ومما زاد قلق العالم من احتمال نشوب الحرب، الاضطرابات في أسواق المال الروسية نتيجة فشل المحادثات بينها وبين حلف شمال الأطلسي؛ إذ فقد "الروبل" الروسي نحو 2.6% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي، الذي وصل إلى 76.5 روبل، علاوة على تعرض الأسهم والسندات الروسية للضغط والاضطراب بعدما كانت السوق تتجاهل المفاوضات في البداية. ورغم وجود أمل –ولو ضعيف- في إنجاح المفاوضات، لكن سيناريو الحرب غير مستبعد؛ فروسيا على أهبة الاستعداد للحرب، ومن المرجح أن يواصل فلاديمير بوتين الضغط على الغرب بكل ثقله لمعرفة ما إذا كان باستطاعته تخويف حلف "الناتو" وأوكرانيا والحصول منهم على تنازلات تحقق طموحات بلاده، وفي المقابل يرفض الحلف الانصياع أو إظهار الضعف أمام موسكو، ويتمسك بحقه في ضم أوكرانيا وغيرها من الدول في أي وقت؛ لذلك فالحرب غير مستبعدة، وإذا حدثت ستنطلق من أوكرانيا وقد تجر العالم أجمع نحو هوة الحرب العالمية، وربما تكون محدودة النطاق.