أنا وحماتي

صفية محمود

  • 112

يكفي أن تُشِير إليها زوجة ابنها لتُعَرِّف بها صديقتها أو جارتها، هذه "فلانة حماتي" لتحضر إلى مخيلة الصديقة والجارة سلسلة قصصية من كيد النساء، والحرب الباردة، والصراع على مناطق النفوذ.

وهي قضية تمثل -للأسف- دليلَ نجاح للإعلام المُغرض وشهادة لا تقديرية في  زرع فكرة تغلغلت في عقولنا كلنا؛ حتى كادت تكون جزءًا من ثقافة الناس وتندراتهم ونكاتهم الساخرة، لا يخلو منها جمعٌ يتحدث، ولا مجلة ولا فتاوى أو شكاوى، سواء من الرجال أو النساء! حتى المُقبلات على الزواج يضعن في شروطهن بنودًا تخص الحماة، فيبدأ عش الزوجية وفي رأس الزوجة الصغيرة رصيد جاهز مُتَحَسِب من الظنون، وربما يصل عند البعض لليقين أن أفعال وأقوال أم الزوج كلها تحتها خطوط حمراء مثيرة للتوجس، ولو بدا أنها أفعال بريئة فلابد أن خلفها أمورًا مريبة لا تسلم  أبدًا من تهمة، فلابد من حذر.

وبالمثل الزوج في الغالب لديه فكرة مُعَلَّبة أن حماته خطر بالغ على بيته يجب الحذر منه، وهذا التحسب والتحفز والتهم الاستباقية، تفسد تلقائية الحياة، والاستمتاع بالعلاقات الطيبة، وهي مما لا يوجد له مسوغ شرعي تُبْنى عليه الأحكام، ولكي تكون حياتنا آمنة ترضي الله أولًا ثم يأمن فيها الشريك والجار والأصهار، دع عنك ما يُشاع وما يقال، وتلك الثقافة المعلبة التي تشبه في ضررها الوجبات المعلبة، يزعمون أن بها موادًا حافظة وهي التي يأتي منها الضرر العظيم، فقيل إن منها مُسَمِمًا ومُسَرْطِنًا ومُمْرِضًا بالعموم، علمه الآن وأشفق منه طُلَّاب الصحة، ونادوا بالعودة إلى الطبيعة مائة بالمائة.

وأكثر من المعلبات الغذائية ضررا أن تستخدم هذه المعلبات الثقافية مشبوهة المصدر لتسمم حياتنا الأسرية، ورابطة الصهر التي جعلها الله من النعم كالنسبِ، ومظهرًا من مظاهر قدرته، فقال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْـمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} الفرقان(54)، ثم بعد أن نترك ما يُشاع وما يُراد بنا لإفساد العلاقات وتفتتيت الروابط ، هل من عودة لإصلاح ذات بيننا!

فإن كنتِ حماةً وهذا فضل من الله ونعمة أن يزوج الله بناتك وأولادك ويجد كل منهم سكناً من أنفسهم، فاشكري الله أولا وكوني أمًّا للكل، وكما تعودتِ حمل هنَّات أبنائك وبناتك فزوج ابنتك ما هو إلا ابن لك ومَحْرَم لك مثلهم، وموضع سر ابنتك بينهما موثق غليظ، ونجاحه معها نجاح لحياة ابنتك، فسانديهم ورممي بناءهم وتحملي زوجها كما تتحملى بناتك، ولا تكوني من المطففين تهوني خطأها وتعظمي أخطاءه، ولا يكن تدخلك بينهما إلا إصلاحًا يُرضي الله.

وأما زوجة ابنك، فهي ابنتك الجديدة وأم أحفادك الصغار، تلك التي تحتمل عنك هموم ولدك حين صار زوجها، همومه ومطالبه التي أرهقتك أيامًا، منامه ومواعيده وطعامه وشرابه وملبسه، ووقت غيظه وهمه وكدره، فإنها تستحق شكرك ومعونتك ولو بالنصح والدعاء.

فلتشعريها بلطف الأم وحنوها، ولتعذري ما علق بنفوس أزواج بناتك وزوجات أبنائك الشباب من الرجال ونساء من تلك الثقافة المريضة التي تُبث إليهم ليل نهار، ولتغفري بعض أخطاء الصغار في مقتبل حياتهم، فكلنا يتعثر في ثوب الحياة الزوجية الجديدة حتى نعتاد السير فيه، وما ذِكرُ المرأة العاقلة "أمامة بنت الحارث" منا ببعيد، والعجب أنها امرأة جاهلية، بلغت من العقل مبلغًا ومن الوفاء رتبة عالية، فكيف بك وأنت بنت الإسلام وحاملة لواء الدعوة؟

وقد اشتهر عن أمامة أنها نصحت ابنتها ليلة زواجها بعشر خصال لتراعي حق زوجها، وهي حماته كأنها في ثوب أمه التي أنجبته ترعى حقه وتطالب ابنتها به،  فكانت صاحبة الكلمة الخالدة "كوني له أمة يكن لك عبدًا وشيكا"، وتلك النصائح الباقية لها منذ قالتها تقتدي بها النساء لتقويم حياتهن مع أزواجهن، وبقية الوصية التي تقطر وفاءً وحبًا، ولم تقل لابنتها كما تفعل الحماة الحديثة المبرمجة من الإعلام   وهي تنصح ابنتها "قصقصي ريشه" أو تلك التي تنصح ابنها "اذبح لها القطة."