بعد زيارة المبعوث الأممي.. نزاع الصحراء الغربية ينتظر حلًا

  • 47
صورة أرشيفية معبرة

لا تزال أزمة الصحراء الغربية -التي تحتلها إسبانيا- تلقي بظلالها على الواقع السياسي في المنطقة، وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية لحل النزاع في ضوء رؤيتها للموقف المعترف بمغربية الصحراء ودعمها لمبدأ الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، بل يجعله أساس التفاوض في تلك المسألة، بجانب موقف إسبانيا التي تهتم بالحفاظ على مصالحها مع جميع أطراف النزاع.

ومنذ أيام قليلة، اتفق أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس على توحيد الجهود لحل النزاع في منطقة الصحراء الغربية، وهو النزاع الذي وصفه الوزير الإسباني بطول الأمد الذي يتطلب التوصل إلى حل سياسي نهائي وعاجل ومقبول من كل الأطراف برعاية هيئة الأمم المتحدة. 

التوجه الأمريكي 

ويأتى التوجه الأمريكي - الإسباني بعد تطورات مهمة تشهدها مشكلة الصحراء، ويأتي ذلك في سياق "جيوستراتيجي" مهم عقب الزيارة الإقليمية الأولى التي أجراها ستيفن دي ميتسورا، المبعوث الأممي إلى الصحراء، والتي شملت (المغرب، والجزائر، وجبهة البوليساريو، وموريتانيا)، واستمع خلالها لوجهات نظر جميع الأطراف، لاسيما في ضوء رغبة فيليب السادس ملك إسبانيا في تدعيم العلاقات الإسبانية - المغربية؛ لأنه يرى أهمية ذلك. 

ويمكن رؤية مخرجات اجتماع وزير الخارجية الأمريكي بنظيره الإسباني بنظرة إيجابية؛ على اعتبار أنها أكدت ضرورة تكثيف الجهود لحل هذا النزاع، خاصة أن أمريكا فتحت مجال المفاوضات مع قوى دولية أخرى على غرار إسبانيا، وهي أكثر البلدان المعنية بالتوازن الأمني بمنطقة شمال أفريقيا؛ وبِناءً عليه يمكن قول إن واشنطن تبحث عن شركاء فاعلين مثل مدريد للضغط بهدف حل مشكلة الصحراء، واللقاء بين وزيري الخارجيتين الأمريكي والإسباني ربما يتيح المجال لحشد مزيد من الدعم لحل القضية.

هذا، إضافة إلى أن الجولة الأخيرة للمبعوث الأممي في المنطقة تعد جسَّ نبض لجميع الأطراف المعنية بالمسألة، لكن لا يمكن ربطها مباشرة بزيارة وزير الخارجية الإسباني لأمريكا، وربما تكون زيارة "دي ميستورا"  بوصلة للمحادثات الثنائية بين وزيري الخارجية لكن دون الخروج عن الإطار الاستراتيجي الأمريكي الذي يعترف بمغربية الصحراء في المنطقة، بجانب سعي مدريد للضغط على واشنطن لإثنائها عن هذا القرار.

الدبلوماسية الكلاسيكية

ورغم ذلك فإن الإعلان الأمريكي/الإسباني لا يعدو أن يكون مجرد إعلان دبلوماسي ولا يمثل تقدمًا سياسيًّا، وموقف واشنطن ومدريد الجديد الداعي إلى أهمية توحيد الجهود لإيجاد حل للنزاع يدور في نطاق المواقف الدبلوماسية الكلاسيكية للتعاون الثنائي بين البلدين؛ وهذا لأن إسبانيا –حتى تلك اللحظة- لا تزال تتشبث بخطاب سياسي غير محدد ولا واضح فيما يخص أخذ موقف عملي حازم ومسؤول تجاه هذا الملف الذي تتحمل مسؤوليته السياسية والتاريخية؛ لأنها المحتل القديم للمنطقة ولديها كل تفاصيل هذه القضية.

فترة صعبة

من جهتها، تريد أمريكا الحفاظ على مصالحها، وفي الوقت ذاته تحاول إقناع إسبانيا بالضغط على الجزائر، كي تعدل عن قرارها الرافض للمشاركة في أي مفاوضات تخص تلك القضية، ورغم اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء، فذلك لا يعني أن الأمور تسير في الطريق القويم؛ لأن الولايات المتحدة لا تريد فقدان شركائها مثل الجزائر، فواشنطن ومدريد وسط ظرف حاسم يتطلب مواقف عملية جريئة لحل الصراع وليس العمل بمبدأ إمساك العصا من المنتصف، بل يتطلب الأمر الضغط على بعض القوى الفاعلة في الأزمة؛ لذلك أعتقد أن أمريكا فطنت إلى ضرورة هذا التوجه فقررت تسخير إسبانيا للضغط على الجزائر كي تقنعها بالمشاركة في المفاوضات، وربما يكون ذلك بداية عملية لموقف أمريكي أكثر وضوحًا، وقد تظهر اللقاءات المقبلة مع قوى عظمى أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وغيرهما مدى جدية أمريكا في حل المشكلة.

قلق إسباني

وعلى الجانب الآخر، ترغب إسبانيا في الحفاظ على كل مكاسبها الدبلوماسية والاستراتيجية في المنطقة، وهي قلقة من اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء؛ لذلك تحاول جاهدة عبر استخدام جميع أوراقها السياسية لجعل أمريكا تتراجع عن هذا الرأي؛ لأنه لا يخدم الأجندة المدريدية الدبلوماسية والسياسية والاستراتيجية؛ على اعتبار أن هذا الاعتراف يعد ضغطًا كبيرًا على إدارتها من أجل الخروج من منطقة التردد الدبلوماسي والسياسي، ويحملها المسؤولية التاريخية والسياسية تجاه هذا النزاع المفتعل منذ أمد بعيد يرجع إلى ما قبل عام 1975م من القرن الماضي، علاوة على أن هذا الاعتراف يعد ضغطًا كبيرًا على الحكومة الإسبانية من أجل تبني موقف أكثر عملية فيما يتعلق باحتلالها تلك المنطقة من الصحراء.