من يدرك اللاجئين.. ملايين السوريين يعيشون مأساة بين الأمطار والثلوج

مخيمات مهترئة وصقيع قارس وموت الأطفال والرضع جراء البرد

  • 277
اللاجئين السوريين

في مخيمات مهترئة لا تقي برد الشتاء ولا تخفف من حر الصيف، يعيش ملايين اللاجئين السوريين على حدود دول عربية عدة في درجات حرارة منخفضة للغاية، وأجواء تسودها الأمطار الغزيرة والثلوج والصقيع القارس، سنوات من المعاناة التي مات خلالها مئات السوريين في مقدمتهم الأطفال والرضع متجمدين من البرد ونقص الطعام والغذاء والدواء، وانعدام كل سبل الحياة الطبيعية.

نفس الظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون، يعانيها ملايين النازحين من السوريين في الداخل، بعدما هاجروا من بيوتهم رغمًا عنهم بسبب القصف والعدوان، فمن يحمي اللاجئين والنازحين السوريين من مأساة الشتاء كل عام، وينقذ الأطفال من الموت سنويًا جراء البرد في أكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم المعاصر.

فقد حذّرت منظمة "كير" من عواصف الشتاء في المنطقة وتأثيرها على اللاجئين والنازحين السوريين، وفي مقدمتهم السوريون في تركيا بسبب أحوال الطقس البارد للغاية على الحدود السورية التركية، ويوجد أكثر من 6.7 مليون نازح في داخل سوريا، و6.8 مليون لاجئ يعيشون في البلدان المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، حيث يعيش معظم النازحين في خيام ومبانٍ غير مكتملة.

أعربت منظمة "أنقذوا الأطفال" الإنسانية عن صدمتها بنبأ وفاة طفلتين في مخيمات النازحين السوريين في ريف إدلب "بسبب البرد القارس"، مؤكدة أن "موت الأطفال بردا أمر مرفوض".

وقالت مديرة مكتب الاستجابة بفرع المنظمة في سوريا سونيا كوش: "صدمنا بشدة لنبأ وفاة طفلتين تبلغ إحداهما (7 أيام من العمر) فيما عمر الثانية شهران فقط في خيمة بريف إدلب بسبب البرد القارس"، وأضافت: "في كل شتاء، يضطر الأطفال النازحون وأسرهم في هذه المنطقة لتحمل درجات حرارة لا يمكن تصورها بدون ملابس ملائمة وطعام وتدفئة لحمايتهم".

قال طبيب ومنظمة مراقبة للحرب، إن طقس الشتاء القارس في شمال غربي سوريا أدى إلى مقتل رضيعتين في مخيمين منفصلين للنازحين، واجتاحت درجات حرارة قياسية وعواصف ثلجية غزيرة معظم أنحاء الشرق الأوسط، في الأسابيع الأخيرة.

وقد أصاب البرد والثلج الكثير من الفقراء السوريين واللبنانيين بشدة. وتوفي طفل واحد على الأقل بسبب قسوة البرد في لبنان، وفي شمال غربي سوريا، يمثل النساء والأطفال 80 بالمئة من النازحين في مخيمات مكتظة غير رسمية، وفقا للجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة مساعدات إنسانية.

وأكد الدكتور مازن التلاوي، المدير الطبي لمستشفى الرحمن التخصصي بقرية حرنبوش في إدلب، وفاة رضيعتين من مخيمين قريبين للنازحين، وتم نقل فاطمة محمد المحمود، عمرها سبعة أيام فقط، من مخيم الليث إلى المستشفى الساعة الثانية صباحا، وكانت "أطرافها باردة، ولم تكن مستجيبة لمحاولة الإنقاذ"، حسبما صرح التلاوي لأسوشيتيد برس عبر الهاتف.

وحذّرت الأمم المتحدة، من أنّ النازحين في شمال غرب سوريا يواجهون ظروفاً شتوية كارثية، داعية الأسرة الدولية لاتخاذ مزيد من الخطوات لحمايتهم، وقال مارك كاتس، نائب المنسق الإقليمي لسوريا في دائرة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، خلال اتصال بالفيديو مع صحفيين في نيويورك: "لا ينبغي أن يعيش أحد في هذه الظروف" و"هذا غير مقبول".

وأضاف: "نشعر بقلق كبير" على النازحين في هذه المنطقة وعددهم 2.8 مليون. ويعيش معظمهم في خيام لا تصمد أمام الثلوج. وتتساقط أمطار غزيرة في مناطق أخرى تسجل درجات حرارة متدنية جدًا، ويستحق هؤلاء الحصول على "ملاجئ أفضل"، وشدد المسؤول الأممي على أن "هذه منطقة منكوبة حقا"، داعياً "المجتمع الدولي لبذل المزيد من الجهود"، وقال إن الأمم المتحدة طلبت العام الماضي أكثر من 4 مليارات دولار لتقديم مساعدات إنسانية في سوريا، لكنها جمعت 45 بالمئة فقط من هذا المبلغ.

وأضاف أنه بسبب نقص المعدات المناسبة يتم رفع الثلوج يدويًا، واعتبر أنه من الضروري استبدال الخيام بملاجئ صلبة، ومحافظة إدلب في شمال غرب سوريا التي يقيم فيها 2.8 مليون شخص، آخر معقل للمعارضة خارج سيطرة دمشق، وتمرّ المساعدات الإنسانية التي تصلهم بشكل أساسي عبر الحدود بين تركيا وسوريا بموجب تفويض خاص من الأمم المتحدة يسمح بتجنب الحصول على إذن من دمشق وينتهي العمل به في يوليو.

وفي ذلك السياق قال تيسير النجار الكاتب والسياسي السوري، إنَّ الشتاء تأتي على اللاجئين السوريين سنويًا منذ هروبهم من جحيم بشار الأسد، كالصاعقة على أجسادهم وكارثة لا مفر منها، مضيفًا أن الأمطار والثلوج والسيول على الحدود الأردنية والتركية والعراقية واللبنانية تغرق الخيام ويزيلوها وأن العواصف تخلع الخيام من مكانها.

وأكد رئيس هيئة اللاجئين بالقاهرة، في تصريحات لـ"الفتح"، أنَّ طبيعة المنطقة التي يعيش بها اللاجئون داخل المخيمات على ضفاف البحر المتوسط منخفضة الحرارة وتشهد أمطارًا غزيرة ورياحا وعواصف ثلجية تطيح بالمخيمات، مثل العواصف الأخيرة التي ضربت كل مواقع اللاجئين وعانت منها أوروبا في نفس التوقيت.

وأوضح النجار أن اللاجئين يواجهون الطقس البارد والصقيع المميت وحدهم، مشيرًا إلى مئات الأطفال الذين ماتوا جراء الأمطار والثلوج والبرد في مخيمات اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط بمرور السنوات.

ونوه الكاتب السوري إلى صمت حكومات العالم والمجتمع الدولي على تلك المأساة، لافتًا إلى أنهم يتركون الأزمة للمنظمات الإغاثية التي لا تملك إلا سبل وأدوات ضعيفة لا تعين اللاجئين.

وشدد النجار، على أنَّ فصل الشتاء يحتاج لتجهيزات للمواطنين الذين يعيشون داخل بيوتهم في أوطانهم ليواجهوا البرد، فما بالنا بملايين اللاجئين يعيشون في العراء، دون وسائل تدفئة أو وقود، أو جدران تحميهم من البرد، أو بطاطين، أو ملابس شتوية ثقيلة لأطفالهم.

 واتهم النجار المشرفين على المخيمات وخاصة في لبنان والأردن بالفساد، وأنَّهم يسرقون الأموال التي تأتي من الأمم المتحدة للاجئين، ويتركون اللاجئين يواجهون الأمطار والثلوج ونقص الوقود والغذاء كل عام.

قال محمد سليمان الكاتب الإعلامي السوري، إنَّ معاناة اللاجئين كبيرة للغاية خاصة على حدود الأردن ولبنان، وأنَّ الحكومات تتاجر بمعاناة اللاجئين، وتأخذ مساعدات مالية من دول أوروبا والأمم المتحدة بحجة أنَّ تلك الدول فقيرة وأوضاعها الاقتصادية ضعيفة، والغريب في الأمر أنَّ تلك الأموال لا تصل حقًا للاجئين. 

وأكد الإعلامي السوري، في تصريح خاص لـ"الفتح"، أن الحكومات تستفيد من أموال اللاجئين السوريين وتدع اللاجئين يواجهون المرض والجوع والبرد القارس والعواصف والثلوج، مما يزيد صعوبة أوضاعهم.

وأشار سليمان أنَّ اللاجئين السوريين في تركيا والأردن ولبنان يعيشون في مخيمات بها نقص في الغذاء ووسائل التدفئة والوقود، ويقوم الأطفال بدور عمال المخيمات لإزالة الثلوج من داخل المخيمات، وإصلاح الخيم.

 وأفاد الكاتب السوري بأن العواصف والثلوج والبرد الشديد يقتلوا أطفال اللاجئين، وأن الصقيع يزيد من نسب الأمراض بين الأطفال الذين يواجهون في الأصل ضعف التغذية والحرمان من سبل الحياة الطبيعية والأصدقاء والبعد عن الوطن.

وأوضح الإعلامي السوري، أنَّه بجانب لاجئي المخيمات يوجد لاجئين داخل المدن في الدول العربية يعيشون ظروفًا قاسية، تتمثل في مشاكل الإقامة والعمل والهرب من المواجهات مع رجال الأمن مما يصعب عليهم توفير احتياجاتهم، وعلى رأسهم لبنان.