"صافر".. قنبلة عائمة تهدد حياة اليمنيين وساحل البحر الأحمر وقناة السويس

الحوثيين يتخذوا السفينة سلاح لتهديد اليمن والمجتمع الدولي

  • 1365
السفينة صافر

"صافر".. قنبلة عائمة تهدد حياة اليمنيين وساحل البحر الأحمر وقناة السويس

التأكل والصدأ وتلف الأنابيب و1.1 مليون برميل نفط يهدد بانفجار السفينة أو تسرب النفط

الحوثيين يتخذون السفينة سلاح وورقة ضغط في مواجهة المجتمع الدولي

 

تقرير-  عمرو حسن

لم يكن الانقلاب على الشرعية اليمنية كافيًا للحوثيين، وتابعوا خطواتهم نحو هدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي كانت تشهده البلاد لأكثر من 7 سنوات متتالية، وسلب حقوق الشعب اليمني في عيش حياة هادئة تضمن سلامة المواطنين اليمنيين، وقتلوا الكبار والصغار، وجندوا الأطفال داخل الميليشيات ومنعوا التعليم، وسرقوا أموال البسطاء، ونشروا الأمراض حتى استوطن الوباء في أراضي اليمن ومات الألاف الأطفال بسبب الكوليرا والدفتيريا، حتى حول الحوثيين اليمن لأرض بالية ساد فيها الشر والفقر والجوع، بعدما كانت أرض التاريخ والحضارة والثروات، وقصة الناقلة اليابانية "صافر"، بيان واضح على الجرُم السافر الذي يمارسه مرتزقة طهران- الحوثيين- داخل اليمن.

ما هي السفينة "صافر"

بنيت السفينة صافر كناقلة نفط عملاقة في اليابان عام 1976 وكانت تسمى حينها Esso Japan "إيسو جابان"، وبعد النجاح في اكتشاف النفط في اليمن تم شراؤها من قبل الحكومة اليمنية وتحويلها إلى الخزان العائم "صافر"، وتم سحبها وتثبيتها على مسافة حوالي 8 كم في البحر قبالة منطقة رأس عيسى "الحديدة" في البحر الأحمر في منطقة يبلغ عمق البحر فيها إلى 40 متراً، وتم ربطها بخط أنبوب يمتد عبر الصحاري والجبال من حقول النفط في مأرب على بعد حوالي 430 كيلومتر، كان ذلك في العام 1986.

وأصبحت السفينة "صافر" منذ ذلك الوقت حتى اندلاع الحرب في مارس 2015، تستقبل على مدار الساعة النفط الخام المتدفق من حقول مأرب عبر خط الأنبوب ويتم تخزينه في خزاناتها البالغة 34 خزانا بسعة إجمالية حوالي 3 مليون برميل؛ ويتم ضخ النفط الخام منها إلى ناقلات النفط المختلفة المتوجهة إلى كل بقاع العالم والتي تأتي إلى الميناء النفطي "صافر" حسب جدولٍ محدد بالاتفاق مع وزارة النفط والشركاء الآخرين.

لماذا يخشى الجمع من كارثة

منذ العام 1986 لم يتم إدخال الخزان العائم "صافر" للصيانة في أحواض السفن وذلك لصعوبة عملية الصيانة، ولارتفاع التكلفة المادية وتوقف تصدير النفط اليمني، ولهذا السبب كان لزامًا على الشركة المشغلة -شركة هنت الأمريكية حتى 2005 ثم شركة "صافر" الوطنية- أن تعوض ذلك ببرنامج صيانة قاسٍ ومكلف، وذلك بالتعاقد مع الشركات المتخصصة في صيانة معدات الخزان العائم من غلايات وتوربينات ومضخات وأنظمة عدادات وغيرها، والإنفاق بسخاء على قطع الغيار من مصادرها الأصلية واستقطاب أفضل الخبرات الأجنبية.

توقف الصيانة

وبعد اندلاع الحرب في 2015، توقفت الشركات المتخصصة عن إرسال الخبراء وفرق الصيانة للفحوص اللازمة والصيانة، ونظرًا للحرب توقف انتاج شركة صافر من النفط الخام وبدأت الميزانية التشغيلية في التقلص وتدهور مستوى الصيانة بشكل كبير، ونفذ المازوت الذي كان عصب الحياة اللازم لتشغيل الغلايات لإنتاج البخار اللازم لتشغيل توربينات مولدات الكهرباء البخارية ومضخات التصدير البخارية ومعدات تحلية مياه البحر، كما توقف إنتاج الغاز الخامل "المأخوذ من عوادم الغلايات"، اللازم لتغطية النفط الخام داخل الخزانات لحمايته من خطر الاشتعال.

مرت أكثر من 7 سنوات على آخر مرة خضعت فيها ناقلة "صافر" لأدنى أعمال الصيانة، بينما يستمر هيكلها في التآكل جراء الملح والحرارة، ما أدى لحدوث تآكل في أحد الأنابيب؛ ومن ثم تأتي المخاوف من تسرب النفط الخام الى مياه البحر الأحمر، ووقوع كارثة بيئية قد تستمر لعشرات السنين، وكانت وثائق وصور حصلت عليها وكالة أسوشيتيد برس أظهرت أنَّ مياه البحر دخلت إلى حجرة محرك الناقلة، التي لم تتم صيانتها لأكثر من 7 سنوات، ما تسبب في تلف الأنابيب وزيادة خطر الغرق، كما كشفت أن الصدأ غطى أجزاء من الناقلة، وأدى إلى تسرب الغاز الخامل الذي يمنع الخزانات من تجميع الغازات القابلة للاشتعال، ونقلت عن خبراء قولهم إن صيانة السفينة لم تعد ممكنة لأن التلف لا يمكن إصلاحه.

عدة مخاطر

وتخشى الحكومة اليمنية والأمم المتحدة من بدء تسرب النفط الخام المتواجد بالخزان، الى مياه البحر الأحمر، بما يبلغ مليون و100 ألف برميل؛ ما يتسبب في كارثة بيئية غير مسبوقة، وفي حال حدوث تسرب أو غرق للخزان قبالة سواحل محافظة الحديدة، فستوجد خطورة كارثية محدقة وضرر غير مسبوق على الجوانب الإنسانية والبيئية والاقتصادية، وسيتسبب ذلك في انقراض أنواع بحرية لا توجد إلا في البحر الأحمر، مما يعني فقدانها إلى الأبد كجزء مهم من التراث الطبيعي الحي والثروة الجينية الهامة للعالم بالإضافة إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأخرى".

كما أنَّ آلاف الصيادين في اليمن سيفقدون مهنتهم حال وقعت الكارثة، بالإضافة لاختناق أعداد هائلة من الشعاب المرجانية في قاع البحر الأحمر نتيجة تسرب البقع الزيتية، فأكثر من 100 ألف أسرة تكسب قوتها من الصيد، كما أن هذا الخطر يهدد محطات تحلية المياه، التي غالبا ما تكون السبيل الوحيد للحصول على المياه الصالحة للشراب.

ووفق ما أفادت به منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي، في حوار لوكالة "فرانس برس" إذا تحطمت السفينة ستحدث كارثتان، كارثة بيئية لم يسبق لها مثيل، وكارثة إنسانية أخرى لأن النفط سيجعل ميناء الحديدة غير صالح للاستعمال".

لماذا يرفض الحوثيين إصلاح الناقلة

يستخدم الحوثين الخزان للضغط على الدولة لبيعه لصالحها فقط بما يزيد على 50 مليون دولار، من أجل الحصول على تمويلات جديدة، كما أصبحت الناقلة والمخاطر البيئية التي تشكلها بالنسبة لهم ورقة مساومة في أي مفاوضات محتملة يخوضونها، كما قال دبلوماسي غربي للوكالة في حينه إنهم يتعاملون مع السفينة على أنها "رادع كامتلاك سلاح نووي"، كما أضاف: "إنهم يقولون ذلك صراحة للأمم المتحدة، نود أن تكون تلك السفينة كسلاح ضد المجتمع الدولي إذا تعرضنا لهجوم ".

ويذكر أن كافة جهود الأمم المتحدة لحل تلك الأزمة باءت على مدى السنين الماضي بالفشل، إذ يرى بعض المحللين أن الحوثيين كانوا يطالبون في البداية بملايين الدولارات مقابل النفط المخزن في الناقلة، في حين حاولت الأمم المتحدة التوصل إلى ترتيب معين بحيث تستخدم تلك الأموال لدفع أجور العمال والموظفين في موانئ البحر الأحمر اليمنية، لكنها لم تنجح.

خزان الناقلة النفطية "صافر" والذي يرسو في ميناء رأس عيسي غرب اليمن، يحتوى على مليون ونصف برميل من النفط الخام، وقد تعرض للتآكل منذ أن وقع تحت سيطرة ميليشيات الحوثي، التي تمنع وصول الفريق الفني من الأمم المتحدة لصيانته؛ مما يُنذر بحدوث كارثة حقيقية.

صافر وقناة السويس

مصر واحدة من الدول التي سوف تتأثر في حال انفجار الخزان،  من المتوقع أن تتعطل حركة الملاحة في قناة السويس، كما سوف تتأثر مصر ومنطقة البحر الأحمر صحيًا واقتصاديًا وبيئيًا بصورة كبيرة؛ وفقًا للتقرير الصادر عن منظمة "غرينبيس" الدولية، الذي يحذر من أزمة إنسانية تُهدد حياة الملايين من الأشقاء في اليمن والمملكة العربية السعودية.

وأشارت الأمم المتحدة إلى "مناقشات إيجابية" مع السلطات الحكومية اليمنية والمتمردين الحوثيين من أجل إيجاد حل عاجل لهذه الناقلة المهجورة منذ سنوات وتجنّب تسرّب حمولتها إلى المياه ما من شأنه أن يتسبب بكارثة بيئية كبرى.

وأعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانيّة مارتن غريفيث، خلال اجتماع لمجلس الأمن، التوصل إلى "اتفاق مبدئي" لنقل حمولة الناقلة النفطية صافر المهجورة قابلة السواحل اليمنية إلى سفينة أخرى.

ويبقى التحرك لإفراغ السفينة من النفط رهن موافقة الحوثيين، على أمل إنقاذ الموقف وألا تتسبب صافر في إلحاق الضرر بالنظم البيئية للبحر الأحمر وإغلاق ميناء الحديدة لأشهر، وتعريض أكثر من 8,4 ملايين مواطن يمني وعربي لمستويات مرتفعة من التلوث.