كيف ينجو "غرب أفريقيا" من لعبة التوازنات الدولية؟

  • 38
صورة أرشيفية معبرة

منذ فترة ودول الساحل (إقليم غرب أفريقيا) تشهد حالة من المتغيرات المهمة على عدة مستويات سواء أكانت قطْرية أو محلية، بما يؤثر في الاستقرار والأمن داخل البلاد، ومنها ما يرتبط بالتجاذبات والتفاعلات الدولية من حولها؛ بمعنى أن هذا الإقليم يدخل ضمن لعبة توازنات دولية كبيرة تؤثر عليه في كل شيء.

والمتغيرات الحالية على المستوى الداخلي في هذا الإقليم ترتبط بعامل مشترك بين دوله؛ وهو وفرة الثروات الطبيعية لا سيما النفط والمعادن، ورغم ذلك تشترك تلك الدول كذلك في ضعف الاقتصادات؛ وهذا يعطي مؤشرًا رئيسًا على هشاشة تلك الدول، وضعف أنظمتها، إضافة إلى وجود شعوب تعاني من الفقر والجهل والمرض رغم توفر المواد الخام الطبيعية القادرة على تحسين أحوال تلك الدول.

تنامي التنظيمات المتطرفة

ووسط هذا الجو الملبد بالغيوم، تتنامى التنظيمات الإرهابية، خاصة مع وجود مخزون بشري يتفاعل معها يومًا بعد يوم جراء تلك الأوضاع التي تعد بيئة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة، لا سيما مع عدم الاستقرار السياسي داخل تلك البلاد؛ ما أدى إلى تنامي وتيرة الانقلابات التي تتعرض لها ويتفاعل معها الشباب؛ فخلال العام الماضي فقط حدث انقلابان في مالي، وآخر في غينيا (ورغم فشله لكنه مؤشر على عدم استقرار الأوضاع الداخلية)، وثالث في بوركينا فاسو.

التنافس الدولي

وهناك تنافس دولي حاد على دول الساحل؛ نابع من أهمية أفريقيا استراتيجيا بالنسبة للدول الكبرى بسبب موقعها الجغرافي المميز، بجانب وفرة ثرواتها الطبيعية؛ فقارة أفريقيا تمتلك 9% من الاحتياطات النفطية على مستوى عالم، وتنتج حاليًا 300 مليون برميل، ولديها 40% من احتياطات الذهب، وتنتج في الوقت الحالي 70% منه.

هذا، بالإضافة إلى الكتلة التصويتية الأفريقية الكبيرة في المنظمات الدولية كهيئة الأمم المتحدة؛ فالدول الأفريقية تمثل ربع الكتلة التصويتية فيها؛ ما يعني الإسهام بقوة في حسم أي قضية –بنسبة كبيرة- تتبناها تلك الدول، ومكسب كبير لأي دولة كبرى تسعى للحصول على أصواتهم، وقد حدث هذا في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وتصنيف إسرائيل كدولة عنصرية سابقًا، ثم إسقاط هذا التصنيف بالتزامن مع توغل دولة الكيان المحتل داخل القارة السمراء، وبناء علاقات قوية مع نحو 40 دولة أو أكثر على مختلف المستويات سواء سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو تكنولوجية. كذلك ما حدث منذ أيام ورفضوا منحها صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي.

والأكثر من ذلك أن تلك النسب من الثروات الطبيعية ستزداد مع مرور الأيام؛ لأن هناك أجزاءً كثيرة من القارة لم تشملها المسوحات الجيولوجية التي تكشف عن تلك الثروات؛ مما يعني زيادة التنافس والتصارع الدولي عليها، ويفسر لنا حالة انكباب الغرب عليها وسعي كل دولة منها لإيجاد موطء قدم لها في القارة الغنية بمواردها. وهذا يرجح أيضًا أن أفريقيا ستكون قبلة الصناعة في العالم مستقبلًا.

الطموحات الأفريقية

وسط تلك التجاذبات العالمية نرى أن طموح الدول الأفريقية يتمثل في الاستقرار والنمو؛ وهنا نرى دولًا كبرى تصدِّر نفسها على أنها الراعية للاستقرار في المنطقة، على سبيل المثال فرنسا وما تفعله في مالي، وادعائها محاربة الإرهاب والتطرف ومساعدة النظام على توفير الأمن لمواطنيه؛ وكان نتيجة تدخل فرنسا هشاشةً أكثر في البناء الداخلي لدول الإقليم، ولم تحقق باريس أي نجاح منذ نحو عقد كامل.

والأخطر من ذلك تدخلها عسكريًّا في تلك البلاد تحت ذريعة محاربة التطرف؛ فقد تورطت فرنسا في أفريقيا الوسطى بعملية "الفراشة الحمراء" عام 2013م، و"البرخان" في مالي خلال السنة نفسها، لكنها اضطرت للانسحاب من العمليتين السنة الماضية تحت ضغط فشلها الميداني الذي تمثل في قبولها دفع فديات للتنظيمات المسلحة المتطرفة كي تفرج عن محتجزين فرنسيين لديها.

الفشل الفرنسي

وهذا الفشل الفرنسي يرجع إلى تدخلها العسكري المباشر ضد تلك التنظيمات، وغاب عن عقل القادة الفرنسيين أن هذا ينمي فكرة المقاومة للأجنبي خاصةً أن تلك البلاد كانت محتلةً من فرنسا فترات طويلة من الزمن؛ ما يعني أن هناك حزازات نفسية لدى شعوب تلك المنطقة تجاهها؛ خصوصًا لو حدث ذلك مع دولة تغلب عليها ديانة غير المسيحية التي تدين بها فرنسا؛ وتلك هي المساحة الحرة التي تتحرك فيها التنظيمات الإرهابية مستغلة حالة التعاطف الديني الشعبي ضد فرنسا وغيرها.

 يُضاف إلى ذلك أن التدخل العسكري الفرنسي محفز لتجنيد مزيد من العناصر لدى التنظيمات المتطرفة؛ ما يفسر سبب ارتفاع قدرات التنظيمات المتطرفة يوما بعد يوم مثل "بوكو حرام"، التي انتشرت في خمس دول من إقليم غرب أفريقيا.

ولا ينبغي إغفال عدم رغبة فرنسا فعليًّا في تطوير قدرات جيوش تلك البلاد لمساعدتها ضد التنظيمات المتطرفة بحق كما تزعم؛ فهي تعلم يقينًا أن وجود جيوش قوية في تلك البلاد سيؤثر على مصالحها وأطماعها في المنطقة، ويحد من تدخلها في شؤونها؛ لأن وجود جيش قوي يعني وجود دولة متماسكة؛ وبالتالي دولة ذات سيادة لا تقبل فرض وصاية من أحد عليها.

وفوق ذلك كله، تنامي روح الاستقلال لدى القيادات الأفريقية الشابة الجديدة، التي ترى خطورة الدول المحتلة قديمًا في الصورة العسكرية التقليدية وحديثًا في صورة نهب الثروات والتدخل في شؤون البلاد؛ وهذا يوضح لنا لماذا انسحبت خمس دول من إقليم غرب أفريقيا منذ عامين من المنظومة المصرفية الفرنسية، وهي منظومة كانت تتعامل بالفرنك الأفريقي كآلية لممارسة استنزاف الثروات الأفريقية؛ كل ذلك يؤكد أن هناك تغيرات كبيرة تنتظر تلك الدول سواء داخليًّا أو خارجيًّا.