ألمانيا توقف "نورد ستريم 2".. وسوريا تدخل على خط المواجهة الروسية الغربية

  • 73
صورة أرشيفية معبرة

نعيش على وقع تبعات الأزمة الأوكرانية والصراع الدائر بين روسيا والغرب بسببها، ووسط تصاعد الأحداث تدرس موسكو جيدًا كل خطوة تخطوها ومستوى التصعيد مع الغرب، والخسائر والمكاسب، والبدائل المتاحة أمامها لتعويض الفاقد، خاصة أنها استوعبت الدرس جيدًا منذ اجتياحها شبه جزيرة القرم وسيطرتها عليها، وما حدث بعد ذلك من توقيع عقوبات اقتصادية عليها.

منذ ذلك الحين وبوتين يستعد تمامًا لأية عقوبات محتملة، ويعلم جيدًا متى وكيف ستُوقَّع على بلاده، ومن تلك العقوبات الغربية وقف خط الغاز الطبيعي الروسي "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا، الذي سيمد ألمانيا وأوروبا؛ وما كان يتحسب له فلاديمير بوتين حدث بالفعل فقد أعلنت برلين اليوم الثلاثاء تعليق إجراءات اعتماد خط الغاز، كنوع من الرد الأوروبي على إعلان روسيا استقلال منطقتي "دونيتسك" و"لوهانسك" عن أوكرانيا أمس.

تأثير القرار

جزء كبير من اقتصاد موسكو يعتمد على صادرات النفط والغاز، التي تمثل نحو 40% من الموازنة الفيدرالية الروسية، وتصل عائدات تصدير الغاز الروسي بنسبة 120% مقارنة بعام 2020م؛ لتصل إلى 55.5 مليار دولار. ويمكن أن ينتج "نورد ستريم 2" 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا، وسوف تمثل تلك النسبة أكثر من 50٪ من استهلاك ألمانيا السنوي، ويمكن أن تصل قيمته إلى 15 مليار دولار لشركة "جازبروم" التابعة للحكومة الروسية التي تتحكم في خط الأنابيب؛ بما يعني أن هذا القرار سيضر الاقتصاد الروسي، لكن في الوقت ذاته ستضرر ألمانيا كثيرًا منه، وليس ألمانيا فحسب بل أوروبا كلها؛ لأن حوالي 40% من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه الدول الغربية يأتيها من موسكو، وحوالي 30% من النفط الذي تحتاجه إليه أوروبا يأتيها أيضًا من روسيا.

ومعنى ذلك بالنسبة لأوروبا، زيادة كبيرة في أسعار النفط والغاز؛ سوف ينتج عنها ارتفاع أسعار السلع كافة؛ وبالتالي ستحدث قلاقل داخلية واحتجاجات على إثر ذلك.

أهمية سوريا

وبالنسبة لموسكو، فإنها أوجدت البديل من خلال الاتفاقية الاقتصادية مع الصين، والاتفاق على التعامل بالعملة الوطنية المحلية بينهما تحسبًا لتوقيع عقوبات "سويفت" الاقتصادية عليها، إضافة إلى سيطرتها على النفط والغاز في سوريا وليبيا، واتفاقاتها التجارية مع كازاخستان، وكذلك دعم بيلاروسيا لها، وتوغلها في أفريقيا عمومًا لا سيما مالي.

وفي الوقت نفسه تتخذ روسيا من سوريا موقعًا استراتيجيًّا مهمًّا في مواجهته لأمريكا والغرب فيما يخص الأزمة الأوكرانية إذا اشتعلت الأجواء ووصلت إلى حد المواجهة المسلحة؛ خاصة قواعدها في طرطوس واللاذقية على الساحل السوري، وقاعدة "حميميم"؛ ما يعني أن سوريا لم تعد فقط مسرحًا للصراع الغربي الروسي على إثبات الهيمنة والنفوذ، بل ستكون رأس الحربة في أي حرب روسية مع الغرب، خصوصًا أنها تعد بمثابة بوابة الشرق إلى أوروبا.

ويمكن النظر للمناورات العسكرية التي تجريها موسكو حاليًّا –في الفترة ما بين يومي 15: 25 فبراير الجاري- على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والتي اشتركت فيها أكثر من 140 قطعة بحرية، وحوالي 60 طائرة و1000 آلية عسكرية و15 سفينة حربية و10 آلاف جندي، بجانب مشاركة طائرات "ميج - 31"، وحاملة صواريخ "كينجال" فرط الصوتية المضادة لحاملات الطائرات، وقاذفات "تو-22 إم"- على أنها رسائل وإشارات تبعثها روسيا لأمريكا وحلفائها من الغرب وحلف "الناتو" بزيادة نطاق سيطرتها من البحر الأسود إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، ومدى هيمنتها ونفوذها المتناميين في تلك المنطقة خاصةً بعد وصول أكثر أنواع الأسلحة تطورًا إضافة للصواريخ الموجهة التي لا يمكن اعتراضها إلى قاعدة "حميميم" مؤخرًا؛ ما سوف يمثل تهديدًا كبيرًا لمواقع نفوذ الولايات المتحدةالأمريكية في شمال شرق سوريا، وكذلك الأهداف الأوروبية.

وتركز تلك التدريبات العسكرية على رصد غواصات العدو، وفرض السيطرة على الملاحية البحرية، وتنظيم عبور الطائرات، مع مشاركة مقاتلات "ميغ -31" وهذه المقاتلات قطعت مسافة 1500 ألف كيلومتر من قواعدها إلى قاعدة حميميم؛ وجاءت هذه التدريبات ردًّا على وجود مجموعة مقاتلات جوية تابعة لحلف شمال الأطلسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وإجراء تدريبات "نبتون سترايك 22" في البحر المتوسط التي شاركت فيها حاملة الطائرات الأمريكية  "هاري ترومان"، وإعلان الجيش الفرنسي إرساله حاملة الطائرات "شارل ديجول" التابعة له.

يبدو أن الحلول الدبلوماسية على وشك الوصول إلى طريق مسدود بين الطرفين، لكن ربما تلوِّح أمريكا بالورقة السورية ومقايضة روسيا عليها؛ بمعنى أن تترك موسكو دمشق في مقابل تبعية كييف لها تمامًا من الناحية السياسية، أو تنصاع للرغبات الروسية وتمنحها ضمانًا رسميًّا بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو" رغم صعوبة ذلك وعدم رجحانه، لكن حتى كتابة تلك الكلمات لم تُتخذ قرارات نهائية حاسمة بشأن الحرب أو عدمها لا سيما بعدما قلب بوتين الطاولة على رؤوس الغرب بإعلانه أمس استقلال "دونيتسك" و"لوهانسك".