زيادة الصراع الدولي على أفريقيا بسبب الأزمة الأوكرانية

  • 92
صورة أرشيفية معبرة

لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها على العالم أجمع، وتتوالى تطورات الوضع بمرور الوقت، خصوصًا في ظل موقف أوروبا الداعم لحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتقديم مختلف أنواع الدعم من علاج وغذاء، إضافة إلى الأسلحة المتعددة، ومحاولات عزل روسيا وإخراجها من النظام المالي العالمي "سويفت"؛ ما يعد بداية حرب اقتصادية شاملة.

وبطبيعة الحال فإن هذه الحرب سيكون لها تأثيرات على كثير من الأوضاع على مستوى العالم، تتمثل في الانعكاسات السياسية من خلال الاستقطاب وما يتبعه من ضغوط على بعض الدول، وخلافات كان أول مثال عليها ما حدث في مجلس الأمن منذ أيام حينما فشل في إيجاد موقف دولي موحد تجاه الأزمة الأوكرانية بعد أكثر من أسبوع على بدء العمل العسكري الروسي.

وتتمثل تلك التأثيرات في الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها العالم لا سيما الدول والشعوب الفقيرة في أفريقيا وآسيا وأوروبا نتيجة للأزمات المتوقعة بشأن توفر السلع الأساسية، خصوصًا مع التهديد الروسي باستخدام السلاح النووي ووضعه على أهبة الاستعداد؛ ما يجعل العالم كله يتوجس خيفة مما ينتظره من مصير مظلم إذا اتسع نطاق هذه الحرب.

القرن الأفريقي

منذ فترة طويلة وقارة أفريقيا خاصةً منطقة القرن الأفريقي –التي تشمل دول الصومال وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي- تمثل بؤرة كبيرة للصراع والتنافس بين الدول الغربية، ودخلت على الخط روسيا، وتعد تلك المنطقة ساحة للحرب الباردة الحديثة بين واشنطن وموسكو، وسط تبادل استهداف المصالح الاقتصادية والطرق الحيوية من كلا الطرفين؛ وهذا كله بسب موقع أفريقيا الجغرافي وما يتوافر بها من ثروات طبيعية.

ولقارة أفريقيا أهمية كبرى لدى روسيا خاصةً في ظل تطورات هجومها العسكري على أوكرانيا، وبالتزامن مع التنافس الدولي على تلك القارة، والحديث عن هذه الأزمة خصوصًا ما يتعلق بمنطقة القرن الأفريقي لا بد أن يشمل التنوع السكاني والثقافي والديني بين شعوب هذه المنطقة، وتاريخ العداء بين تلك الشعوب والدول الغربية التي احتلتها سابقًا.

والأزمة الأوكرانية الحالية إذا طال أمدها سينتج عنها استقطاب في أفريقيا ودول العالم الثالث كالذي حدث إبان الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا خلال القرن الماضي؛ أي أن ولاء الدول الأفريقية سوف ينقسم بين موسكو والغرب بقيادة واشنطن، والحرب الروسية الأوكرانية ستكون بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية؛ لما سوف تخلفه من آثار وتداعيات كبيرة على مستوى العالم

ورغم أن أفريقيا مسرح تنافس دولي منذ القدم فإن روسيا استطاعت في الآونة الأخيرة إحداث تغييرات حقيقية؛ فقد قللت من نفوذ فرنسا وبريطانيا (قطبي العالم قديما قبل ظهور أمريكا على الساحة الدولية)، وبدأت موسكو في بناء نفوذها الحديث في شرق وغرب ووسط أفريقيا معتمدة على علاقات سابقة لها إبَّان عهد الاتحاد السوفيتي، واستفادت كذلك من التمرد الأفريقي المتصاعد ضد الدول الأوروبية التي احتلت أفريقيا لعهود طويلة، وحالة الرفض الشعبي لدى أفريقيا تجاه تلك الدول؛ ومن ثَمَّ استطاعت موسكو إيجاد موطء قدم لها في تلك القارة.

زيادة التسابق الدولي

وسوف تؤدي تطورات الأزمة الأوكرانية الحالية إلى زيادة التسابق الدولي على القارة الأفريقية لا سيما منطقة القرن الأفريقي؛ لأن اهتمام روسيا بتلك المنطقة لا يتوقف فقط على البعد الاقتصادي وأنها تعد سوقًا واعدة لبيع السلاح، بل يتسع اهتمامها ليشمل البعد الأمني الناجم عن حرصها على زيادة وجودها على سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر العرب، وتقوية نفوذها في تلك المناطق؛ وبِناءً على ذلك ستشمل تحركاتها السودان وكينيا وإثيوبيا وإريتريا والصومال وغيرهم من البلدان، وسوف تسعى جاهدة لإنشاء قواع عسكرية لها في العديد من البلدان الأفريقية؛ وكل هذه التحركات تهدف موسكو من ورائها عدم محاصرتها بواسطة التحالف الأمريكي الغربي في مناطق نفوذها الجديدة والقديمة.

ولا يخفى علينا أن تحركات روسيا في القارة الأفريقية تتم بالتنسيق مع الصين، وفي غيرها من المناطق أيضًا من أجل خلق تحالف قوي يقابل التحالف الغربي، هذا بالإضافة إلى أهمية منطقة القرن الأفريقي سواء في  البحر الأحمر أو خليج عدن والمحيط الهندي، وتحكمها في مضيق باب المندب وأهم الممرات المائية في العالم من الناحية التجارية والعسكرية؛ وكل تلك العوامل تضع المنطقة في دوائر الاهتمام الروسي والغربي والأمريكي؛ وبالتالي تكون عرضة لأي تجاذبات وصراعات دولية.