"أوكرانيّو أوروبا".. شوكةٌ في حلوق الروس ومخاوف من سيناريو الحرب المفتوحة

  • 119
صورة أرشيفية معبرة

ربما تصدق مقولة "التاريخ يعيد نفسه"؛ فبالأمس القريب طفا على السطح مصطلح "الأفغان العرب"، الذين ذهبوا إلى أفغانستان للقتال ضد الاتحاد السوفيتي، وسهَّلت كل ذلك الغريمة التقليدية لروسيا (أمريكا)، واجتمعت في تلك البلاد مشارب شتى بلا ضابط منهجي، مما سمح سريعا للغلو بإلقاء ظلاله على المشهد.. وها نحن اليوم مع سيناريو مشابه لما حدث منذ نحو أربعة عقود لكن في أوكرانيا بدلًا من أفغانستان، وقد يكون مسمَّاهم الجديد "أوكرانيُّو أوروبا".

مرتزقة أوكرانيا

منذ أحد عشر يومًا استيقظ العالم على نبأ الغزو الروسي لأوكرانيا، ولم يُدهش أحد بذلك فالكل كان يتوقع تلك اللحظة نظرًا لملابسات الأحداث وكيفية التحركات الروسية وردود الفعل الأوكرانية والغربية، لكن ما أثار دهشة البعض هو إعلان "كييف" فتح الباب أمام المتطوعين للقتال في صفها ضد الروس من محبي أوكرانيا من غير الأوكرانيين على مستوى العالم، وأن القيادة الأوكرانية بصدد إنشاء "لواء دولي" من أجل تحريرها من الغزاة الروس، وحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحفيز هؤلاء المقاتلين الجدد بالإشارة إلى أن روسيا ليست غازية لأوكرانيا فقط، بل إن ذلك الغزو سيكون بداية حرب شاملة ضد أوروبا كلها. وما يؤكد عزم زيلينسكي أنه أعلن منذ يومين عن قرب وصول نحو 16 ألف متطوع أوروبي للقتال في صفوف الأوكرانيين.

لكن العجيب حقًّا تمثل في موقف الدول الغربية من تلك الخطوة؛ فلم تُدِن أو تشجب أو تندد بها، بل ما حدث هو العكس فقد أعلنت تفهمها وتقبلها الأمرَ لدرجة تقديمها كل التسهيلات والمساعدات لمرتزقة العالم أو "محبي أوكرانيا" –كما يسميهم الرئيس الأوكراني- لدخول أوكرانيا وحمل السلاح والانخراط في صفوفها والدفاع عنها؛ فقد أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية "ليز تراس" دعم بلادها لتلك القوات الأجنبية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن وزير الدفاع البريطاني "بن والاس" أكد ذلك من خلال إرسال بلاده قوات للقتال بجانب الأوكرانيين، ودعم "كييف" حتى تتمكن من القتال في جميع الشوارع باستخدام كل أنواع الأسلحة!

حرب عالمية ثالثة

الدول الغربية التي تخشى من جعل أراضيها ساحةً للحرب العالمية الثالثة (هي هي) التي تسهِّل مهمة دخول هؤلاء الأجانب إلى أوكرانيا وتتكفل بتسليحهم؛ ما يذكرنا بما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مع "الأفغان العرب" من أجل إسقاط الاتحاد السوفيتي آنذاك، وحينما انتهى التقاء المصالح (العربية-الأمريكية) وجد المقاتلون العرب أنفسهم "إرهابيين" بموجب قوانين بلادهم، بل بموجب القوانين الدولية أيضًا، وصاروا مطاردين في كل مكان؛ ومن ثَمَّ وجدت مناهج الغلو فرصتها وبيئتها لتنمو وبالفعل انبثق منهم العديد من التنظيمات المتطرفة التي يعاني العرب والمسلمون من ويلاتهم حتى الآن.

رد الفعل الروسي

بطبيعة الحال لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي، بل حذرت هؤلاء المتطوعين من الانخراط في صفوف المقاتلين الأوكران، وتوعدتهم بتقديمهم للعدالة، ولن يكون لهم الحق في المعاملة بصفتهم أسرى حرب لو وقعوا في أسر القوات الروسية؛ ما يعني أن هؤلاء المأجورين سيكونون خارج نطاق اتفاقية "جينيف" التي وُقِّعت عام 1949م، والتي تنص على أن أسير الحرب هو الشخص الذي يتبع جنود القوات المسلحة لإحدى الدول المتحاربة، وأنهم لا ينبغي معاقبتهم بسبب مشاركتهم المباشرة في العمليات العسكرية، ولا يُحتجزون إلا بهدف واحد فقط هو منع استمرار مشاركتهم في الصراع المسلح؛ وبِناءً على ذلك يجب إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى بلدانهم دون تأخير فور انتهاء العمليات العسكرية.

وهذا معناه أن هؤلاء المرتزقة عند وقوعهم في الأسر لن يُطلق سراحهم بمجرد انتهاء الحرب، وستتم محاكمتهم داخل المحاكم الروسية بموجب القوانين الروسية أيضًا.

المرتزقة وخطورتهم

كلمة "المرتزقة" يُقصد بها المقاتلين المحترفين المستأجرين، الذين يقاتلون في صف أي دولة ضد أي دولة، دون الإيمان بقضية ما أو حتى دون وجود سبب مقنع للقتال، بل العامل الأهم هنا هو المال الذي يتقاضونه نظير خدماتهم العسكرية. وقد شهدت مختلف الحروب على مستوى العالم وجود مقاتلين مرتزقة في صفوف بعض الجيوش، مثلما يحدث حاليًّا من قوات "فاغنر" الروسية في أراضي قارتنا الأفريقية. وهذا الأمر قديم قِدم التاريخ؛ فكتب التاريخ ملأى بالعديد من النماذج أيضًا فعلى سبيل المثال إبَّان عهد الإمبراطورية البيزنطية استعانت ببعض المقاتلين المرتزقة ضد الأتراك، والطريف في الأمر أنهم انقلبوا على البيزنطيين بعد ذلك وهاجموا إحدى مدنهم وعاثوا فيها وفي غيرها من المدن المجاورة فسادًا قبل سفرهم إلى مقدونيا.

وبخصوص الأزمة الأوكرانية، فسوف يساعد هؤلاء المقاتلون الأجانب على توسيع دائرة الصراع المسلح وإطالة زمنها، والتحوُّل من الحرب النظامية التي تدور بين الجيوش إلى سيناريو حرب العصابات والحرب المفتوحة التي قد تتسع وتطال مختلف البلدان الأوروبية داخل مدنهم من خلال تنفيذ العمليات الإرهابية، خاصة أوطانهم الأصلية حينما يعودون إليها محملين بخبرات قتالية هائلة، وتحولهم إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في كل آنٍ ومكان، وفي وجه أي نظام، وسيكبر أمرهم في أوكرانيا وغيرهم ويصيرون شوكة في حلوق الروس والأوروبيين فيما بعد، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيطال عددًا كبيرًا من البلدان غير الأوروبية.

إضافة إلى أن انتقال الخبرات العسكرية إلى المدنيين أمر في غاية الخطورة على الأمن والسلم المحليَّين والإقليميَّين والدوليَّين؛ نظرًا إلى الخلفيات الثقافية والدينية والاجتماعية والتعليمية والتربوية والأيديولوجية المختلفة التي ينتمي إليها هؤلاء المأجورون، والتي غالبًا لا تؤهلهم للتعامل السلمي مع أسرى الحرب والجرحى، وغيرها من المسائل المهمة التي يتدرب عليها جنود القوات المسلحة النظامية لأي دولة؛ ما سوف تنتج عنه انتهاكات خطيرة يصعب محاسبة مقترفيها لأنهم ليسوا جنودًا مسجَّلين في إحدى وزارات الدفاع أو الداخلية لأي دولة.

هذا علاوة على إمكانية خروج بعض المتطرفين من التنظيمات الإرهابية كتنطيمي "داعش" و"القاعدة"، وكذلك خروج بعض المغرَّر بهم من بلداننا العربية بطرق غير قانونية للانخراط في ذاك "اللواء الدولي" لمساعدة أوكرانيا ضد روسيا؛ لأغراض التربُّح من القتال، أو نتيجة لأفكارهم بأن روسيا تقتل المسلمين في الشيشان وغيرها من البلدان؛ ومن ثَمَّ تدور عجلة التاريخ وتعيد حقبة "العرب الأفغان".   

 

"أوكرانيِّو أوروبا".. شوكةٌ في حلوق الروس ومخاوف من سيناريو الحرب المفتوحة