• الرئيسية
  • الأخبار
  • وسط غفلة المجتمع الدولي.. سوريا معرضة للمجاعة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية

وسط غفلة المجتمع الدولي.. سوريا معرضة للمجاعة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية

  • 33
صورة أرشيفية معبرة

أصبح العالم كله كأنه يعيش في قرية واحدة؛ فأي أزمة أو كارثة تحدث هنا يصل تأثيرها لا محالة إلى بقية الأماكن هناك، ومن ذلك ما نعيشه منذ نحو أسبوعين بعد الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، وكل يوم نكتشف جديدًا من جراء تداعيات تلك الحرب، وليست منطقتنا العربية بعيدة عما يحدث، ويطفو على السطح بالطبع التأثر السوري بتلك الأزمة، لا سيما في ظل الأوضاع المتردية التي تعيشها منذ أكثر من عقد.

أثر الأزمة على سوريا

ارتفعت أسعار الغاز والبترول في العالم كله، بجانب التغيرات الحادثة في البورصات ومراكز المال العالمية منذ بدء الهجوم العسكري؛ وهذا بطبيعة الحال سيؤثر تأثيرًا مباشرًا وكبيرًا على ارتفاع جميع أسعار السلع لا سيما أسعار السلغ الغذائية والدواء، خصوصًا في ظل الصراع السوري الدائر على الأرض، وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية من جراء ذلك؛ ما يزيد المخاوف من انعدام الأمن الغذائي في الفترة المقبلة.

وتتزايد تلك المخاوف خاصةً في أعقاب هزات اقتصادية قوية للشعب السوري الذي يعيش أزمات قاتلة منذ عام 2011م، وهناك تحذيرات أممية –بحسب برنامج الأغذية العالمية- من تفاقم الوضع وزيادة نسب التجويع التي تصل إلى نحو 12.4 مليون سوري؛ أي بمعدل زيادة بلغ 5.4 مليون مواطن على عام 2019م، ومما يزيد الأمر تفاقمًا هو استمرار مواسم الجفاف وندرة المياه؛ ما نتج عنه قلة مساحة الأرض المنزرعة وصعوبة الزراعة.

فعلى سبيل المثال توجد ندرة تقترب للانعدام في بعض المواد الغذائية كالزيت تزامنًا بالطبع مع ارتفاع أسعارها؛ بسبب احتكار التجار تلك السلع الأساسية، وارتفعت كذلك أسعار الطحين بصورة جنونية، وسط قلق بالغ من قلة المخزون السوري من القمح الذي لا يكفي لأكثر من شهرين من الآن، لا سيما بعد موسم الجفاف غير المسبوق منذ حوالي 70 عامًا الذي عانت منه الأراضي السورية، خاصةً  في ظل خروج أراضي الجزيرة السورية في الشمال الشرقي عن سيطرة الحكومة الحالية؛ ما أجبرها على مواصلة استيرادها كميات كبيرة من القمح الروسي، وهنا مربط الفرس بخصوص أزمة الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، ويعد القمح الروسي السلعة الأولى على مستوى العالم من ناحية التصدير؛ فقد وصل إلى نحو أكثر من 37 مليون طن سنويًّا، يليه في الترتيب القمح الأمريكي والكندي الذي يصل إلى حوالي 26.1 مليون طن، ثم القمح الأوكراني الذي بلغ نحو 18.1 مليون طن.

القمح الروسي

وقد خفَّضت الحكومة السورية إنفاقها في أواخر شهر فبراير الماضي، بالتزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ويبدو أنها تنتظر ما سيؤول إليه اتفاقها مع الحلفاء الروس بشأن استيراد القمح، خصوصًا مع وصول شحنات القمح المتفق عليها حاليًّا، وقد حاول عمرو سالم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الروسي طمأنة شعبه بخصوص وجود وفرة في مخازن القمح والدقيق، وأن بلاده سوف تستقبل أعدادًا من السفن محملة بالقمح الروسي ستفي بالغرض خلال هذه الآونة. لكن على الرغم من تلك الجهود السورية فهناك سوء إدارة يبدو واضحًا في عملية ضبط الأسواق؛ فرغم عدم كفاية مخزون القمح لأكثر من شهرين تتصاعد أسعار جميع السلع بصورة غير منضبطة، لا سيما مع اقتراب شهر رمضان الكريم.

تحتاج سوريا حاليًّا إلى استيراد ما بين 150 - 200 ألف طن من القمح؛ كي تغطي العجز في مخزونها وتؤمن الغذاء لشعبها، وتستورد دمشق قمحها من روسيا والدول الحليفة لها مثل بيلاروسا وشبه جزيرة القرم المنفصلة عن أوكرانيا منذ عام 2014م، وكانت الأوضاع مستقرة نسبيًّا من ناحية القمح قبل الحرب الروسية الأوكرانية، لكن الوضع تغير بالطبع بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين الجانبين؛ ما يستلزم عقد اتفاقات وإيجاد بدائل في حالة تعثر أو صعوبة وصول القمح الروسي والأوكراني إلى الأراضي السورية.

وبالفعل أبرمت سوريا اتفاقيات مع شبه جزيرة القرم منذ أقل من شهرين؛ حيث تسعى الأخيرة إلى أن تكون بمثابة بوابة نحو دول البحر الأبيض المتوسط بجانب روسيا لتوريد نحو 1.5 مليون طن، وذلك أثناء زيارة محمد سامر الخليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري لها ولموسكو في منتصف شهر يناير الماضي، التي أعلن خلالها انخفاض  حجم القمح المزروع في بلاده من مليونين إلى 400 ألف طن سنويًّا؛ ما جعل سوريا في أمس الحاجة إلى استيراد نحو 1.5 مليون طن قمح من أجل تلبية حاجة السوق المحلية.

شبح الحرب

لكن مع استمرار الأزمة الأوكرانية فمن المتوقع حدوث تطورات ربما تخلُّ بالالتزامات والاتفاقيات المعقودة بين سوريا وروسيا وجيرانها، وأمام روسيا سيناريوهان: إغلاق تركيا مضيق "البوسفور" الذي يصل البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط؛ وبالتالي سيتأثر نشاطها التجاري كله مع مختلف الدول. أو أنها تُبقي على مخازنها الاستراتيجية وتجمِّدها وتوقف التصدير لحين انتهاء الأزمة لأنها تعيش حالة حرب ربما يطول زمنها. وفي ظل أي من هذين السيناريوهين فإن سوريا قاب قوسين أو أدنى من حدوث مجاعة.

ورغم صعوبة الظروف يبدو أن بوتين درس الوضع جيدًا قبل إقدامه على غزو أوكرانيا، واتخذ احتياطاته، وأنه سيعمد إلى جعل شبه جزيرة القرم واجهة للتبادل التجاري مع مختلف الدول، وكذلك تسيير رحلات الطيران وربط الموانئ بين البلدين، بحيث تصير موانئ القرم البوابات الجنوبية الرئيسة لروسيا.