هل يفتح الغزو الروسي لأوكرانيا شهية الصين على ضم تايوان؟

  • 82
صورة أرشيفية معبرة

أصبح العالم كأنه يعيش في قرية واحدة؛ فما يحدث هنا لا بد أن يكون له تأثير هناك، وقد دخلنا في الأسبوع الثالث منذ الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، ولا تزال تداعياته تلقي بظلالها على العالم أجمع في المستويات كافة السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والسياحية وغير ذلك، لكن ما يزيد المخاوف هو أن يكون هذا الهجوم العسكري فاتحًا لشهية بعض القوى الكبرى الأخرى على ضم دويلات كانت أجزاء تاريخية وجغرافية منها.

تأثُّر فكري

المتابع لسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ توليه السلطة يعي تمامًا أنه يتحرك من خلال إيمانه العميق بمحددات الأمن القومي الروسي، ولا يحيد عنه قيد أنملة، وأن حُلم إحياء أمجاد الإمبراطورية السوفيتية لا يزال يداعب مُخَيِّلته ولا يفارقه أبدًا، وأن كل تحركاته لا تخرج عن إطار إيمانه بأفكاره ومعتقداته، وأنه يحاول السيطرة على جيرانه الذين كانوا يومًا ما ضمن أراضي وسلطات الاتحاد السوفيتي ويتكلم بعضهم باللغة الروسية. ومن الممكن أن يمتد التأثُّر ببوتين في محاولة إحياء الإمبراطوريات الماضية، واستغلال غفلة أو انشغال العالم كله بما يحدث في أوكرانيا؛ فيسعى قادة بعض الدول الكبرى على غزو جيرانهم كما فعلت روسيا ويحاولون ضمها إلى أراضيهم من منطلقات جغرافية وتاريخية سابقة، والاتجاه نحو إعادة إحياء أمجاد غابرة عفى عليها الزمن، لا سيما أن بعض تلك المناطق المنفصلة نهجت نهجًا سياسيًّا مناهضًا لدولهم الأم.

تايوان

على سبيل المثال: "تايون" كانت ولا تزال جزءًا لا يتجزأ من الصين مهما ادعت الاستقلال أو الانفصال عن الصين؛ فلم تمضِ سويعات على بداية الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا يوم الخميس الموافق  24 من شهر فبراير الماضي، حتى أعلنت وزارة الدفاع التايوانية أن قواتها الجوية استطاعت إبعاد 9 طائرات صينية حلَّقت في أجوائها ودخلت ضمن حدود منطقة الدفاع الجوي التايواني، وهو الفعل الذي تكرر عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية.

وقبل ذلك بيوم واحد فقط صرحت وزارة الخارجية الصينية بأن تايوان ليست دولة مستقلة مثل أوكرانيا، فالوضع مختلف وأنها كانت ولا تزال جزءًا لا يتجزأ من الصين، وأن تبعيتها لبكِّين حقيقة قانونية وتاريخية بلا شك؛ ما جعل رئيسة تايوان "تساي إنغ ون" تأمر الوحدات الأمنية والعسكرية التايوانية كلها برفع درجة الاستعداد ومستوى مراقبتها وإبلاغها المبكر بالتطورات العسكرية حول مضيق تايوان. وهذا يلفت الانتباه إلى نيات الصين المبيَّتة تجاه تايوان، وأنها ماضية قُدمًا في سبيل عودتها إليها بشتى السبل، ولو حدث ذلك فمن ذا يقدر على منعها؟!

قصة تايوان

تايوان عبارة عن جزيرة تقع جغرافيًّا في جنوب شرقي الصين، وتبلغ مساحتها نحو 36 ألف كم2؛ أي ما يعادل خُمس مساحة سوريا تقريبًا، ويسكنها حوالي 24 مليون شخص، وكانت تابعة للصين حتى عام 1895م حينما سيطرت عليها الإمبراطورية اليابانية التي انتصرت على الصين حينذاك خلال الحرب الصينية اليابانية الأولى، لكن تغير الحال عقب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية خلال عام 1945م، وعادت تايوان إلى حكم وسيطرة جمهورية الصين الشعبية بموافقة حلفائها وقتذاك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ثم اندلعت حرب أهلية في الصين بعد ذلك بسنوات، انتصر فيها الشيوعيون الذين حكموا الجزء البري من البلاد، وفرت بقايا حكومة القوميين المنهزمين إلى تايوان واتخذت منها مقرًّا لحكومتها في عام 1949م.

وبعد ذلك توترت العلاقات كثيرًا بين الطرفين، وادعى كل طرف أنه يمثل الصين كلها، ولم تبدأ العلاقة بينهما في التحسن إلا خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، حتى أعلنت تايوان انتهاء حربها مع الصين في عام 1991م، واتفق الطرفان على أن تكون هناك صين واحدة، لكن الخلاف تجدد واستمر بينهما خصوصًا مع وجود تفسيرات متباينة بينهما؛ فالصين ترى أن جزيرة تايوان مقاطعة منفصلة عنها، وتعهدت باستعادتها بكل السبل حتى لو بالقوة إذا استدعى الأمر ذلك. بينما ترى تايوان أنها دولة ذات سيادة وإرادة مستقلة، سواء اعترفت الصين بذلك أو لم تعترف.

وما عقَّد الأمور بينهما في السنوات الأخيرة هو فوز "تساي إنغ ون" في الانتخابات الرئاسية التايوانية؛ لأنها تميل إلى الاستقلال الكلي عن الصين، خاصةً في ضوء تحسن علاقة تايوان بأمريكا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو الرئيس الذي فتح جبهات للحرب الكلامية والمواقف العدائية مع عدة دول كان على رأسها الصين، من خلال الحرب التجارية والاقتصادية التي شنها ضدها؛ ما نتج عنه توتر العلاقات كثيرًا بين الجانبين حتى الآن، وهو ما يبدو جليًّا في اتجاه بكِّين نحو التحالف والتكامل مع موسكو، ويمكننا قراءة ذلك من خلال مواقف الصين لا سيما من الأزمة الأوكرانية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن واشنطن أرسلت سفنًا حربية إلى مضيق تايوان. وزاد الأمر توترًا عقب تعهُّد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في شهر أكتوبر الماضي بالدفاع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم عسكري من الصين. لكن في ضوء الواقع الحالي والموقف الدولي من الغزو الروسي لأوكرانيا وضعف العالم كله أمام صلابة بوتين وآلته العسكرية؛ فإن الصين ستتجرأ على اتخاذ خطوة مشابهة لتنفيذ وعدها واستعادة تايوان التي تنظر إليها على أنها جزيرتها المتمردة، لا سيما مع امتلاكها قدرات عسكرية واقتصادية وتكنولوجية وبشرية كبيرة تقضُّ بها مضاجعَ أعتى القوى العالمية.